خلال 25 عامًا، هي سنوات المشوار الفني للمخرج الأمريكي دارين أرنوفكسي، قدم لنا الرجل 13 فيلمًا، ليس منهم فيلم لم يتسبب في إثارة الجدل والتساؤلات حول أرنوفكسي، وأفكاره ورؤيته للعالم، وبالطبع الهدف أو الرسالة من صناعة هذه الأفلام. تساؤلات تتعلق دائمًا بالإزعاج وما تقدمه هذه الأفلام من استفزاز لكل حواس المشاهدين. وسواء كنت شاهدت فيلم "Mother"، الفيلم الأخير لأرنوفكسي، ودخلت في دوامة التفسيرات والنقد التي أُحيط بها الفيلم، أو لم تشاهده، فهذا الحوار للمخرج منذ سنوات قليلة في موقع "The Talks"، وجدنا أن ترجمته ستكون مفيدة لفهم أفكاره وما يصنعه بأفلامه.
سيد أرنوفكسي، هل تستمتع بتعذيب جمهورك؟
حسنًا، لدى الناس معانٍ ومستوياتٍ مختلفة لما يعتبرونه تعذيبًا. بعض الناس يستمتع بها، لذلك هو خيطٌ رفيع. أنا أحاول الوصول إلى أبعد مدى. أعتقد أنه من المحتمل أنني ما زلت أُحاول إزعاج أختي لجذب اهتمامها. في عالم اليوم من الصعب جدًا خلق الصور والأفكار التي يتذكرها الناس، لذلك أنت ترغب في خلق تجربة تستمر. وهذا عادةً ما يكون رحلة شاقة جدًا.
دارين أرنوفكسي: أعتقد أن فيلم The Wrestler كان غير متوقع تمامًا. قال الجميع: لماذا تفعل فيلم عن المصارعة مع ميكي رورك؟ ماذا تفعل؟ هل تريد حقًا أن تدمر حياتك المهنية؟
غالبًا ما تسبب أفلامك استقطابًا وجدلًا واسعًا. هل هذا مقصود؟
حقيقةً، أنا لا أُفضِّل هذا. (يضحك) أود أن يحبها الجميع، ولكن هذا ما يحدث. لا أعرف كيف أتجنب ذلك. في حالة فيلم Requiem for a Dream، قال لي الناس أنيّ اغتصبتهم، وتقيأ بعض الناس، جاءت سيارة إسعاف في تورونتو، عندما عُرِض الفيلم في مهرجان تورونتو السينمائي؛ لأن أحد المشاهدين أُصيِب بنوبة قلبية.
اقرأ/ي أيضًا: كيف عبّر فيلم "موكب جنازة الورد" عن مثليي الجنس في اليابان؟
إنه ليس صادمًا بشدة الآن، ولكن في ذلك الوقت كان مختلفًا قليلًا. انتقد Pi أيضًا. وصفته صحيفة "نيويورك تايمز" بأنه (فظ وخشن) وأن الموسيقى كانت مزعجة. ماذا أفعل؟ لا يمكنك أن تحصل على إعجاب الجميع.
ولكن الأمور في الوقت الحاضر مختلفة. استقبل الجمهور فيلميك الأخيرين استقبالًا جيدًا حقًا
أعتقد أن The Wrestler كان غير متوقع تمامًا. قال الجميع: "لماذا تفعل فيلمًا عن المصارعة مع ميكي رورك؟ ماذا تفعل؟ هل تريد حقًا أن تدمر حياتك المهنية؟"، فيلم Black Swan أيضًا كان ناجحًا.
أعتقد أن الأذواق قد تغيرت. Requiem for a Dream حصد 3 ملايين دولار في دُوُر العرض، وأعتقد في عالم اليوم ربما كان قد سوِّق بطريقةٍ أخرى. كان قبل Boys Don't Cry وهذه الأفلام الأخرى التي أصبحت فجأةً أفلام أوسكار. لذلك ربما الذوق الذي يتوقعه الناس في دُوُر العرض قد تغير قليلًا. قريبًا سوف أكون كبيرًا في السن، لذلك أنا أحاول اللحاق بالركب في اللحظة الأخيرة.
هل يمكن أن تتخيل الكتابة أو الإخراج للكوميديا؟
بعض أفلامي كطالب كانت كوميديا، لذلك أود أن أفعل ذلك بشدة. ولكن لا أعرف، لسببٍ ما أظل أُخرِج هذه الأفلام الكئيبة، لا أعرف لماذا.
أهو أمرٌ في طبيعتك؟
نعم، في كثير من الأحيان يكون هناك رابط بيني وبين القصة التي أعمل عليها، وهو ما يحثني على مواصلة الأمر. كما تعلم، كل مشروع من مشاريعي أشبه بسباق ماراثون، وكثير من من هذه المشاريع لم يبلُغ منتهاهُ بعد، والسبب الوحيد في ذلك، هو أنني أعود إليها من جديد، وأحاول العمل عليها ومعرفة كل شيء يتعلق بها.
