التقى الملك عبد الله الثاني بن الحسين الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ في قصر الحسينية في العاصمة الأردنية عمّان، مساء الأربعاء، حيث جاء اللقاء بدعوةٍ رسمية من الأردن، في أول زيارة معلن عنها لرئيس إسرائيلي للبلاد.
تأتي الزيارة في سياق سلسلة من اللقاءات جرت مؤخرًا. فيوم الاثنين الماضي، زار الملك عبد الله ونجله ولي العهد رئيس السلطة الفلسطينية في رام الله
تأتي الزيارة في سياق سلسلة من اللقاءات جرت مؤخرًا. فيوم الاثنين الماضي، زار الملك عبد الله ونجله ولي العهد رئيس السلطة الفلسطينية في رام الله، فيما كان من المخطط أن تكون القمة ثلاثية بحضور وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس، الذي لم يتمكن من حضور الاجتماع بعد خلافات داخل الائتلاف الحكومي في إسرائيل، ومعارضة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت بحجة أن التنسيق للزيارة تم من دون علمه. وفي تسوية لهذا الخلاف، توافق غانتس وبينت على أن يلتقي الأول الملك الأردني في عمّان، دون حضور رئيس السلطة الفلسطينية.
كما كشفت تقارير إسرائيلية عن لقاء بين وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي عومر بارليف ووزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي الأسبوع الماضي، وسبق هذا اللقاء اجتماع بين ملك الأردن ووزير الخارجية الإسرائيلية يائير لابيد في عمان، لتتوج هذه السلسلة أمس بلقاء هرتسوغ والملك عبد الله.
تشير تحليلات إلى أن لقاء أمس يجيء ضمن سعي تل أبيب للحفاظ على التوازن في علاقاتها بالمنطقة. فرغم حديث العديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية عن محاولة لضم وزير الخارجية الأردني إلى "قمة النقب" التي حضرها وزراء خارجية أمريكا وإسرائيل والمغرب ومصر والإمارات والبحرين، إلّا أن الأردن على ما يبدو رفض المشاركة في هذه القمة. وجاء ذلك أيضًا بعد غيابه عن قمة سابقة في شرم الشيخ.
وكانت وكالة الأنباء الأردنية الرسمية (بترا) قد نقلت تفاصيل اللقاء، مشيرة إلى أن الملك الأردني طالب بـ"ضرورة العمل من قبل الجميع لتحقيق السلام، حتى لا يستمر الفلسطينيون والإسرائيليون بدفع الثمن، وحتى تتمكن المنطقة بأكملها من تحقيق إمكانياتها". كما نقلت إدانة عبد الله الثاني للعملية التي وقعت في تل أبيب، قائلًا: "ندين العنف بجميع أشكاله، وما ينتج عنه من فقدان المزيد من الضحايا الأبرياء، فكل حياة مهمة".
أما حول موضوع اللقاء الأساسي، وهو القلق الإسرائيلي من انفجار التوترات في فلسطين خلال شهر رمضان، نقلت بترا عن الملك إشارةً عامة حول الموضوع دون إبراز تفاصيل حول هذه الجزئية التي تشغل الإعلام الإسرائيلي والمستوى السياسي والأمني في تل أبيب منذ شهر على الأقل. فقد أكد عبد الله الثاني "على ضرورة تفادي أية إجراءات قد تعيق إمكانية وصول المصلين إلى المسجد الأقصى المبارك/ الحرم القدسي الشريف، بخاصة مع قرب حلول شهر رمضان الفضيل، مشددًا على ضرورة عدم المساس بالوضع التاريخي والقانوني القائم في القدس والأماكن المقدسة فيها".
هذه السلسلة من اللقاءات الأردنية- الإسرائيلية، لم تكن الأولى، بل شهدت انتعاشًا سريعًا بعد تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة، وغياب نتنياهو عن المشهد السياسي. ففي شهر تموز/يوليو الماضي، التقى ملك الأردن مع رئيس الوزراء بينت وغانتس في لقاء سري كشف عنه لاحقًا، كما التقى مع غانتس، في بداية العام الحالي، بالإضافة إلى لقاء مع النائب في الكنيست وعضو الحكومة الإسرائيلية منصور عباس في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، الذي توجه في زيارة إلى العاصمة الأردنية بتنسيق مع بينت.
الإعلام الإسرائيلي أبرز لقاء هرتسوغ مع العاهل الأردن، رغم الاهتمام الكبير في عملية يوم الثلاثاء، بالإضافة للحديث عن التصعيد المحتمل في الأيام القادمة. وجزء من هذا الاهتمام يعود أساسًا لكون اللقاء ينظر له في هذا السياق، باعتباره محاولةً من أجل احتواء أي تصعيد من المحتمل أن يحدث خلال رمضان. صحيفة "يديعوت أحرنوت" على سبيل المثال، كانت قد أشارت إلى أن اللقاء تاريخي، لكونه جاء علنيًا، فيما بدأت تغطيها بالإشارة إلى إدانة ملك الأردن لعملية الثلاثاء. وفي إطار إظهار تفاصيل الزيارة وصفت مشهد الاستقبال العلني ووجود العلم الإسرائيلي في اللقاء، الذي لم يظهر عادةً خلال اللقاءات الرسمية السابقة.
فيما نقلت الصحيفة حديث الرئيس الإسرائيلي، الذي قال "نحن نشترك في قيم الازدهار والسلام، على أساس اتفاقية السلام التي وقعها الملك حسين رئيس الوزراء الراحل يتسحاق رابين. ويجب أن نمضي معًا، ونقدم بديلاً مختلفًا لمشاهد الأمس [عملية تل أبيب] للحوار بين الشعوب، والاحترام". مضيفًا "أقول دائمًا إن لقاء القادة المسلمين مع قادة يهود وإسرائيليين هو بديل عن الكراهية وإراقة الدماء. ولهذا نعقد اللقاء والحوار بيننا نحو السلام، لجميع الشعوب، للأردن وإسرائيل والجيران الفلسطينيين".
فيما ختمت الصحيفة ما نقلته عن هرتسوغ، بالإشارة إلى موضوع اللقاء الرئيس وهو احتواء تصعيد رمضان، بقوله "عندما ندخل هذه الأيام المقدسة لجميع الأديان الثلاثة، مع البيسح [الفصح اليهودي] وعيد الفصح ورمضان، يجب أن نسمح للجميع بممارسة إيمانهم بأمان وسلام. ولتحقيق هذه الغاية، يجب أن نعمل". فيما أشار الرئيس الإسرائيلي إلى الحوار المستمر بين الحكومة الإسرائيلية والأردن والشركاء الآخرين في المنطقة كما وصفهم هرتسوغ من أجل تحقيق هذا الهدف.
أمّا موقع "والاه" الذي اكتفى بنقل مقتضب للزيارة، فقد أشار إلى عقد اجتماع عام بحضور الوفد المرافق وآخر مغلق بين هرتسوغ والملك عبد الله، ناقشا خلاله تعزيز التعاون بين عمان وتل أبيب والحفاظ على الاستقرار في المنطقة. وكان اللقاء قد حضره المدير العام للرئاسة الإسرائيلية، والسفير الإسرائيلي في الأردن إيتان سوركيس، ومستشار الرئيس الإسرائيلي زفي أفينير، والمستشار العسكري علاء أبو روشين ومستشار العلاقات الخارجية شيرلي هيلر والمتحدث باسمه نأور يحيى. ومن الجانب الأردني، حضر مستشار الملك للشؤون الدينية غازي بن محمد ووزير الخارجية أيمن الصفدي ومدير مكتب ملك الأردن جعفر حسان.
أما صحيفة "يسرائيل هيوم" فقد نشرت مقطعًا مصورًا من اللقاء، يتحدث فيه هرتسوغ مقدمًا شكره لملك الأردن على الدعوة، ومؤكدًا على ضرورة الحوار، بالإضافة إلى حديث عن ضرورة جعل الفترة الحالية تمر بهدوء ودون أي توترات.
وفي توضيح لسياق الزيارة، اعتبرت صحيفة "جيروزاليم بوست" أن التقرب الإسرائيلي من الأردن يجري ضمن جهد أوسع من أجل منع اندلاع أي انتفاضات خلال الشهر القادم. فيما قالت أن هرتسوغ فضل التركيز على الجوانب الإيجابية من العلاقات الأردنية الإسرائيلية خلال اللقاء.
تبدو الزيارة اختتامًا لمجموعة اللقاءات السابقة، والتي تدور بالأساس حول القلق الإسرائيلي من توترات رمضان
تبدو الزيارة اختتامًا لمجموعة اللقاءات السابقة، والتي تدور بالأساس حول القلق الإسرائيلي من توترات رمضان، فيما تعيد التنسيق الأردني الإسرائيلي للواجهة مرةً أخرى بعد فتور العلاقات خلال ولاية نتنياهو الأخيرة خاصةً على مستوى رئاسة الوزراء. كما أنها تعيد التوازنات بعد تغيب الأردن عن الاجتماعات الإسرائيلية مع دول عربية. أما اللقاء الأهم في هذه السلسلة، فقد يكون لقاء ملك الأردن وغانتس، الذي نوقشت فيه مسائل سياسية مثل إعادة المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، والتي لن تتحقق غالبًا نظرًا لتصريح سابق من نفتالي بينت أكد فيه على عدم وجود أي تواصل سياسي مع السلطة الفلسطينية. فيما يبدو أن الجانب الأمني من اللقاءات هو الأبرز في كل التحركات الإسرائيلية الأخيرة سواء في "قمة النقب" أو في اللقاءات مع الأردن.