"العالم يزداد قتامة وظلمًا عامًا بعد آخر"، هذا ما يمكن استخلاصه من تقرير جديد صدر يوم الأربعاء عن لجنة حماية الصحفيين الدولية، والذي أوضح تسجيل رقم قياسي جديد بعدد الصحفيين السجناء حول العالم، وتضمّن دولة عربية من بين الدول الخمسة الأكثر سجنًا للصحفيين، مصر التي احتلت المرتبة الثالثة عالميًا.
تصدّرت الصين قائمة الدول الأكثر سجنًا للصحفيين للمرة الثالثة على التوالي، تلتها ميانمار ثمّ مصر
وبحسب التقرير، تصدّرت الصين قائمة الدول الأكثر سجنًا للصحفيين للمرة الثالثة على التوالي، إذ وثّق إحصاء الصحفيين السجناء الذي أعدّته اللجنة اعتقال 50 صحفيًا في الصين، ثم ميانمار بـ26 صحفيًا ألقت القبض عليهم كجزء من حملة قمع بعد الانقلاب العسكري في الأول من شباط/فبراير، ثم مصر بـ25 معتقلًا، أما في فيتنام فبلغ عددهم 23، ثم بيلاروسيا 19 صحفيًا سجينًا.
وتضمن الإحصاء، الصحفيين السجناء في هونغ كونغ لأول مرة، نتيجة لقانون الأمن القومي لعام 2020، الذي يجعل أي شيء تعتبره بكين بمثابة تخريب أو انفصال أو إرهاب أو تواطؤ مع قوات أجنبية يعاقب عليه بالسجن المؤبد.
ووفقًا للمصدر ذاته، بلغ عدد الصحفيين السجناء في العالم 293 صحفياً سجيناً، وهو أعلى رقم منذ أن بدأت المنظمة غير الربحية بتتبع سجن الصحفيين في عام 1992، الأمر الذي يعكس أثر تنامي الاضطرابات السياسية وحملات القمع ضد الإعلام فضلًا عن المغالاة بعدم التسامح مع التغطية الصحفية المستقلة في العالم.
من جهته، قال المدير التنفيذي للجنة حماية الصحفيين، جويل سايمون، إن "هذه هي السنة السادسة على التوالي التي توثق فيها لجنة حماية الصحفيين عددًا قياسيًا من الصحفيين السجناء في العالم"، مشيرًا إلى ما يعكسه هذا العدد من تحديات، فالحكومات تتجه لفرض سيطرتها على المعلومات وإدارتها، وتجاهر على نحو متزايد بشأن جهودها في هذا المجال.
كما أكد سايمون على أن أحد أهم سمات الأنظمة الاستبدادية هو سجن الصحفيين بسبب تغطيتهم للأخبار، "ومن المزعج أن نرى العديد من البلدان تظهر على القائمة سنة تلو الأخرى، ولكن من المفزع بصفة خاصة أن ميانمار وإثيوبيا التي تحتل المرتبة الثانية ضمن قائمة الأكثر احتجازًا للصحفيين بمنطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، قد أقفلتا الباب بوحشية أمام حرية الصحافة" يقول المدير التنفيذي.
اقرأ/ي أيضًا: التصنيف العالمي لحرية الصحافة 2021.. التراجع مستمر
ومن بين دول ظهرت بقائمة البلدان العشرة التي تسجن أكبر عدد من الصحفيين، تركيا، وأريتريا، والسعودية، وروسيا، وإيران، والتي يشير إليها التقرير كبلدان يلجأ قادتها بصفة روتينية إلى استخدام قوانين الأمن والتكنولوجيا كسلاح لخنق المعارضة ومواصلة انتهاك المعايير الدولية دون أية عواقب.
وعلى الصعيد العالمي، هناك ما لا يقل عن 17 صحفيًا سجينًا اتُهموا هذا العام بارتكاب جرائم رقمية، والتي يمكن أن تؤدي في بعض الحالات إلى ملاحقة جنائية بسبب أي شيء يُنشر أو يُوزع على شبكة الإنترنت.
وربما تعي الأنظمة عمومًا والدكتاتورية منها خصوصًا مدى خطورة الكلمة والصورة التي يمكن أن ينقلوها أو يوثقوها أو حتى يستفهموا عنها الصحفيين، ولذلك قد نشهد حادثة مريبة في أوروبا، كالتي وثقها تقرير لجنة حماية الصحفيين عن تحويل سلطات بيلاروسيا مسار رحلة طائرة تجارية، فقط من أجل اعتقال الناشط المعارض والصحفي رامان براتسايفيتش، بعد تهديد مزعوم بوجود قنبلة.
وعن انخفاض معدل احتجاز صحفيين مؤخرًا ببعض الدول التي غالبًا ما يتكرر وجودها ضمن قائمة الدول الأكثر احتجازًا للصحفيين، كالسعودية وتركيا، فتعزو المنظمة ذلك إلى الأساليب المروعة التي تنتهجها تلك الدول بقمع الصحفيين، كما حدث مع الصحفي السعودي جمال خاشقجي الذي قتل بطريقة وحشية هزت العالم، وأخفتت أصوات آخرين من زملائه الصحفيين، فضلًا عن أسباب أخرى كالإفراج عن المعتقلين ريثما تتم محاسبتهم، أو ترك صحفيين للمهنة، أو إضعاف صوت المعارضة عمومًا مثلما جرى في تركيا بعد إفشال محاولة الانقلاب عام 2016، توضّح اللجنة.