دارين أرنوفكسي: بعض أفلامي كطالب كانت كوميديا، لذلك أود أن أفعل ذلك بشدة. ولكن لا أعرف، لسببٍ ما أظل أُخرِج هذه الأفلام الكئيبة، لا أعرف لماذا
كان يجب أن يحدث ذلك مع فيلم "النافورة" (The Fountain). فقد ظل العمل مستمرًا حتى بعد فقدان براد بيت -الممثل الرئيسي للفيلم- خلال فترة إنتاج العمل. فقد انسحب براد بيت بعد أن تم إنفاق 18 مليون دولار، وانهار الفيلم. قضيت الستة أو السبعة أشهر التالية أحاول معرفة ما الذي يجب فعله. وفي إحدى الليالي التي لم أستطع النوم فيها، تركت فراشي وجلست في مكتبي، وكان أمامي جميع الكتب التي كنت قد قرأتها في إطار الإعداد لفيلم (النافورة)، وأدركت حينها أنني مُقتنع تمامًا بهذا الفيلم، ولن أستطيع المضي قُدمًا في أي شيء آخر ما لم أستطع إنهاء هذا الفيلم، على الرغم من عقبة الثمانية عشر مليون دولار التي أُنفقت عليه.
لا أعرف حقًا كيف تمكنت من إيجاد حلًا لهذه المشكلة
كان الأمر مزعجًا جدًا بالنسبة لي، وكانت الشهور السبعة التالية شديدة الصعوبة عليّ. ولكنني شعرت بالاستياء الشديد تجاه الموظفين وطاقم العمل، فقد تأثر قرابة 400 أو 500 شخص بشدةٍ من هذا التوقف بعد أن انهار كل شيء. فقد اضطر بعض هؤلاء الناس للانتقال من مدنهم.
لماذا انسحب براد بيت من الفيلم؟
من الصعب جدًا التحدث في هذا الموضوع، لأننا عملنا سويًا قرابة عامين ونصف، فقد كان الأمر أشبه بعلاقةٍ وثيقة. حتى أنه قال عندما ترك العمل في الفيلم، أنه شعر وكأنه ينفصل عن حبيبته أو شيء من هذا القبيل، فقد استمر العمل في الفيلم قرابة عامين ونصف. إلا أنه من غير المعقول أن يتسبب شيء واحد في كسر العلاقة. ربما يرجع السبب إلى وجودي في استراليا، لمدة ستة أشهر، من أجل القيام ببعض التحضيرات للفيلم، وكان هو في لوس أنجلوس، ومن ثم نشأ الفتور بيننا.
هناك خرافةٌ تقول أن صناع الأفلام يعلمون بالضبط ما الذي يريدونه. ربما يكون ذلك حقيقيًا لدى بعض الأشخاص، لكنني لا أعمل بهذه الطريقة.
هل يُعد الحدس مهمًا لك أيضًا عندما تكون في وسط التصوير؟
عندما تكون في وسط التصوير، فإنك تعمل وفقًا لحدسك بالفعل طوال الوقت -وهو أمرٌ ضروري. فهناك خرافةٌ تقول، أن صناع الأفلام يعلمون بالضبط ما الذي يريدونه. ربما يكون ذلك حقيقيًا لدى بعض الأشخاص، لكنني لا أعمل بهذه الطريقة.
اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Loving Vincent".. كيف استطاع 100 رسام تخليد ذكرى فان جوخ كأفضل ما يكون؟
كيف تعمل إذًا؟
أسعى للحصول على أكبر عدد ممكن من الأشخاص المتميزين، كما أحاول الحصول على أكبر قدر ممكن من العناصر الجيدة في موقع التصوير، وخلق بيئة تسمح للممثلين بتجربة بعض الأشياء، ومعرفة أنه من الوارد وُقوع بعض الأخطاء، ومن ثم أتبع حدسي للوصول إلى أفضل نتيجة ممكنة. أعتقد أنك إذا حاولت الضغط للحصول على شيءٍ جيد من خلال فرض إجراء معين، فبعض النظر عما تفعله، لن تصل إلى نتيجةٍ جيدة.
دارين أرنوفسكي: كنت أتمنى أن أكون أكثر تحكمًا. بل على العكس من ذلك، أنا صادق جدًا مع الممثلين. فأنا أُخبرهم: الوقت الذي سوف يستغرقه الأمر، ونوع المتاعب، ونوعية العمل
هل من السهل الحصول على فريق عمل جيد؟
ليس تمامًا. كنت أتمنى أن أكون أكثر تحكمًا، لكنني لست كذلك. بل على العكس من ذلك، أنا صادق جدًا مع الممثلين. فأنا أُخبرهم: "الوقت الذي سوف يستغرقه الأمر، ونوع المتاعب، ونوعية العمل. ومن الضروري أن تقوم بذلك".
بعد ذلك، تقول لي الغالبية العظمى منهم "معذرةً، لا أعتقد أنني أستطيع القيام بذلك". لقد فقدت الكثير من ممثلي الصف الأول في أعمالي، على مدار السنوات السابقة بسبب ذلك. فحياة الناس أصبحت معقدةً للغاية، ولديهم الكثير من الفرص. أعني بذلك أن تُلقِي نظرًة على الممثلين الذين عملت معهم: كم عدد من هناك طلب كبير عليهم من بينهم؟ إذا حصلت على أحدهم في أعمالي، فسوف تكون فرصةً لهم لتقديم شيء مختلف. ولكن عادةً لا أحصل على أحد منهم.
اقرأ/ي أيضًا: