13-سبتمبر-2024
البرلمان المصري

رفض الناشطون والمؤسسات الحقوقية مشروع قانون الإجراءات الجنائية (رويترز)

يثير مشروع قانون الإجراءات الجنائية في مصر موجة من الرفض المجتمعي الواسع، حيث انضمت نقابة الصحفيين في مصر للرافضين لمشروع القانون، ودعت النقابة، استنادًا إلى وثيقة أعدها قانونيون إلى التمهل في مناقشة مشروع القانون في البرلمان، وطرحه قبل أي خطوة تشريعية لحوارٍ مجتمعي مفتوح أمام الجميع.

وكانت منظمات حقوقية وأحزاب سياسية رفضت مشروع القانون الجديد. ووقعت تلك الأحزاب، بالإضافة لشخصيات عامة وصحفيين، عريضةً مشتركة لسحبه بعنوان "اسحبوا قانون تقنين الباطل.. أوقفوا قانون الإجراءات الجنائية الجديد"، بدعوى أنه يُضحّي بأبسط مقومات المحاكمة العادلة والتوازن أو الفصل بين السلطات والضمانات القانونية للمتهم في الدفاع عن نفسه.

ومما جاء في العريضة الموقّعة: "خرجت علينا لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب في 17 آب/أغسطس الماضي، بمشروع قانون الإجراءات الجنائية المقدّم من الحكومة منذ عام 2017، وذلك بعد أيام قليلة من تصريحات رئيس الجمهورية التي يزف فيها إلينا بشرى تعديل نصوص قانون الإجراءات فيما يخص مدد الحبس الاحتياطي، استجابةً لتوصيات الحوار الوطني بشأن فكّ قيد آلاف من المحبوسين احتياطيًا وإنهاء هذا الملف. إلا أننا فوجئنا بخروج مشروع كامل لقانون إجراءات جنائية جديد، أقل ما يمكن وصفه بأنه كارثي لا يضع السم في العسل، بل يضع العسل في السم".

يُضحّي مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد بأبسط مقومات المحاكمة العادلة والتوازن أو الفصل بين السلطات

وتابع الموقعون: "هذا القانون يهدر أبسط قواعد المحاكمة العادلة والمنصفة، يلغي الفصل بين السلطات، ويشطب ضمانات وحقوق المتهم في الدفاع عن نفسه، وينسف بشكلٍ كامل دور المحامي في الدفاع عن المتهم، ويهدد استقلال مهنة المحاماة كشريك أصيل للقضاء في تحقيق العدالة".

وأردف الموقعون في عريضتهم: "يقولون إذا أردت أن تعرف مستوى الحقوق والحريات في أي بلد، فانظر إلى قانون الإجراءات الجنائية فيه، لأن قانون الإجراءات الجنائية هو الدستور الثاني أو دستور العدالة الجنائية، إنه التطبيق العملي والحافظ الإجرائي لتلك الحقوق والحريات، يضع الضوابط أمام رجال السلطة العامة عند قيامهم بواجبات وظائفهم لتحقيق التوازن بين حق الدولة في تنفيذ القانون، وبين حريات وحقوق المواطنين".

وتساءل: "فما الذي جاء به هذا القانون الكارثي الجديد، والحديث هنا لا يتسع لتناول كل كوارثه وإنما نشير إلى بعضٍ منها لضرب المثل حتى نقف جميعًا على حقيقة هذا المشروع".

ولخّص الموقعون أسباب رفضهم لمشروع القانون بالقول إنّ مشروع القانون: "أعطى لرجال الشرطة ما هو محظور الحق في دخول منازل المواطنين دون إذن قضائي في حالة الخطر تنفيذًا لنص الدستور، لكنه لم يضع تعريفًا محددًا للخطر المقصود، ولا عدد حالات الخطر بشكل يمكن أن نفهم منه أنه استثناء ضيق من الأصل العام، وهو حرمة المنازل وعدم جواز دخولها من قبل رجال الشرطة إلا بإذن قضائي. وكان يجب أن يحتفظ بالنص القديم الذي ضيق هذا الأمر بضرب المثل بحالة الاستغاثة أو في حالات الحريق والغرق".

