21-أكتوبر-2024
الضاحية الجنوبية

تصاعد الدخان فوق الضاحية الجنوبية لبيروت بعد غارة إسرائيلية (رويترز)

قبل العدوان الإسرائيلي الشامل على لبنان، كانت شوارع ضاحية بيروت الجنوبية تضج بالحياة، شوارعها وأسواقها تشهد حركة وازدحامًا كبيرًا وأبنيتها تضيق بساكنيها. لكن اليوم أصبحت منطقة منكوبة وهجرها سكانها بفعل الغارات الإسرائيلية المكثفة، ولم يبقَ إلا شبان يتجولون على دراجاتهم النارية بين الركام.

دمرت الغارات الإسرائيلية أبنية كاملة وسوتها بالأرض وهشمت واجهات شقق ومحال ومؤسسات تجارية، وتحول بعض الأحياء التي طالتها الغارات إلى أكوام من الركام.

منذ اغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، خلال غارة إسرائيلية عنيفة على حارة حريك، تسود حالة من عدم الثقة في المنطقة. يراقب الشبان، من أبناء المنطقة، على دراجاتهم النارية حركة العابرين والسيارات ويتأكدون من أن الوافدين هم أبناء المنطقة جاؤوا على عجل لتفقد منازلهم وأخذ احتياجاتهم.

بسبب الغارات المكثفة والعنيفة، نزح غالبية سكان ضاحية بيروت الجنوبية والذين يقدر عددهم ما بين 600 ألف و800 ألف شخص إلى مناطق أخرى، ما عدا جنوب البلاد وشرقها

يخبر محمد، البالغ من العمر 32 عامًا، والذي يعيش في الضاحية الجنوبية منذ 25 عامًا، وكالة "فرانس برس"، أنه عاد الى المنطقة لأخذ ملابسه، هو غير قادر على شراء ثياب جديدة مع ارتفاع الأسعار في بلد يعيش انهيارًا اقتصاديًا كبيرًا منذ خمس سنوات. ويوضح، متحفظًا عن ذكر اسمه الكامل، أن شباب المنطقة طلبوا منه ألا يتأخر كثيرًا لأن المسيّرات تحلق باستمرار ويمكنها أن تقصف في أي لحظة.

ترك محمد منزله بعد الغارة التي استهدفت، حسن نصر الله، في 27 أيلول/سبتمبر الماضي، ويقيم منذ ذلك الحين لدى أقاربه في بيروت. يقول: "خرجنا من دون أن نرتدي أحذيتنا وظننا أننا لن نرى منزلنا مرة أخرى".

المبنى حيث شقة عائلة محمد لا يزال صامدًا رغم أن محيطه تعرض لضربات. وتقدر مديرة البحوث في "مختبر المدن بيروت" التابع للجامعة الأميركية، منى فواز، أن حوالي 320 مبنى في بيروت وضاحيتها تدمر.  

وتشير أستاذة الدراسات والسياسات المدنية لوكالة "فرانس برس" إلى أنه "خلال الحرب المدمرة التي شنتها إسرائيل على لبنان واستمرت 33 يومًا صيف 2006، أظهر مسح أن 1332 مبنى من طبقات عدة تضرر بشكل جسيم، وسُوي 281 مبنى بالأرض، ما أجبر 100 ألف شخص على النزوح من مساحة تقدر بحوالي 20 كيلومترًا مربعًا".

وبحسب فواز، فإن الطائرات الإسرائيلية "تستهدف بشكل متعمد كل ما يسمح للحياة بالاستمرار من خدمات لا تعد من البنى التحتية لحزب الله، وعلى نطاق جغرافي أوسع مما كان عليه الحال خلال حرب 2006. وسبق لحارة حريك أن نالت نصيبها من القصف والأضرار صيف 2006. وبقيت منطقة برج البراجنة المجاورة حينها بمنأى عن الأضرار، لكن قاطنيها وجدوا أنفسهم هذه المرة تحت رحمة الغارات".

ودمرت الغارة الإسرائيلية التي أدت إلى اغتيال الأمين العام لحزب الله أبنية بأكملها في منطقة حارة حريك، وتصدعت الأبنية المجاورة بشكل لا يسمح لسكانها بالعودة إليها. وباتت أحياء بأكملها منكوبة مع تطاير إسفلت طرقاتها وانفجار أنابيب المياه وشبكات الصرف الصحي فيها وتقطع الأسلاك الكهربائية وخطوط الهاتف وتدليها في كل ناحية.

وبسبب الغارات المكثفة والعنيفة، نزح غالبية سكان ضاحية بيروت الجنوبية والذين يقدر عددهم ما بين 600 ألف و800 ألف شخص إلى مناطق أخرى، ما عدا جنوب البلاد وشرقها، التي ينحدر معظمهم منهما، إذ تشهد كذلك غارات عنيفة من الطيران الإسرائيلي. ويعيش غالبية النازحين في مراكز إيواء موقتة أو في شقق مستأجرة أو لدى أقاربهم ومعارفهم.

يتذكر حسن الذي نزح من منزله، صباحات الحي مع الأصدقاء وألعاب الأطفال ورائحة الخبز وتبادل التحية بين الجيران، ويبدي حزنه للدمار الذي لحق بالمدارس والمحال والأبنية وحتى السوبر ماركت التي كان يعتمدها كعلامة بارزة لتحديد الطريق إلى منزله. ويقول: "نخاف من العودة بعد الحرب ونكتشف كم خسرنا من أصدقاء، على غرار العام 2006".

ولد حسن، البالغ من العمر 37 عامًا، وترعرع في محلة المريجة في ضاحية بيروت الجنوبية. وهي المنطقة التي شهدت غارات كثيفة، قال جيش الاحتلال الإسرائيلي إنه استهدف مقرًا تواجد فيه رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله، هاشم صفي الدين، أبرز المرشحين لخلافة نصر الله، من دون أن يتضح مصيره.