28-أكتوبر-2024
أجبرت الحرب نحو 11 مليون سودانيًا على النزوح داخليًا (منصة إكس)

أجبرت الحرب نحو 11 مليون سودانيًا على النزوح داخليًا (إكس)

بعد عام ونصف من الحرب المستمرة في السودان، يتحدث المدير التنفيذي لمؤسسة الإغاثة الإسلامية، وسيم أحمد، عن "جيل ضائع" في السودان سيحتاج إلى عقود للتعافي.

في مخيم للنازحين في بورتسودان كان هناك حوالي 110 طفلًا جميعهم فروا من منازلهم بسبب الحرب. وسط ملاجئ مؤقتة مصنوعة من أغطية بلاستيكية، تحدث الأطفال إلى أعضاء فريق الدعم النفسي في الإغاثة الإسلامية، وشرحوا ما حدث لهم. رسموا صورًا لمسلحين، وقتل وحرق للمنازل، ونهاية للعالم.

اقترب طفل صغير، عمره ست أو سبع سنوات، من أحمد وسأله إن كان لديه حلوى. استطاع أحمد استكشاف أن الطفل يعاني من سوء التغذية، سأله عما كان يأكله، فكانت إجابة الطفل أنه "يأكل كل ما يجد في الطريق، أعشاب حشرات"، هكذا يصف أحمد لموقع "ميدل إيست آي" مقابلته مع الطفل.

تحدث عمليات الاختطاف والاعتداء غالبًا عند نقاط التفتيش في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع

أعطى أحمد الطفل قطعتي حلوة، فأخبره أنه سيحتفظ بواحدة لأخته وأخذه لمقابلة والدته. قالت الأم إنها لا تعرف أين زوجها، وقد اضطرت للفرار من سنجة بولاية سنار جنوب شرق السودان، مع أطفالها سيرًا على الأقدام، وسط درجات حرارة نهارية تجاوزت 40 درجة مئوية ومخاطر من جماعات مسلحة تقطع الطرق.

كانت الأم تقود أطفالها عبر الأحراش والغابات ليلًا، حيثُ استغرقت رحلتها 12 يومًا حتى وصلوا إلى بورتسودان، المدينة التي أصبحت مقر الحكومة المؤقت وتستضيف آلاف النازحين.

أخبرت الأم أحمد أنها كانت تسمع صراخ وبكاء نساء خلال رحلتها التي امتدت إلى مسافة 300 كلم. أوضح أحمد أن قوات الدعم السريع تقوم باختطاف النساء والفتيات الصغيرات من عائلاتهن، مستندًا إلى لقاءات أجراها مع بعض النساء أثناء زيارته الأخيرة إلى بورتسودان.

في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع، تحدث عمليات الاختطاف والاعتداء غالبًا عند نقاط التفتيش. ولتجنب ذلك، قادت الأم أسرتها بعيدًا عن الطرق التي يمكن الوصول إليها بالسيارات. وقال أحمد: "المسلحون يستخدمون الاغتصاب والعنف كسلاح حرب"، ويعود بذاكرته إلى لقائه الأول مع الصبي، قائلاً: "طفل بريء يسألني عن الحلوى، في هذا العمر، كيف يكون ذلك ممكنًا؟"

الحرب في السودان

مضى على الحرب في السودان 18 شهرًا، أجبرت ما يقرب من 3 ملايين سوداني على مغادرة البلاد، بينما تفيد المنظمة الدولية للهجرة بأن نحو 11 مليون شخص قد نزحوا داخليًا. لا توجد إحصائيات رسمية أو موثوقة عن عدد القتلى، لكن أحمد يقول إن فريقه في السودان يقدر العدد بأكثر من 200 ألف شخص.