كذلك رفض الموقعون تقنين مشروع القانون: "كل إجراء باطل، بأن نص على أنه كل إجراء باطل وقع في حضور محامي المتهم لا يمكن التمسك به أمام المحكمة. في نفس الوقت الذي منح هذا القانون لوكيل النيابة "الحق" في "منع" المحامي من الكلام في أثناء التحقيق، فكيف يتمكن المحامي من إثبات الإجراء الباطل".

وقالوا: "إن الإجراء الباطل لا يصححه أي شيء لأن الإجراء الباطل في حكم المنعدم". وانتقدوا: "فتح القانون الباب أمام تنفيذ الأحكام الغيابية التي ليس لها حجية وتُعاد المحاكمة بمجرد الطعن عليها. رتب هذا القانون على الحكم الغيابي إجراءً فوريًا لمعاقبة المتهم -الذي ربما لا يدري أنه متهم في قضية من الأساس- وهو التحفظ على أموال المتهم ومنعه من التصرف، بل وأضاف نصاً مكملًا يقول فيه، وينفذ من الحكم الغيابي ما يمكن تنفيذه من عقوبات، وبالتالي أصبح الحكم الغيابي واجب النفاذ".

واعترضوا أيضًا على: "منع المحامي من الحصول على صورة من أوراق التحقيقات، وجمع الاستدلالات، إذا رأى وكيل النيابة أن ضرورة التحقيق تقتضي ذلك". كذلك، رفض الموقعون أنه: "في نفس الوقت الذي منحوا فيه للنيابة العامة سلطتي الاتهام والتحقيق، أعطوها الحق في رفض سماع شهود النفي والإثبات إذا طلب المتهم ذلك". وبخلاف رفض: "المبالغة في رفع قيمة الرسوم القضائية مما يجعل مهمة الفقراء وغير القادرين في اللجوء للقضاء صعبة ومكلفة، مما يخل بمبدأ المساواة أمام القانون وكأنه خصخصة للقضاء لخدمة من يستطع إليه سبيلًا".

وقال المنتقدون لمشروع القانون: "إن الحديث لا يتسع لاستعراض كافة النصوص الكارثية الواردة في هذا المشروع"، داعين إلى تشكيل أكبر جبهة ممكنة من المحامين والصحافيين والبرلمانيين والأحزاب والحركات السياسية والشخصيات العامة وكافة النقابات، ومن ينضم من المواطنين للدفاع عن مطلب وحيد هو سحب هذا المشروع الكارثي ووقف مناقشته.

ومن ضمن المؤسسات والكيانات الموقعة على البيان المشترك: مؤسسة قضايا المرأة المصرية، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ومؤسسة حرية الفكر والتعبير، والاشتراكيين الثوريين. وفي السياق نفسه، أعرب حزب العيش والحرية عن رفضه لمسودة مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد الذي أعلن عنه البرلمان المصري في مطلع شهر أيلول/سبتمبر الجاري 2024. وكذلك، اعتبرت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، مشروع القانون بمثابة "خطر على العدالة".

وأعربت الشبكة المصرية، عن رفضها التام وقلقها البالغ إزاء اعتزام الحكومة المصرية إصدار مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، والذي يواجه اعتراضات شديدة من قبل نقابة المحامين والعديد من المنظمات الحقوقية والمدنية، معتبرةً أن هذا المشروع سوف يؤدي إلى: "المزيد من القمع والاستبداد، ويعد تهديدًا خطيرًا على أسس العدالة وسيادة القانون في مصر".

وقالت الشبكة إن: "مشروع القانون المقترح يتضمن بنودًا تهدّد ضمانات المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع، وهو ما يمثل انتهاكًا واضحا للمعايير الدولية التي تلتزم بها مصر. وبدلاً من تعزيز حقوق المتهمين ودعم حقهم في محاكمة عادلة، يسعى المشروع إلى تقليص تلك الحقوق بما يتعارض مع الدستور المصري والالتزامات القانونية الدولية".

وبعد موافقة لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب على مشروع القانون، في جلستها الختامية الأربعاء، عقّبت اللجنة على موقف بعض المنتقدين، وعلى رأسهم موقف نقابة الصحافيين، الرافض لمشروع القانون الذي أعلنه النقيب خالد البلشي، ووصفت تصريحاته بشأن مشروع القانون "بالادعاءات المغرضة".