لأنهم صحفيون
قُتل خلال هذا العام ما لا يقل عن 24 صحفيًا بسبب تغطيتهم الصحفية حتى الأول من الشهر الجاري، وتوفى 18 صحفياً آخر في ظروف غامضة، ولم يُحدد ما إذا كانوا قد استُهدفوا بالقتل أم توفوا نتيجة أسباب طبيعية.
وفي سياق التقرير، قالت لجنة حماية الصحفيين، إن الهند سجلت أعلى عدد من الصحفيين الذين تأكد أنهم قُتلوا انتقامًا منهم على عملهم، والذي بلغ عددهم أربعة، كما قُتل صحفي آخر بينما كان يغطي تظاهرات.
واستمرت المكسيك باعتبارها البلد الأشد فتكًا بالصحفيين في النصف الغربي من الكرة الأرضية، إذ شهدت مقتل ثلاثة صحفيين بسبب عملهم، إضافة إلى ست جرائم قتل أخرى لا تزال قيد التحقيق لتحديد دوافعها.
ومعظم الأحيان يفلت مرتكبو جرائم القتل بحق الصحفيين من العقاب، بغض النظر إذا كانت الجرائم مرتكبة ببلدان أنظمة ديمقراطية أو استبدادية، وتقدّر اللجنة ما نسبته 80% ممن توفوا من الصحفيين في العالم هذه السنة، بأنهم قد قُتلوا.
ووفقًا للمؤشر العالمي للإفلات من العقاب لعام 2021 الذي أصدرته لجنة حماية الصحفيين، ويغطي فترة ما بين 1 أيلول/ سبتمبر 2011 حتى 31 آب/ أغسطس هذا العام، فاحتلت الصومال المرتبة الأولى كأسوأ بلد من حيث جرائم قتل الصحفيين التي لم يُكشف عن مرتكبيها، تلتها سوريا، ثم العراق ثم جنوب السودان، وخامسًا أفغانستان.
اقرأ/ي أيضًا: حرية الصحافة تتأرجح في كوبا بين الرقابة والقمع
إلا أن المنظمة قالت إن الوضع على الأرض الأفغانية قد تدهور بسرعة بالنسبة للمراسلين الصحفيين عام 2021، بعد أن سيطرت حركة طالبان على البلد أواسط آب/ أغسطس أثناء انسحاب القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي وفرار الرئيس أشرف غني، إضافة إلى هروب المئات من الصحفيين إلى خارج البلد بسبب خشيتهم من السجل الوحشي لحركة طالبان في مجال حرية الصحافة.
الأعلى بحرية الصحافة
على الضفة المقابلة، حيث تبدو حرية الصحافة شهية الممارسة أو على الأقل متاحة، تهيمن دول شمال أوروبا على الترتيب الدول الأكثر حرية للصحافة، فالنرويج جاءت بصدارة التصنيف العالمي للعام الخامس على التوالي، رغم أن وسائل الإعلام في هذا البلد واجهت بعض الصعوبات في الوصول إلى المعلومات العامة المتعلقة بوباء كورونا.
وبينما احتفظت فنلندا بموقعها في المركز الثاني، استعادت السويد المرتبة الثالثة، التي خسرتها العام الماضي لحساب الدنمارك الرابعة، بحسب ما أعلنت منظمة مراسلون بلا حدود.
ويبيّن المؤشر أن أوروبا وأمريكا (الشمالية والجنوبية) هم أكثر القارات ملاءمة لحرية الصحافة على الرغم من أنها تضم بلدان كالمكسيك في أمريكا اللاتينية بترتيب (143)، وفي أوروبا روسيا (150)، والتي كرست أجهزتها القمعية للحد من التغطية الإعلامية للمظاهرات المتعلقة بالمعارض أليكسي نافالني.
في حين شهدت إفريقيا تراجعًا أقل حدة على مستوى مؤشر "الانتهاكات"، إلا أن هذه القارة بقيت هي الأكثر عنفًا بالنسبة للصحفيين بحسب المؤشر، أما منطقة أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى فما زالت تراوح مكانها بالمرتبة ما قبل الأخيرة على جدول تصنيف المناطق الجغرافية.
وفي المقابل، حافظت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على موقعها في مؤخرة التصنيف، وجاءت دول عربية كالسعودية وسوريا في المراتب العشر الأخيرة لحرية الصحافة، بينما احتلت تونس المرتبة الأولى من حيث الأعلى حرية بالصحافة عربيًا، والمرتبة الـ73 عالميًا.
اقرأ/ي أيضًا:
مهددة بالموت.. دعوات أممية للإفراج عن صحفية صينية وثّقت حقائق عن كوفيد 19
حكومة نيكاراغوا تقيد حرية الصحافة من خلال احتجاز ورق طباعة الصحف