في دارفور، التي شهدت صراعات على مدى العقدين الماضيين، عمل أحمد عام 2005 بمدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، في مخيم يأوي 20 ألف شخص. يتحدث أحمد لموقع "ميدل إيست آي" عن أن حرب 2005 لا تقارن بما يحدث اليوم. هذه الحرب "ستترك ندوبًا طويلة الأمد. هذا الجيل بحاجة إلى الدعم، سيستغرق التعافي عقودًا."

تركت الحرب الحالية آثارًا مدمرة في الجنينة. يتحدث السكان عن الجثث المتحللة المنتشرة في الشوراع، ويصفون سلسلة الجرائم التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، بما في ذلك الاغتصاب والاختطاف والقتل.

التضييق على وصول المساعدات إلى السودان

خلال الحرب، لم تتمكن وكالات الإغاثة من الوصول إلى أجزاء كبيرة من البلاد. يقول أحمد إن نقاط التفتيش التي يديرها كل من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع تعرقل مرور الشاحنات المحملة بالمساعدات، إذ يسعى بعض القادة العسكريين لأخذ الرشاوى مقابل السماح بمرور الشاحنات.

وفي وسط دارفور، يعمل فريق الإغاثة الإسلامية، الذي ينتمي إلى المجتمع المحلي، مع قوات الدعم السريع، التي تسيطر على غالبية ولاية دارفور. "العلاقة مع قوات الدعم السريع هي كابوس"، يقول أحمد.

وصل أحمد إلى بورتسودان، المدينة غير المجهزة لاستيعاب هذا العدد من الكبير من النازحين. ارتفعت الأسعار بشكل كبير، حيث أصبحت وجبة صغيرة تكلف نحو 20 دولارًا، مما زاد من صعوبة الحياة على السكان المحليين.

في مخيم ومدرسة الصناعية على أطراف بورتسودان، توفر الإغاثة الإسلامية الغذاء والماء والمأوى وبرنامج الدعم النفسي للأطفال. يشير أحمد إلى أن الهيئة تقدم 200 دولار لكل أسرة عند وصولها إلى المخيم، ويضيف: "نقوم بذلك شهريًا لمنحهم بعض الكرامة. بعض المتبرعين يترددون في تقديم هذا المبلغ، لكن ليس من السهل إيصال الطعام المطلوب".

مقر هيئة الإغاثة الإسلامية في السودان كان سابقًا في العاصمة الخرطوم، لكن الحرب أجبرت الهيئة على الانتقال إلى بورتسودان، حيث تنفق 5 آلاف دولار شهريًا لاستئجار مبنى. وقد وصلت هيئة الإغاثة الإسلامية إلى 1.1 مليون شخص، وتطمح الهيئة للوصول إلى مليوني شخص في الأشهر القادمة.

وصف أحد أعضاء الفريق في الخرطوم مشهد امرأة مسنة معاقة قتلت برصاص مقاتلي قوات الدعم السريع الذين استولوا على منزلها. ووصف ناج آخر في المخيم كيف أطلق المسلحون النار عشوائيًا على الناس. ترك أطفال وحدهم في الغابة، يشير أحمد إلى تولي الجيران رعايتهم، لأنهم لا يعرفون أين هم آباءهم.

تحدث أحمد مع ثلاث نساء في بورتسودان تعرضن للاعتداء الجنسي. وقال: "ما رأيته في أعين النساء اللواتي تعرضن للعنف الجنسي، وقتل أطفالهن أمامهن، وتوجيه السلاح إلى رؤوسهن، ليس شيئًا ترغب في رؤيته في هذا القرن".

عندما عاد أحمد إلى لندن، وجد صعوبة في وصف ما شاهده في السودان. واعترف: "أود أن أقول، كعامل إنساني، أن الأيام الأربعة أو الخمسة الأخيرة أثرت عليّ بشدة. ضربت عقلي بقوة"، وأضاف: "كنت أتحدث إلى زوجتي ولم أستطع وصف الوضع." يفكر أحمد في الأطفال الذين التقى بهم في دارفور عام 2005، لقد وُلدوا في المخيم والآن عادوا إليه.