11-يوليو-2024
قفزت معدلات المشردين في تشيلي خلال الأربع سنوات الأخيرة إلى معدلات غير مسبوقة (AP)

(AP) قفزت معدلات المشردين في تشيلي خلال الأربع سنوات الأخيرة إلى معدلات غير مسبوقة

يقع مقر  إقامة الرئيس اليساري غابرييل بوريك، المنتخب قبل ثلاث سنوات عقب موجة اضطرابات عامة متعلقة بعدم المساواة في الدخل، في شارع بوسط العاصمة سانتياغو به ملجأ للمشردين.

مشهد علب الورق المقوى والبطانيات المتناثرة في الأرصفة بالحي البوهيمي، بمثابة تذكير حاد لبوريك للوفاء بوعده بإعطاء التشيليين "حياة أفضل".

فقد أدى الركود الناجم عن وباء كورونا، بالإضافة إلى أزمة السكن وتدفق المهاجرين الكبير إلى زيادة في عدد المشردين بتشيلي بوتيرة لم تحدث من قبل. فعلى مدى السنوات الأربع الماضية قفز معدل التشرد في أحد أغنى الاقتصادات بأميركا الجنوبية إلى أكثر من 30 % في بلد يفخر بازدهاره، وفق تحقيق أجرته وكالة "أسوشيتد برس".

أعلنت حكومة التشيلي أنها سجلت وجود 21126 شخصًا بلا مأوى هذا العام، مقارنة بـ 15435 شخصًا في عام 2020

قالت عضو مجلس مدينة سانتياغو، روزاريو كارفاخال: "تم تخفيض الموارد المخصصة لمكافحة التشرد، وزاد عدد المشردين".

حتى في حي "باريوس ألتوس" الراقي التي سكن فيه الرؤساء قبل بوريك، حولت العائلات المشردة المقاعد إلى أسرة للمبيت والأشجار إلى مراحيض.

وفي المركز السياحي على شاطئ البحر في "فينيا ديل مار"، غطت الخيام المنتشرة للمشردين على المشهد الفني العصري للمنطقة.

وأعلنت حكومة التشيلي أنها سجلت وجود 21126 شخصًا بلا مأوى هذا العام، مقارنة بـ 15435 شخصًا في عام 2020، في حين أوضح الأخصائيون الاجتماعيون أن العدد الحقيقي هو في حدود 40 ألف شخص.

في الشهر الماضي، أعلنت الحكومة أنها، لأول مرة، ستشمل المشردين في تعدادها الوطني. ويقول عمال الإغاثة إن ذلك سيعكس بشكل أفضل نطاق المشكلة للتقدم نحو إصلاحها.

وقال أندريس ميلر، من مؤسسة "هوغار دي كريستو" الخيرية التشيلية: "يجب أن يجبر ذلك الحكومة على تنفيذ سياسات اجتماعية أكثر فعالية".

وأدت رؤية العديد من المشردين في تشيلي، وهي دولة تعتبر أكثر ثراءً واستقرارًا من جيرانها، إلى دفع المشكلة إلى الواجهة وعلى جدول أعمال الحكومة. وأشارت كارفاخال إلى أن هناك الكثير من الضغط لاستعادة الأماكن العامة.

لذا قامت الشرطة التشيلية، التي يهاجمها اليسار بسبب تعاملها القاسي مع احتجاجات عام 2019، بهدم المخيمات وشارك أفراد الشرطة عمال البلدية بطرد المشردين من الحدائق والساحات.

قالت باريس لوبيز البالغة من العمر 43 عامًا التي تنام في الشارع وسط العاصمة سانتياغو: "تأتي الشرطة وتأخذ كل شيء، خيمتي، بطانيتي، دواء مضاد لفيروس نقص المناعة ".

ولفتت إلى أنها تبقى مستيقظة طوال الليل، خوفًا من عنف الشرطة بقدر ما تخشى الاعتداءات من العصابات الإجرامية التي اكتسبت مؤخرًا موطئ قدم في تشيلي.

في حين تحدثت فيكتوريا أزيفيدو، وهي أم لطفلين بلا مأوى، عن الحياة في شوارع سانتياغو، خاصة وسط موجة الجريمة التي دفعت معدل جرائم القتل في تشيلي إلى الارتفاع بنسبة 50 % منذ عام 2018، قائلةً: "إذا كنتِ امرأة ولديك أطفال، فإن الأمر أسوأ".

في السنوات الأخيرة، شهدت تشيلي تحولًا ديموغرافيًا بخصوص عدد المشردين، على الرغم من أنه لن يكون هناك تفصيل رسمي حتى يخرج التعداد العام المقبل.

يقول الخبراء إن أزمة السكن في البلاد دفعت المزيد من النساء والأطفال إلى الشارع.

توزيع الأكل على المشردين في سانتياغو

وقالت الناشطة في جمعية "هوغار دي كريستو"، زيمينا توريس،من هوغار: "فقدت عائلات بأكملها مواردها المالية لدفع الإيجار".

وقدرت منظمة التأمين الوطنية في تشيلي أن الإغلاق بسبب الوباء ألقت بظلالها على اقتصاد تشيلي بينما كان يكافح من أجل التعافي من الخسائر التي نتجت عن احتجاجات عام 2019، وكلفت البلاد ما لا يقل عن 3 مليارات دولار.

رفع البنك المركزي أسعار الفائدة، ورفع المقرضون تكلفة القروض ما خلق أزمة سكن.

وقال الخبير الاقتصادي من مؤسسة "سول"، وهي مركز أبحاث في تشيلي، غونزالو دوران: إن "أسعار المساكن قفزت بنسبة 70 % خلال العقد الماضي".

وصفت موكا فالديس، وهي تنفجر بالبكاء، حالة الصدمة وجودها في الشارع منذ تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بعد أن فقدت وظيفتها: قائلةً:"أنا محطمة للغاية من الداخل".

العديد من العائلات التي تسكن الخيام في تشيلي هم مهاجرون غير شرعيون، جذبهم إلى البلاد بسبب سمعتها، باعتبارها أنجح اقتصاد في أميركا الجنوبية.

وتظهر البيانات الحكومية أن ما يقرب من 1.6 مليون من سكان تشيلي البالغ عددهم 19 مليون نسمة هم مهاجرون مسجلون، بعد أن كانوا 1.3 مليون نسمة في عام 2018. كما ارتفع عدد المهاجرين غير الشرعيين من 16 ألف في عام 2020 إلى أكثر من 53 ألف بعد عامين، وفق مرصد يهتم بالهجرة في تشيلي.

العديد من العائلات التي تسكن الخيام في تشيلي هم مهاجرون غير شرعيون، جذبهم إلى البلاد بسبب سمعتها، باعتبارها أنجح اقتصاد في أميركا الجنوبية

ومع تراجع الاقتصاد وزيادة رد ردود الفعل ضد المهاجرين، شدّدت حكومة تشيلي من إجراءات منح التأشيرات للفنزويليين، الذين يمثلون النسبة الأكبر من الوافدين الجدد.

في العام الماضي، نشر الرئيس بوريك قوات مسلحة على الحدود الشمالية مع بيرو، وهي منطقة عبور رئيسية، للتحقق من وثائق المهاجرين واعتقال المهربين.

بعد هروبها من فنزويلا وحياة لا تطاق كمهاجرة في كولومبيا ثم الإكوادور، حلمت كارين سالازار البالغة من العمر 34 عامًا بالوصول إلى تشيلي. عبرت سالازار وزوجها وطفليهما الصغيران، عبر شاحنة صغيرة، الجبال المتجمدة والتضاريس الصحراوية الوعرة والمهربين القساة، الذين جذبتهم سمعة تشيلي. 

لم يجدوا ما كانوا يأملون فيه. في البداية، عاشوا في خيمة بالية في شمال تشيلي. ثم انتقلوا إلى سانتياغو، حيث ناموا في الشارع في حديقة عامة.

قالت سالازار من الملجأ في الشارع الذي يسكنه بوريك، حيث تصطف للحصول على وجبات مجانية: "نحن نعرف لماذا نحن في هذا الموقف، ولكن رؤية الأطفال مثل هذا أمر مفجع".

ومع تصاعد الأزمة، كثفت منظمات الإغاثة ضغوطها على الحكومة. قال الناشط رودريغو إيبارا مونتيرو: "هناك أقل من 200 مأوى للمشردين في جميع أنحاء البلاد، بالكاد يكفي لاستيعاب 13 % من السكان المشردين الحاليين في تشيلي".

عند توليه منصبه في آذار/مارس 2022، تعهد بوريك ببناء 260 ألف منزل جديد خلال فترة ولايته التي تستمر أربع سنوات. وبالنظر إلى حجم المشكلة، يخشى الكثيرون أن ذلك لن يكون كافيًا. لكن الرئيس يأمل أن يصل لذلك.

في خطاب ألقاه مؤخرًا خلال على افتتاح مجمع سكني عام جديد في سانتياغو، قال بوريك: "نحن نحرز تقدمًا مطردًا"، وأضاف: "يجب أن تحكموا علينا خلال نهاية فترة ولايتنا".