05-سبتمبر-2024
يعد معتقل تازمامارت من أسوء المعتقلات في المغرب (منصة إكس)

يعد معتقل تازمامارت من أسوء المعتقلات في المغرب (منصة إكس)

بعد عقدين من الزمن على عقد المصالحة الوطنية بين الدولة المغربية والمعارضة حول الفترة التي عرفت بسنوات الرصاص، وافق المجلس الوطني لحقوق الإنسان أخيرًا على اتخاذ خطوة تسمح لذوي الضحايا الذين قضوا داخل معتقل "تزمامارت"، أحد أسوأ المعتقلات في المغرب، بتحديد هويتهم ليتعرفوا عليهم، وذلك من خلال إجراء التحاليل الجينية " ADN" لرفاتهم.

وقال المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إن "الموافقة على مطالب إجراء التحاليل الجينية للمعتقلين المتوفين في معتقل تزمامارت السري، جاءت استجابة لمطلب قدمته جمعية الضحايا منذ 20 عامًا".

وسارعت جمعية ضحايا معتقل "تازمامارت"، التي تضم عائلات من الضحايا وذوي الحقوق، إلى "تثمين استجابة المجلس الوطني لحقوق الإنسان لهذا المطلب"، مشيرة إلى أن هذه الخطوة جاءت متأخرة بعقدين من الزمن، بعدما ظلت العائلات ترفع مطلب إجراء التحاليل الجينية للشهداء أولًا ولذوي الحقوق أخيرًا"، وفق ما جاء في بيان الجمعية.

جاءت الموافقة على مطالب إجراء التحاليل الجينية للمعتقلين المتوفين في معتقل تزمامارت السري استجابة لمطلب قدمته جمعية الضحايا منذ 20 عامًا

وتعتزم عائلات الضحايا وذوو الحقوق مراسلة رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، آمنة بوعياش، من أجل طلب عقد لقاء عاجل حول الملف المطلبي للضحايا وذوي الحقوق.

من جهته، أشاد أحد أبرز المعتقلين الناجين في "تازمامارت"، أحمد المرزوقي، بالقرار لكنه لم يخف استغرابه من التوقيت المفاجئ لهذه الخطوة، قائلًا: "هي خطوة إيجابية كنا نطالب بها منذ سنوات، لكنهم كانوا يرفضونها بشدة بدعوى أن الحمض النووي غير كافٍ لتحديد هوية الرفات"، وأضاف المرزوقي في تصريح لجريدة "العمق" المغربية: لقد "كانوا يجادلون في جدوى العملية، ولا ندري السبب وراء اتخاذ هذه الخطوة الآن".

معتقلي تازمامارت

وتابع: "نحن لا نعلم السبب وراء تغيير موقفهم الآن، ولكننا نثمن هذه الخطوة، مع التأكيد على ضرورة إشراكنا في كل مراحل هذا الإجراء"، لافتًا: إلى أنه "من غير المعقول بعد كل ما تعرضنا له أن يتم تعويضنا بمبلغ 2 مليون درهم فقط، مع حرماننا مما يسد حاجياتنا اليومية، وهذا الظلم سنواجههم به أمام الله يوم الحساب".

وأعرب المعتقل السابق، عن استنكاره الشديد للتهميش الذي تعرض له هو وبقية الناجين من معتقل "تازمامارت"، وقال: "نستنكر التهميش الذي تعرضنا له وعدم إشراكنا في هذا الإجراء"، وأضاف: "يتصرفون وكأنهم هم من عاشوا تجربة تازمامارت وليس نحن. وكأنهم هم من تعرضوا للتعذيب والمعاناة... لقد تم تغييبنا كأننا لم نكن شيئًا مذكورًا".

وعبر المرزوقي عن خيبة أمله في التعامل مع ملف الضحايا، معتبرًا: أن "هؤلاء الذين يعلمون جيدًا ملفنا وكانوا مناضلين حقيقيين، كان بإمكانهم تسوية وضعيتنا بجرة قلم، لأننا لم نطالب بشيء سوى تقاعدنا العسكري لأنه كان مقبوضًا علينا بدون وجه حق".

يذكر أن التقرير الصادر عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان لعام 2023، كشف عن قيامه بمتابعة "لدى المختبر الجيني الدولي لإخضاع عينات عظام من رفات مفترضة لضحايا سبق تسليمها له قصد إجراء التحاليل الجينية عليها وتحديد هويات أصحابها، وتعذر ذلك بسبب تدهورها"، وأضاف المجلس أنه "حين علم بالتطور التكنولوجي الذي أصبح يسمح بإمكانية استخراج الحمض النووي من عينات عظام متدهورة، بادرت رئاسة المجلس إلى تشكيل لجنة ضمت ممثلين عن لجنة متابعة تفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة ورئاسة النيابة العامة، وخبراء من المختبر الجيني الوطني للشرطة العلمية ومصلحة الطب الشرعي بالمستشفى الجامعي بالدار البيضاء.. وتوجهت اللجنة إلى مقر المختبر الجيني الدولي بتاريخ 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، من أجل إخضاع عينتين من مجموع العينات المتبقية لدى المختبر الدولي لعملية استخراج الحمض النووي".

أشاد أحد أبرز المعتقلين الناجين في "تازمامارت"، أحمد المرزوقي، بالقرار، لكنه لم يخف استغرابه من التوقيت المفاجئ لهذه الخطوة

ومن شأن هذه الخطوة أن تطوي صفحة تعد من أحلك فترات انتهاكات حقوق الإنسان التي شهدها المغرب، في عهد الملك الراحل الحسن الثاني. فقد سجن العاهل المغربي في معتقل تازمامارت، العسكريين المتهمين بالتورط بمحاولة الانقلاب في قصر الصخيرات ومحاولة انقلاب أوفقير، أوائل السبعينات من القرن الماضي.

وبعد وفاة، الحسن الثاني، وتولي، محمد السادس، العرش قرر الأخير إطلاق آلية للعدالة الانتقالية لطي صفحة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي حصلت في عهد والده، وبذلك تأسست هيئة "الإنصاف والمصالحة" في 2004 برئاسة المعتقل السياسي الراحل، إدريس بنزكري، لتكمل عمل هيئة "التحكيم المستقلة للتعويض"، التي استحدثت سنة 1999.

وفي نهاية تحقيقاتها، وضعت اللجنة تقريرًا شاملًا دعت فيه إلى تعويض ضحايا الانتهاكات، ماديًا ونفسيًا، وإقرار حزمة إصلاحات في مجالات الأمن والعدالة والتشريع، وهي توصيات كلف المجلس الوطني لحقوق الانسان بالإشراف على تطبيقها.