مضى الفنان التشكيلي السوري نذير نبعة (1938- 2016) عن 78 عامًا، وذلك إثر إصابته بذبحة قلبية في "مشفى الطلياني" بدمشق. بدأت لوحته رحلتها في استحضار البيئة الريفية الحالمة التي نشأ فيها في المزة قرب دمشق. في تلك المرحلة اهتم بالبيت العائلي والبستان. امتلأت قماشته بخضرة ضاحكة وحياة مشرقة، وكأنه كان يعرف أن بساتين المزة ستختفي وتتحول إلى أشباح تحت إسمنت حي فخم سوف ينهض على جثثها.
فنان لم تصنعه موهبته فحسب بل صنعه معها عمله الدؤوب على مدى خمسين عامًا. نذير نبعة ليس فنانًا، إنه درس
في مرحلة لاحقة، غاص في عوالم الشّرق وسحره، رسم بشكل أسطوري. كانت قوة اللون تكاد تتكلم. كانت المرأة علامة هذه المرحلة، وقد أخذت مدلولات متعددة وكثيفة، من آلهة خصب، إلى رمز حضاري، إلى حبيبة صاخبة الجمال.
في مراحله الأخيرة انتقل إلى التجريد، وقد ظهرت له أعمال متقدمة في هذا الباب، عرضها تحت عنوان "تجليات"، حيث طغت على قماشته نزعة وجد صوفية، عبّر عنها بتقشف لونيّ، وحوار مع عناصر الطبيعة البكر، أو الأفكار في صيغتها الأولى. في التجليات تشعر أن سطح اللوحة ليس سطحاً بمقدار ما هو قطعة مسروقة من إحدى الصخور، أو المقاطع الطبيعية الحية، لشدة صدق ما هو غائر ونافر.
قدّم نبعة أمثولته في الوصول إلى التجريد بعد رحلة طويلة من التشخيص. أي أنه انتهى إليه كخيار فني وفكري، لا بوصفه مجالًا سهل الخوض كما هو جارٍ في تجارب لا تنتج إلا غموضًا.
الراحل من أوائل الفنانين السوريين الذي التحقوا بالثورة الفلسطينية، وكان من رواد فن البوستر الفلسطيني الثوريّ، بالإضافة إلى أنّ الأجيال السورية تربت على رسوماته في مجلة الأطفال "أسامة"، التي رسم فيها لزمن طويل في مواضيع الثورة وفلسطين والمقاومة.
كتب عنه الفنان التشكيلي يوسف عبدلكي في مقدمة كتاب "تجليات" (2009) الذي يستعيد تجربة الراحل: "قامة استثنائية من قامات الفن التشكيلي المعاصر في سوريا، رسام صارم ملون منفلت من عقالات الصرامة، متين البناء ومفطور على شاعرية السطح، متقشف وملوع بالبذخ، فنان لم تصنعه موهبته فحسب بل صنعه معها عمله الدؤوب على مدى خمسين عامًا. نذير نبعة ليس فنانًا، إنه درس".
اقرأ/ي أيضًا: