صدرت عن منشورات المتوسط، رواية جديدة للكاتبة اللِّيبيَّة عائشة إبراهيم، حملت عنوان "صندوق الرَّمل"، وهي روايةٌ تقف على قصصٍ مرعبة لنساءٍ ليبيَّات ذُقنَ ويلات التعذيب والقتل في مستوطنات العقاب الإيطالية، استنادًا إلى تقارير باولو فاليرا، الصحفي الوحيد الذي تمكَّن من زيارة السجناء اللِّبيِّين في تلك المستوطنات، وتحدَّث إلى السجينات قبل أن يختفينَ إلى الأبد.
صندوق الرَّمل" روايةٌ تقف على قصصٍ مرعبة لنساءٍ ليبيَّات ذُقنَ ويلات التعذيب والقتل في مستوطنات العقاب الإيطالية في الحقبة الاستعمارية
نحن في العام 1911، يركبُ ساندرو كومباريتي، الذي تخرَّج لتوِّه من معهد الصحافة في ميلانو، الباخرة المتَّجهة إلى طرابلس ليبيا، كجنديٍّ في الفيلق الرَّابع والثمانين المرسَل من إيطاليا للحرب؛ وفي رأسه ورأس رفاقه الجنود تدور أغنية واحدة، كانت تغنِّيها الصحف والقصائد والشوارع كلُّها. إيطاليا كلُّها كانت أغنيَّة واحدة تقول: "اذهبْ أيُّها الجندي.. فإيطاليا معكَ.. والمواسم الحلوة تنتظركَ".
في روايتها تتبَّع عائشة إبراهيم حكاية هذا الجنديّ ساندرو وبائعة حليب طرابلسيَّة وَقَعَ في حُبِّها في أثناء تواجدِهِ في خندق صحراويٍّ، وأمستْ مُعتقلةً هي وشقيقها الأصغر في مستعمراتِ العقاب الإيطالية، بعد الهجوم الدَّموي على أهل حيِّ المنشية، وقَتْلِ أُمِّهما. وماذا فَعَلَ ساندرو بعد تسريحهِ من الجيش وعودتهِ إلى إيطاليا؟
تستند الرواية إلى الوثائق الصحفيَّة المدوَّنة لصحفيِّين إيطاليين وإنجليز، لتكشف ذلك الجانب المُظلم والمسكُوت عنه الذي يصل إلى جرائم ضدَّ الإنسانية، حيث قضت في تلك السجون فتيات ونساء حوامل وأمَّهات وأطفال، جاؤوا بهم إلى السجن من مناطق متعدِّدة من ليبيا، دون تُهَم أو مُحاكمات؛ كما تستند على براعتها السردية التي تشبه براعة الصحراء بقُدرتها التي تمنحنا إيَّاها على التأمُّل والصمت.
يذكر أن عائشة إبراهيم كاتبة وروائية ليبية، صدر لها روايتان هما: "قصيل" و"حرب الغزالة"، ومجموعة قصصية هي: "العالم ينتهي في طرابلس".
من الكتاب
فاقتادوا الجنود تحت لهيب الشمس، يحملون الفؤوس والمجارف ورُزمًا من أكياس المشمَّع الفارغة إلى حيث حدَّد القادة مكان الخندق، رشقوا الأوتاد، ونثروا الغبار الأبيض لترسيم الحدود، وانهمكوا في الحفر بانفعال وتذمُّر، لامس ساندرو، للمرَّة الأولى وهو غارق في الغبار والعَرَق، حقيقة صُندُوق الرَّمْل الغريبة، المَلمَس الوَهْمي للرَّمْل وهو يتلاشى من بين الأصابع، مزيج الشفافية والقتامة والهشاشة والكبرياء والتشكُّل من بعد الانهيار، تعجَّب من دقَّة وصف سالفيميني لأرض طَرَابُلُس رَغْم أنه لم يعاين هذه الكُثْبان الشهباء وهذا الغبار المتعنِّت والنيران المستعرة تحت الأقدام، وكلَّما استغرق في الحفر وتمرَّغ في الغبار وتذوَّق طَعْمه ورائحته، تلاشى إحساسه بكينونة الجسد، وتحوَّل دمه وأنفاسه ومشاعره إلى كتلة من الكلس الثقيل تترسَّب في عروقه، وتُحيله إلى كائن مساميّ شَرِه للامتصاص. في وقت لاحق لاحظ أنه لم يعد يشعر بالكراهية تجاه الجندي التوسكاني، وعندما تقابلا في موقع الحفر في استراحة الغذاء شعر به كما يشعر تجاه كيس رَمْل متحرِّك.