كلما مر بجانب أستديو تصوير فوتوغرافي تأمل الصور المعروضة، مأخوذًا بما بها من الجمال والأناقة. ثم يسأل نفسه: كيف يقنع هؤلاء المصور أن يحتفظ بصورهم على واجهة محله المليئة بلحظات اقتناص روح وسجنها في إطار؟
تصور أكثر من مرة، وبأكثر من هيئة، ولم ير صورته على جدار المصور. لم يفلح بالوصول إلى السر الذي يقنع به المصور، ولم يتجرأ على سؤاله عن الأمر، لكنه لم يتوقف عن التفكير كيف يحصل على صورة معلقة على جدار ما.
كان السؤال يكبر ويتشعب، حتى أحلامه بدأت تأخذ أشكال الجدران المثبت عليها كاميرات لاقتناص اللحظة التي يكون المرء فيها مُعبرًا عن فكرة أو شعور يُختزل بصورة. يراوده الحلم، يراوده نقل الصورة للمارة. أمسك ذات مرة بقلم واجه جدارًا أبيض كمن يحاول تأسيس التاريخ. وضع القلم على الجدار، ثم صرخ: ماذا أكتب؟
ضرب الجدار بقبضته وكسر القلم، وهو يهذي: صورة، صورة. ماذا تعني صورة على الجدار ماذا؟
استيقظ صباحًا، غسل وجهه بلطف، نظر إلى أمه بلطف، ثم همست له: يقولون هناك كتابات على الجدران لا تخرج يا أمي فالبلد قبيل القيامة.
ابتسم وكأنه نبع ماء سيصير كنهر مسه الجنون في لحظة ثورة. قالت أمه: يا بني تذكر، الحيطان دفاتر المجانين. رد باقتضاب: وماذا فعل العقلاء؟
خرج ليرى الأمر إلى أن وصل للجدار، بدأ يلامس الأحرف المكتوبة بنغمة فرح يلحنها ...ضرب على الجدار، قال بحذرٍ شديد: ها هو وجه العالم يتغير.
عاد إلى منزله يفكر بالصور بلحظة بحجم القيامة حين تخطها يد طفل على جدار.
في اليوم التالي كانت هناك صور، صور لشباب قتلوا في مظاهرة، نظر إلى الصور، وسأل نفسه: ماذا فعل هؤلاء ليقنعوا الجدار بحمل صورهم؟ ماذا فعل هؤلاء لتختارهم رصاصة في لحظة انعتاق؟
مرت بجانبه مظاهرة فهب معها يصرخ إلى أن استقرت بصدره رصاصة، لحظات تمايل فيها كنشوان من الطرب مرت فيها كل الصور التي اختزنها بذاكرته. هبَّ الشباب لإسعافه وكان المصور معهم ابتسم بوجه المصور وسأله: أين كاميرتك يا رجل؟ تعال، أجبني هؤلاء على واجهة الأستديو كيف تختار صورهم؟
قال المصور: هؤلاء تصوروا وذهبوا بلا دون أن يعطوني ثمن الصور، تلك الصور ديون معلنة على واجهة محلي.
ابتسم، وبدأ يهذي: الآن صورتي التي تعلقونها على الجدار هي دَينٌ وأمانة في رقابكم!
اقرأ/ي أيضًا: