من فيضانات ألمانيا إلى حرائق غابات تركيا، ومن حرائق غابات الأمازون وأستراليا إلى تقلّص المساحات الجليدية في شمال الأرض.. كلها دروس متتالية وقاسية بما يكفي لكي نأخذ موضوع التغير المناخي بوصفه تهديدًا لوجودنا.
تغير المناخ انعكاس لفظاعة النظام الرأسمالي الذي استنزف موارد الكوكب، ولوّثه بطرق غير مبالية، وخلقَ خللًا في توازنه
وإلى الآن لا يبدو ذلك جديًّا مع انعدام الإحساس بالمسؤولية عند إنسان هذا الزمن، الذي يرفض الاعتراف بانعكاس أنماط حياته سلبًا على سلامة البيئة. ناهيك أن البشر مستعدون دومًا لوضع أولويات غربية وغير منطقية لما يستحق الحياة. فتجد من يقول لك حين تطلب بعض الرحمة لحيوان بأن البشر لا يحصلون عليها. وإن تحدثت عن ضرورة الاعتناء بصحة المحيطات كونها تنتج نصف الأوكسجين الذي نتنفّسه، أشاحوا وجوههم كي لا ترى ضحكاتهم الساخرة من هذه المثالية الحمقاء.
اقرأ/ي أيضًا: الاستبداد وبذور التعصّب الجمعي
تغير المناخ انعكاس لفظاعة النظام الرأسمالي الذي استنزف موارد الكوكب، ولوّثه بدون أدنى مبالاة، وخلقَ خللًا في توازنه وتنوعه الحيوي. ومن المؤسف أن نتائج خراب البيئة سوف تنعكس على الجميع، من تسبّبوا بها ومن ليس لهم أي ذنب في ذلك.
وعلى الرغم من نواقيس الخطر التي يقرعها العلماء بشكل متواصل، لا نرى على أرض الواقع أية سياسات جادة تتبعها الحكومات لتقليل هذا الخطر، من أجل إنقاذ النُّظم البيئية التي باتت مهدّدة بالخراب والتلاشي، ومن الطبيعي ألا يحدث ذلك حين نجد أن غالبية سياسيْ عالمنا منخرطون في علاقات مصلحية مع اللوبيات الاقتصادية التي تريد استمرار أرباحها مهما كان الثمن بحق الحياة والعالم.
يقول العلم إنّ الوقت المتبقي أمامنا لإنقاذ عالمنا هو 10 سنوات فقط، إذا غيرّنا فيه أنماط سلوكنا وعيشنا يمكننا الاستدراك، وإلّا فإنّها الفرصة الأخيرة التي لا عودة للوراء من بعدها، إذ سوف ترتفع حرارة الكوكب، وذلك يقود إلى ذوبان الجليد في القطبين، بالتالي سوف يرتفع ماء المحيطات بما يغرق جُزرًا ودولًا، وسوف يصبح العالم قسمين متناقضين كالليل والنهار، كالثلج والنار، صحراء حارّة وجافّة في جنوب الأرض، بمقابل أرض رطبة باردة في شمالها.
بين أيدينا الآن 10 سنوات فقط، يمكن أن نستغلها في العمل على المدّ بعمر هذا الكوكب، ونُهدي فيها للأجيال من بعدنا مكانًا يستحقّ الحياة، أو نترك كلّ شيء على حاله وندقّ مسامير نعشه ونعشنا.
بين أيدينا الآن 10 سنوات فقط، يمكن أن نستغلها في العمل على المدّ بعمر هذا الكوكب، ونُهدي فيها للأجيال من بعدنا مكانًا يستحقّ الحياة
10 سنوات تتطلّب منّا تغييرًا كبيرًا في صناعاتنا واقتصادنا، وكذلك في حياتنا اليوميّة بما فيها من أكل وشراب ومواصلات وعمل وسفر، فالتلوث الذي يسبّبه الغاز والنفط في مختلف استعمالاتهما، خصوصًا في المواصلات والصناعة، وقطع الغابات المطيرة لأجل تأمين مساحات لتربية حيوانات من أجل توفير اللحوم، أو حرق الغابات قصدًا لأجل الحصول على تلك المساحات بقوة الأمر الواقع، إضافة إلى الأسمدة الزراعية التي تُستعمل بإفراط في الأراضي من أجل تأمين طعام الحيوانات في تجارة اللحوم أيضًا، والانبعاثات التي تصدر عن مختلف الأجهزة المنزلية التي نستعملها. كل هذا يتضافر ويزيد من خطر الاحتباس الحراري.
اقرأ/ي أيضًا: عن الحنين وأشياء أخرى
يتفق المشغولون بقضية البيئة على أن الأمر لا يتعلّق بإنقاذ الكوكب، فمن نحن لنفعل ذلك؟ إنما المسألة بأكملها تدور حول إنقاذ أنفسنا، لأن العالم بنا أو بدوننا سوف يعيد بناء نفسه، ذلك أن الطبيعة تمتلك خاصية الشفاء الذاتي، وتستطيع التخلّص من كل السموم التي وضعناها فيها، أما نحن، بتاريخنا وحضاراتنا وعلومنا واختراعاتنا، فسوف نكون في ذلك الوقت هباء منثورًا.
اقرأ/ي أيضًا: