يبدأ الموسم الأول من "La Casa de Papel" بقيام البروفيسور وفريقه باقتحام دار السكّ الإسبانية الملكية واحتجاز 67 شخص كرهائن، ومواجهة الشرطة كجزء من خطّتهم الجريئة لطباعة مبلغ 2.4 مليار يورو والهروب بها.
ربّما اعتقد بعض المشاهدين أن زي اللصوص في "لا كاسا دي بابيل"، اختيار عادي غير مدروس، لا يهدف إلّا إلى إخفاء هويات اللصوص
يقتحم اللصوص "دار السكّ" مرتدين أقنعة سلفادور دالي مع بزّات حمراء. ومن الخارج، يدير البروفيسور السرقة، والإبقاء على سير العملية بسلاسة وبقاء العصابة في الداخل لأطول فترة ممكنة، من أجل طباعة أكبر قدر ممكن من المال، دون الإضرار بالشرطة أو أي من الرهائن الـ67.
اقرأ/ي أيضًا: هكذا يظهر العالم على نتفليكس: عواصم تحتلها المافيا
ربّما اعتقد بعض المشاهدين أن زي اللصوص في "لا كاسا دي بابيل"، كان مجرّد اختيار عادي غير مدروس، لا يهدف إلّا إلى إخفاء هويات اللصوص. بينما أدرك العديد من المعجبين الآخرين أن قناع سلفادور دالي والبزّات الحمراء كانا رمزًا لقضية المقاومة ومناهضة الفاشية المتضمنة في المسلسل.
أراد البروفيسور أن ترسل العملية الأولى رسالة إلى الناس، لذا علّم عصابته الأغنية الإيطالية الشعبية "بيلّا تشاو"، التي غنّتها الجماعات المقاتلة للفاشية خلال الحرب العالمية الثانية، ثم ّأصبحت نشيدًا ثوريًا. تجسّد الأغنية آمال المقاومة، إذ لا يتعلّق الأمر بالمال بقدر ما يتعلّق بما يمثّله المال. لأن العصابة تطبع أموالها الخاصّة، فهي لا تسرق من الناحية الفنّية من أي شخص، وتلك حيلة رائعة يأملون أن تحظى بدعم الجمهور. وهم لا يفكّرون في أنفسهم كأشرار، بل كثوريين ضدّ نظام ظالم. وفي نهاية الجزء الأوّل، في منتصف قصّة السرقة، تظهر لقطات حقيقية للمال وما يمثّله، من فواتير تُطبع، وعمّال يفرزون العملات، والحشود في وول ستريت والبنوك، وارتفاع قيمة الأسهم، وتناقص مؤشّرات الرسوم البيانية، وعاطلون عن العمل يسيرون في الشوارع، بينما أغنية "بيلا تشاو" تذاع في الخلفية.
تتخلّل السلسلة إشارات إلى المناخ الاقتصادي والاجتماعي في إسبانيا منذ عام 2008، من أقنعة العصابة إلى إعجابهم الصريح بالاحتجاجات الإسبانية ضدّ التقشّف. فـ"في عام 2011، خلق البنك المركزي الأوروبي 171 مليار يورو من العدم. مثلما نفعل نحن لكن على صورة أكبر" بهذا يخبر البروفيسور الشرطة لتبرير أفعاله. "هل تعلم إلى أين ذهبت كل تلك الأموال؟ إلى البنوك. مباشرة من المصنع إلى جيوب الأغنياء. هل وصف أحدهم البنك المركزي الأوروبي بالسارق؟ لا، بل أطلقوا على فعلته 'حقن السيولة'. أنا الآخر أقوم بحقن للسيولة، لكن ليس للبنوك. أنا أفعل ذلك هنا، في الاقتصاد الحقيقي".
يبدأ الموسم الثالث بعملية القبض على "ريو" بعد كشف موقعه جرّاء خطأ ارتكبه، لذا تجتمع العصابة مرّة أخرى بحضور أفراد جدد، من أجل إنقاذه، والتخطيط للاستيلاء على البنك المركزي من أجل إجبار الشرطة على إطلاق سراحه، فها هم مرّة أخرى، هدفهم إنقاذ صديقهم لا المال بحدّ ذاته، لذا يظهر البروفيسور على شاشات الشوارع مصرّحًا بهدفه لكسب أكبر قدر من الدعم، مشيرًا إلى التعامل اللاقانوني واللاإنساني الذي يعانيه ريو بعد مرور أسابيع على اختفاءه دون علم أحد به، وما قد يقاسيه من تعذيب، وهنا إشارة إلى ما بإمكان الدول الديمقراطية الحديثة فعله إذا ما احتاج الأمر لتجاوز كل القوانين، إذ تقول لشبونة: "في أي دولة ديمقراطية، توجد ساحة خلفية تمارس الألعاب القذرة في حال ساءت الأمور"، لكن الأمور تسوء في النهاية، إذ تخرق العصابة القواعد التي وضعتها بنفسها، بتفجير طوكيو وريو إحدى مركبات الشرطة، في تحوّل خطير وحسّاس في أفكار العصابة، أو بصورة أدق أفكار البروفيسور، يكشف عنه عنوان الحلقة الأخيرة "هل ضللنا الطريق؟"، حيث يقول البروفيسور لباليرمو بعد عندما ظنّ أن لشبونة ماتت: "إنها ليست عملية سطو، ولا تحدّي للنظام، إنّها حرب".
يثير التحوّل الحادّ في الحلقة الأخيرة العديد من الأسئلة حول فكرة المقاومة والاحتجاج والثورة، أبإمكان الثورة أن تضلّ خالية من الدماء والعنف؟ أيستطيع الثوّار تجنّب أن يكونوا صورًا للنظام الذي يقاومونه إذا ما لزمت الأمور؟ وهل يبرّر عنف النظام عنفًا مقابلًا مماثلًا من الثوار؟ وماذا عن تعاطف الجماهير معهم أيبقى على حاله أم ينفضّون عنهم؟ بعد كل هذا، ربما اقتربنا من إدراك رمزية قناع سلفادور دالي والبزّات الحمراء؟
بيلا تشاو أغنية شعبية إيطالية ذاع صيتها في القرن التاسع عشر بين الطبقة العاملة الإيطالية خلال احتجاجهم على ظروف الحياة والعمل القاسية
يكشف البروفيسور (ألفارو مورتي)، في الحلقة الأولى، عن تأثّره بـ"المقاومة والسخط" ضدّ النظام الرأسمالي، وإلهام تلك الأفكار له. تقول طوكيو في إحدى الحلقات (أورسولا كوربيرو): "تدور حياة البروفيسور حول فكرة واحدة وهي المقاومة"، وتضيف: "جدّه، الذي قاتل الفاشيين في إيطاليا، علّمه تلك الأغنية ثم علّمنا إيّاها". وتماشيًا مع أيديولوجية البروفيسور السياسية المناهضة للفاشية، تُعاد الأغنية الإيطالية المناهضة للفاشية بيلا تشياو (وداعًا أيّتها الجميلة) عدة مرّات في المسلسل، وخاصّة في اللحظات الحاسمة، مثلًا عندما نجا اللصوص من بنك السكّ، أو عندما نجحوا في إفشال عملية اقتحام النقيب سواريز في الموسم الثالث.
اقرأ/ي أيضًا: كل ما يحدث في "حكاية الجارية" حدث بالفعل في العالم
إن بيلا تشاو أغنية شعبية إيطالية ذاع صيتها في القرن التاسع عشر بين الطبقة العاملة الإيطالية خلال احتجاجهم على ظروف الحياة والعمل القاسية. كما تُبنّيت الأغنية كنشيد رسمي لمقاومة ومناهضة الفاشية، خلال الحرب العالمية الثانية على لسان مقاومي نظام موسوليني الفاشي. كما صدحت حناجر المقاتلين الإيطاليين، الذين قاتلوا ضد الاحتلال النازي خلال الحرب العالمية الثانية بها. كما لا تزال تحظى النسخ المختلفة من الأغنية بشعبية واسعة في جميع أنحاء أوروبا، وخاصّة في فرنسا وألمانيا، وبين الجماعات المعادية للفاشية.
