05-سبتمبر-2024
رئيس الوزراء الإسرائيلي

(Getty) يستفيد نتنياهو من ضعف المعارضة في تثبيت دعائم حكمه

لعلّه من المفارقة إسرائيليًا أنه كلما اتسعت دائرة الاحتجاج في "المدن الإسرائيلية" للمطالبة بإبرام صفقة فورية لتبادل الأسرى، وتنظيم انتخاباتٍ مبكرة، وإسقاط حكومة اليمين المتطرفة التي يقودها بنيامين نتنياهو؛ كلما أظهرت استطلاعات الرأي استقرار شعبية نتنياهو في المجتمع الإسرائيلي، وأنه الأنسب لإدارة الحرب من موقعه رئيسًا للوزراء.

واللافت أن استقرار شعبية نتنياهو يأتي على الرغم من أنه يتحمل جانبًا كبيرًا من مسؤولية الإخفاق الأمني في السابع من أكتوبر، ومتّهم بتجاهل تقارير عسكرية وصلت مكتبه محذرةً مما حدث، لكنه تجاهلها ويرفض حاليًا الكشف عنها مستمرًا في ركوب موجة الحرب، ومعطّلًا كل المساعي لإنهائها وتبادل الأسرى بدعوى تحقيق أهداف الحرب، وهي دعوى يرى معارضوه أنّ الهدف منها البقاء في منصبه السياسي لأطول فترةٍ ممكنة. فحالة التعبئة الحربية للمجتمع الإسرائيلي تصبّ في مصلحته، وتُظهره بوصفه الوحيد الحريص على تأمين إسرائيل وإلحاق الهزيمة بمن يهدد وجودهم.

يتناوب نتنياهو على كرسي رئاسة الوزراء منذ عام 2009، وواجه طوال فترات رئاسته للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أزمات متعددة، لكنّ حدث السابع من أكتوبر والحراك الشعبي الذي تقوده أحزاب المعارضة ومجموعة عائلات المحتجزين، هو أبرز تحدّي يواجه رئيس الحكومة السبعيني الذي يحيط نفسه حاليًا بائتلافٍ حكومي متطرف بيده 64 عضوًا في الكنيست. ويبدو الائتلاف اليميني، على الرغم من التهديدات داخله بالانسحاب، خاصةً من طرف بن غفير وسموتريش، أكثر تماسكًا من جميع الائتلافات الحكومية في تاريخ دولة الاحتلال.

يستفيد نتنياهو من هشاشة المعارضة وعدم تحول ضغط الشارع إلى حالة لتعزيز قبضته على السلطة وإحداث تغييرات جوهرية في المؤسسات الإسرائيلية

وفي مقابل "انسجام وتماسك" الائتلاف الحاكم، تبدو المعارضة الإسرائيلية هشةً وعاجزةً عن إقناع الرأي العام الإسرائيلي بوجهات نظرها، على الرغم من توافق هذه الوجهات في جانبٍ منها مع وجهة نظر المؤسسة العسكرية، أي ما يخص الانسحاب من محور صلاح الدين (فيلادلفيا) ونتساريم في غزة، وهو الأمر الذي يخالف فيه نتنياهو رأي المؤسستين العسكرية والأمنية والمعارضة معًا. فما يزال نتنياهو قادرًا على تسويق شعار "النصر المطلق" الذي لا تشكك فيه المعارضة فحسب، وإنما الجيش أيضًا.

يرى محللون إسرائيليون أنّ ثمّة مجموعةً من العوامل الداخلية والخارجية التي تساعد نتنياهو، ليس أقلّها حفاظه طيلة عمر الحرب على نغمة واحد وخطابٍ واحد، في حين يفتقر معارضوه لهذه الميزة، أي وجود: "برنامج سياسي مختلف عما يطرحه نتنياهو".

يضاف إلى ذلك عدم تعرض نتنياهو لضغوط دولية كافية، خاصةً من الولايات المتحدة الأميركية المرتعشة في "ضغطها" عليه إن وجد هذا الضغط أصلًا. وعدا عن ذلك، يستفيد نتنياهو، شاء بايدن أم أبى، من "الدعم الأميركي العسكري والسياسي غير المحدود لإسرائيل منذ بداية الحرب".

ويشعر هذا الدعم المتواصل الإسرائيليين بأن نتنياهو هو أفضل من يدير دفة الدبلوماسية، خاصةً العلاقات مع الولايات المتحدة، فهو يأخذ منها الأسلحة ويستفيد من حمايتها السياسية دون أن يقدم مقابلًا يذكر لإدارة بايدن، التي تظهر دائما وكأنّها تترجّى نتنياهو تقديم تنازلٍ لصالح صفقة تبادل الأسرى، وما إن يُطمعها بتنازلٍ حتى يعود في اليوم التالي ويطرح المزيد من الشروط معرقلًا إتمام الصفقة التي أعلن عنها البيت الأبيض منذ نهاية أيار/مايو أي قبل 3 أشهر وتزيد من الآن. ومؤخرًا فقط، اكتشفت إدارة بايدن أنّ نتنياهو لا يتعامل بمرونة كافية مع ملف المباحثات.

داخليًا، يتفق المحللون في إسرائيل أنّ الحراك الشعبي الاحتجاجي لم يرق لمستوى الحدث والحالة الضاغطة مع تواصل الحرب، لكن ما هو أهم حسب آدم كلير، وهو المتحدث باسم كتلة "السلام الآن"، أنّ نتنياهو أعدّ نفسه جيدًا لمثل هذه المرحلة: "حين أعلن أنه يحضر لبقاء اليمين في حكم إسرائيل إلى ما لا نهاية، فَأَحْدَث خلال هذه السنوات تغييراتٍ جوهرية في مفاصل الحكم وفي منظومة مختلف الأجهزة والمؤسسات والدوائر الحكومية، التي باتت تدار بحسب أجندة وأيديولوجية اليمين" وفق تعبيره.

وإزاء هذه التغييرات الجوهرية والثقافة التي رسّخها نتنياهو في المشهد السياسي الإسرائيلي، يرى آدم كلير أنه توافرت لنتنياهو كل الدوافع التي تجعله يتشبث بالسلطة حتى في وقت الأزمات وتصاعد الحراك الداخلي الذي ما زال يفتقر إلى الزخم والكثافة. هذا بالإضافة طبعًا إلى "تهلهل" معارضة نتنياهو التي كانت داعمةً له واختلفت معه فقط حول أولويات الحرب وخرجت من الحكومة بدون تأثير حقيقي، بل لعلّ خروج أركانها من الحكومة خصم المزيد من رصيدها شعبيًا.