15-أكتوبر-2024
لم يتم التعرف على هوية كل شهداء مجزرة عين الدلب (رويترز)

لم يتم التعرف على هوية كل شهداء مجزرة عين الدلب (رويترز)

مع دخول العدوان الإسرائيلي الشامل على لبنان أسبوعه الثالث، تبرز مخاوف من أن يكون حجم الدمار والخسائر في الأرواح والممتلكات أكبر مما حدث خلال الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982.

في بلدة عين الدلب، الصغيرة والقريبة من مدينة صيدا في جنوب لبنان، وُضِعت دمية ترتدي فستانًا أحمرًا، وكتبًا وأحذية صغيرة على قمة جبل من الأنقاض. كما نشرت أغراض شخصية أخرى حول بقايا مبنى سكني تم تسويته بالأرض، قبل أكثر من أسبوع، بفعل غارة إسرائيلية، حيث دفن العشرات من الرجال والنساء والأطفال تحت ألواح من الخرسانة الإسمنتية، فقد استشهد 71 شخصًا وأصيب أكثر من 58 آخرين في الضربة الأكثر دموية على الإطلاق منذ أن بدأت "إسرائيل" عدوانها الشامل على لبنان.

الضربة الإسرائيلية على عين الدلب تركت بعض الجثث مجزأة، وهو ما جعل عملية دفنها وفق الشريعة الإسلامية مستحيلًا

يتحدث المفتي والخبير القانوني في صيدا، سليم سوسان، لموقع "ميدل إيست آي"، من مكتبه في المدينة، عن أن المبنى كان مليئًا بالعائلات، ولم يكن ضمن أي أنشطة عسكرية. يشرف سوسان، على تنظيم عمليات الدفن في المدينة الجنوبية وفقًا للشريعة الإسلامية.

عادة ما يتم تغسيل جثة المتوفى، ويتم تغطيتها بكفن أبيض، ثم يصلى عليها قبل الدفن. لكن الضربة الإسرائيلية على عين الدلب تركت بعض الجثث مجزأة، وهو ما جعل عملية دفنها وفق الشريعة الإسلامية مستحيلًا، كما قال المفتي.

لم تكن مجزرة عين الدلب هي الوحيدة التي شهدها سوسان، فمنذ أن صعدت "إسرائيل" عدوانها على لبنان قبل أكثر من أسبوعين، جرى دفن 10 أشخاص، استشهدوا في 23 أيلول/سبتمبر الماضي، عندما نفذت "إسرائيل" قصفًا مكثفًا في جميع أنحاء البلاد، تعرضت جثثهم لأضرار بالغة لدرجة لم يتم التعرف على أصحابها.

وفي مستشفى الهمشري في صيدا، يرقد أب فلسطيني لثلاث فتيات صغيرات بلا حراك في سرير بوحدة العناية المركزة بالطابق الثاني، حيث تعرض حوضه لأضرار بالغة بعد سقوط لوح من الخرسانة عليه في هجوم عين الدلب، وتم نقله إلى المستشفى.

نجت طفلة واحدة من بناته، وهي فاطمة البالغة من العمر ثلاث سنوات. استشهدت الصغرى رزان البالغة من العمر شهرين، والكبرى ريان البالغة من العمر خمس سنوات، رفقة زوجته في الضربة الإسرائيلية. يروي شقيقه ما حدث، ويقول: "قفز من الباب إلى الدرج حاملًا طفلته فاطمة، لكنه لم يستطع إنقاذ زوجته وطفلتيه"، ويضيف شقيقه وهو جالس إلى جانب سرير الأب، غير القادر على التحدث، بقيت جثة زوجة شقيقه وبناته مجهولتين، فقد كانتا في المطبخ عندما انهار المبنى، ودفنتا تحت الأنقاض.

عالج مستشفى الهمشري، 10 مصابين من الهجوم الإسرائيلي، وفقًا لرئيس وحدة الطوارئ والإسعاف في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في لبنان، زياد أبو العينين. يشار إلى أن المستشفى يقدم خدمات الرعاية الصحية بأسعار مخفضة للفلسطينيين. كان الأب قد فر للتو مع زوجته وبناته من بلدة الغازية، التي تبعد حوالي خمس كيلومترات عن مدينة صيدا جنوبًا، وقد قصفتها "إسرائيل" بشدة خلال الأسابيع الأخيرة. ومثل العديد من النازحين الذين تجاوز عددهم 100 شخص في المبنى السكني، كانوا يأملون في أن يكون المبنى أكثر أمانًا من منازلهم في بلدات وقرى الجنوب.

تحدث كبير الممرضين في المستشفى، يونس ياسين، لـ"ميدل إيست آي"، عن أن المستشفى شهد فوضى عارمة ليلة الهجوم على عين الدلب. وبينما كان يتفقد المرضى، قال ياسين إن: "من جاء من عين الدلب إلى المستشفى كانوا مصابين بجروح مختلفة، في الرأس والصدر والبطن والأطراف السفلية"، على غرار ضحايا الهجمات الإسرائيلية الأخرى التي قام بعلاجها".

في الطابق الخامس من المستشفى، كان عبد آزاد حمود صامتًا. قالت زوجته براء حمود لـ"ميدل إيست آي"، إنه "يعاني من فقدان الذاكرة بسبب إصابة خطيرة في الرأس"، خلال هجوم إسرائيلي وقع في 25 أيلول/سبتمبر الماضي. وأشارت براء إلى أن زوجها عمل متطوعًا في الدفاع المدني اللبناني، وعندما غادر منزلهم في مخيم برج الشمالي للاجئين الفلسطينيين بالقرب من مدينة صور، أصيب خلال غارة جوية إسرائيلية على المنطقة.

كشفت وزارة الصحة اللبنانية عن استشهاد 40 من المسعفين ورجال الإطفاء والعاملين في مجال الرعاية الصحية، جراء الهجمات الإسرائيلية

وفي الثالث من تشرين الثاني/أكتوبر الجاري، كشفت وزارة الصحة اللبنانية عن استشهاد 40 من المسعفين ورجال الإطفاء والعاملين في مجال الرعاية الصحية، جراء الهجمات الإسرائيلية على مدى ثلاثة أيام. ويدعي جيش الاحتلال الإسرائيلي، أن "حزب الل"ه يستخدم سيارات الإسعاف لنقل المعدات القتالية، محذرًا الفرق الطبية من الابتعاد عن عناصر الحزب، لكنه لم يقدم أي دليل يدعم ادعاءاته.

وأكدت براء أن زوجها كان في مهمة مع موظفي الدفاع المدني لحفر قبور لشهداء القصف الإسرائيلي عندما تم استهدافهم. وبعد خروج زوجها، قالت براء، إنهم سيعودون إلى منزلهم في مخيم برج شمالي، لأنه ليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه، وأضافت: "الخطر من حولنا".

في مكتبه في صيدا، عبّر سوسان عن خشيته من أن يصبح العدوان الحالي أسوأ مما رآه عام 1982، وقال: "هذه المرة الهجمات مختلفة، فهي أقوى"، وأضاف: "نحن بحاجة إلى أن نظهر للعالم ما يحدث في الشرق الأوسط، وكيف يموت الأبرياء، النساء والأطفال في منازلهم".