"صباح يومٍ ما، أفقت من النوم
وداعًا أيتها الجميلة، وداعًا أيتها الجميلة، وداعًا أيتها الجميلة، وداعًا، وداعًا
صباح يومٍ ما، أفقت من النوم
ورأيت الغزاة في كلّ مكان
يا رفيقة، احمليني بعيدًا
وداعًا أيتها الجميلة، وداعًا أيتها الجميلة، وداعًا أيتها الجميلة، وداعًا، وداعًا
يا رفيقة، احمليني بعيدًا
لأنّني سأموت
وإن متّ، كمقاوم
وداعًا أيتها الجميلة، وداعًا أيتها الجميلة، وداعًا أيتها الجميلة، وداعًا، وداعًا
وإن متّ، كمقاوم
فعليكِ دفني
ادفنيني، أعلى الجبال
وداعًا أيتها الجميلة، وداعًا أيتها الجميلة، وداعًا أيتها الجميلة، وداعًا، وداعًا
ادفنيني، أعلى الجبال
تحت ظلّ وردة جميلة
وإن مرّ، مرّ قومٌ
وداعًا أيتها الجميلة، وداعًا أيتها الجميلة، وداعًا أيتها الجميلة، وداعًا، وداعًا
إن مرّ، مرّ قومٌ
سيقولون: ما أجمل الوردة
تلك وردة المقاوم
وداعًا أيتها الجميلة، وداعًا أيتها الجميلة، وداعًا أيتها الجميلة، وداعًا، وداعًا
تلك وردة المقاوم
الذي استشهد حرًّا"
كما أُعيد انتاج الأغنية في بلدان عربية عدّة. من بينها فلسطين وسوريا، حيث صيغت الأغنية في القالب السوري على شكل حوار بين مناصر ومناهض للثورة السورية:
"شو ضيّعتونا، شو دمّرتونا
كنّا عايشين يا محلانا، كنّا عايشين شين شين
طلعتوا بالثورة، ورضيتوا ببرّا
تركتونا منكوبين
-اسمعني يا خيّي، وركّزلي شويي
كنّا عايشين ومقموعين ومقهورين رين رين
طلعت ثورتنا، لمّت لمّتنا
نحنا يلّي كنّا مظلومين"
يعيد قناع سلفادور دالي إلى أذهاننا الفنان الإسباني الشهير المعروف بأعماله السريالية، الذي ألهمت معتقداته السياسية تطوّراته الفنية وأثّرت فيها، وشكّكت إبداعاته في أخلاقيات المجتمع الرأسمالي الحديث، إذ أكّد السرياليون على أن تحرير البشرية وتحرير العقل لا ينتج إلا من خلال ثورة اشتراكية، مع إعادة تنظيم المجتمع على أساس تخطيط الاقتصاد ديمقراطيًا. وكان دالي في شبابه راديكاليًا متأجّجًا داعمًا للحركة الدادائية الفنية، التي نشأت في زيورخ احتجاجًا على المجتمع الرأسمالي الحديث. حيث عارض الفن الدادائي القومية المتشدّدة، وكان شديد التحالف مع اليسار الراديكالي. كما دعا دالي بنفسه إلى احتضان الأناركية والشيوعية، لكن في سنواته الأخيرة، ظهر دعمه للنظام الاستبدادي للجنرال فرانسيسكو فرانكو!
اختِيْرَ اللون الأحمر في "La Casa de Pspel" لتمثيل دماء العمّال الذين ماتوا في الكفاح ضد الرأسمالية
كما تتماشى بزّات اللصوص الحمراء مع ارتباط اللون الأحمر تقليديًا بالاشتراكية والشيوعية. فأقدم رمز للاشتراكية والشيوعية هو العلم الأحمر، الذي يعود إلى الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر وثورات عام 1848. كان اللون الأحمر، قبل نشوء تلك العلاقة، مرتبطًا عمومًا بالحكم لملكي أو الكنيسة نظرًا لرمزية ورابطة دم المسيح.
اقرأ/ي أيضًا: "البرتقالي هو الأسود الجديد": القصة الحقيقية التي ألهمت مسلسلات نيتفليكس
اختِيْرَ اللون الأحمر لتمثيل دماء العمّال الذين ماتوا في الكفاح ضد الرأسمالية. لذا تستخدم جميع التحالفات والمنظمّات الاشتراكية والشيوعية الكبرى اللون الأحمر. وبذلك هناك علاقة متينة وخاصّة بين اللون الأحمر والشيوعية بحيث يستخدم الشيوعيون اللون الأحمر في كثير من الأحيان وعلى نطاق واسع أكثر من أيّ أحد آخر.
اقرأ/ي أيضًا: