في مقابل مظاهر التمييز ضد المسلمين والاعتداءات العنصرية التي يتعرضون لها في الولايات المتحدة، منذ "الغزوة الداعشية" التي نفذها الأمريكي المسلم سيد فاروق وزوجته تاشفين مالك في سان برناردينو في ولاية كاليفورنيا، تضاعف حجم التضامن مع المسلمين من قبل شرائح أمريكية واسعة. وبموازاة تصريحات دونالد ترامب العنصرية ومطالبته بحظر استقبال المسلمين على الأراضي الأمريكية لاقت دعوة الرئيس باراك أوباما الاميركيين إلى احتضان المسلمين وعدم استعدائهم تجاوبًا سياسيًا وشعبيًا واسعًا، بدءًا من رموز حركة الحقوق المدنية الأمريكية والمدافعين عن حقوق الاقليات الدينية والعرقية، إلى الفعاليات الدينية الإسلامية والمسيحية واليهودية، إلى المرشحين للرئاسة عن الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وهذا الاخير بدأ جديًا دراسة اتخاذ القرار باستبعاد ترامب وإعلان تبرؤ الجمهوريين من تصريحاته الفاشية.
رأت وزارة الدفاع الأمريكية أن طرح ترامب حول منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة يهدد الأمن، ويعزز قدرات تنظيم داعش على تجنيد أمريكيين
ورغم تزايد عدد الاعتداءات والتحرشات العنصرية التي استهدفت المسلمين ومساجدهم بعد اعتداء كاليفورنيا وتجاوزها السقف الذي وصلت إليه عقب "غزوة نيويورك" في الحادي عشر من سبتمبر 2001، فإن النظرة إلى المسلمين في الولايات المتحدة على أنهم مواطنون أمريكيون لهم حقوقهم المدنية باتت أكثر رسوخًا. من ناحية بسبب ارتفاع درجة اندماج المسلمين في المجتمع الأمريكي وتحسن أداء منظماتهم من خلال تفعيل مشاركتهم في الانتخابات والحياة السياسية، ومن ناحية أخرى بسبب القوانين والقيم الديمقراطية الأمريكية التي تقوم على صيانة حريات التعبير وحماية المعتقدات الدينية على اختلافها.
وهذه القيم تشكل بنودًا مقدسة في الدستور الأمريكي والمس بها يعني نسف أركان الثقافة الأمريكية ونمط الحياة في الولايات المتحدة. على هذا سارع رئيس مجلس النواب الأمريكي السيناتور الجمهوري بول ريان إلى إدانة تصريحات ترامب ضد المسلمين واعتبارها مخالفة للدستور الأمريكي فيما ذهب البيت الأبيض إلى أنها تجعل من أبرز المرشحين الجمهوريين شخصًا غير مؤهل أصلًا لشغل منصب الرئاسة الأمريكية.
بدورها تصدت وسائل الإعلام الأميركية لتصريحات ترامب، واستعادت كافة المفردات التي ألصقت بالنازية الألمانية في ثلاثينيات القرن الماضي في وصفها فاعتبرتها تصريحات فاشية ونازية وقالت صحيفة الواشنطن بوست أنها تعود إلى الأدبيات الديماغوجية وسمح رئيس التحرير لموظفيه بتجاوز معايير الموضوعية واستخدام عبارة العنصري للتعريف عن دونالد ترامب. فيما أشارت محطة اي بي سي التلفزيونية إلى أن تصريحات ترامب تعيد إلى الأذهان مجازر الهولوكست التي ارتكبها هتلر ضد اليهود في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية.
وكان لافتًا في سياق ردود الفعل المنددة بالتصريحات العنصرية لترامب ظهور لافت لنجم الملاكمة الأمريكي الشهير محمد علي كلاي ونجم كرة السلة كريم عبد الجبار للدفاع عن المسلمين وإظهار تجذرهم في المجتمع الأمريكي.
يبقى أن البعد الأخطر في تصريحات ترامب تتمثل بالبعد الأمني والمخاطر التي باتت تهدد الأمن القومي الأمريكي. ويقوم الاف بي آي حاليًا بإجراء تحقيقات بأكثر من ثلاثين حادثة اعتداء ضد المسلمين تم الإبلاغ عنها. إحداها مقتل فتى أميركي من أصل صومالي في سياتل في ظروف غامضة أعقبها مظاهرات نظمها مسلمون لملاحقة مرتكبي الجريمة العنصرية. ويتوقع مكتب التحقيقات الفدرالي، الذي يتابع بقلق تزايد شراء الأسلحة في أوساط واسعة من الجمهور الأمريكي، وقوع مزيد من الحوادث المماثلة ضد المسلمين مع تصاعد أجواء الكراهية التي أثارها ترامب في أوساط اليمين الأمريكي المتشدد.
كما رأت وزارة الدفاع الأمريكية أن طرح ترامب حول منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة يهدد الأمن الاميركي ويعزز قدرات تنظيم داعش على تجنيد أمريكيين وتنفيذ هجمات ارهابية جديدة على الاراضي الاميركية. وأشار بيان للبنتاغون إلى تحالفات الولايات المتحدة مع الدول الإسلامية وإلى وجود أكثر من خمسة آلاف مسلم يخدمون في الجيش الأمريكي.
الأرجح أن شدة الحملة المعاكسة التي شهدتها الولايات المتحدة والعالم ردًا على عنصرية ترامب وفاشيته لم تترك له حتى حليفه الطبيعي المفترض بنيامين نتانياهو الذي سارع إلى إدانة تصريحاته مفضلًا تأجيل لقاء كان مقررًا بينهما في تل أبيب.
اقرأ/ي أيضًا: