14-أكتوبر-2024
النيران تشتعل في السوق النبطية جراء الغارة الإسرائيلية (فيسبوك)

النيران تشتعل في سوق النبطية جراء الغارة الإسرائيلية (فيسبوك)

حولت غارة إسرائيلية سوق النبطية، قلب المدينة النابض، إلى أكوام من الركام يتصاعد منها الدخان، فيما بكى سكان المدينة وهم يعاينون الخسائر الكبيرة التي حلت بالسوق وأدت إلى تدميره.

فقد استهدف الطيران الإسرائيلي، على الساعة الثامنة والربع من مساء السبت الماضي، وسط السوق التجاري في مدينة النبطية، كبرى مدن الجنوب اللبناني ومركز نشاطه الاقتصادي، وخلفت الغارة كومة من اللهب في كامل أرجاء السوق.  

استهدف الطيران الإسرائيلي، على الساعة الثامنة والربع من مساء السبت الماضي، وسط السوق التجاري في مدينة النبطية، كبرى مدن الجنوب اللبناني ومركز نشاطه الاقتصادي

يتحدث طارق عبد الأمير صدقة، بتأثر، لوكالة "فرانس برس"، عن أن زلزالًا ضرب السوق ودمره بالكامل، ويضيف: "حتى الزاوية حيث كنا نجلس ونحتسي القهوة صباحًا دمرت".

ويواصل صدقة، حديثه بينما يحمل عبوة مياه بلاستيكية ولا يقوى على حبس دموعه، "يعجز اللسان عن التعبير، لم نعد نقوى على الكلام"، لكنه يؤكد بأنه باقٍ في النبطية ولن يغادرها، ويقول: "النبطية أمّنا.. إنه لأمر محزن أن تجد أرزاق الناس دمرت".

وعلى بعد أمتار من مكان جلوس صدقة، لا تزال ألسنة نيران مشتعلة بين ركام الحجارة، وتتصاعد أعمدة دخان أسود من أنحاء عدة من السوق، فيما عملت جرّافة على رفع حجارة سدّت الطريق في المكان المستهدف، بينما دمرت واجهات المحال، لم تنج إلا بضع لافتات كانت مرفوعة عليها. وتهشمت واجهة مبنى من ثلاث طبقات، وبدت جدرانه سوداء جراء الدخان، بينما تقطعت كابلات الكهرباء وتوزعت في أماكن عدة.

يعاين حلمي جابر، محيط المكان المستهدف، مستندًا على عكازه، وعلق على خاصرته مفاتيح غرفة صغيرة مجاورة يقطن فيها، لكنها تضررت بعدما دخلت المياه إليها إثر تدمير الخزانات على سطح البناية، جراء الغارة الإسرائيلية.

يقول الرجل المسنّ، بينما يضع نظارة شمسية، بحسرة: "كانت هذه أجمل منطقة وأفضل سوق فيها"، وأضاف: "ليترأف الله بالناس ويساعدنا. نحن خائفون ودماؤنا على أيدينا ونخشى ضربات جديدة، إذ إن الإسرائيليين لا يستثنون أحدًا، ويريدون جعل النبطية أرضًا محروقة".

وتساءل: "هل هناك من نكبات أكبر؟ أريد أن أغادر، لكن من سيأخذني الآن وأنا عاجز عن التحرك؟"، ويتابع بحرقة: "من سينظر في حالنا؟ نوابنا الذين يسافرون ويقيمون في الفنادق؟ هل من يأتي منهم لتفقدنا والسؤال عن حالنا؟".

تشير "فرانس برس"، إلى أن رجالًا يتوافدون تباعًا إلى الموقع المستهدف، ويستطلعون حال السوق الذي اعتادوا ارتياده يوميًا للتسوق أو رؤية أصدقائهم. وبين هؤلاء محمود خرابزيت، البالغ من العمر 69 عامًا، الذي اعتاد منذ سنوات طويلة احتساء القهوة مع أصدقائه يوميًا في السوق، ويقول: إن "المدينة مرت عليها حروب كثيرة، واستهدفت بالقصف، لكننا ما زلنا صامدين فيها".

ويؤكد أن استهداف "إسرائيل" للمدينة لن يدفعه إلى مغادرتها، ويوضح: "باق هنا. هنا منزلي ومنزل أهلي ومنازل إخوتي، لا أستطيع أن أترك النبطية. النبطية روحي. وعندما تروح الروح تكون قد انتهيت".

وعلى بعد أمتار، يُشبه الشيخ علي طه، البالغ من العمر 63 عامًا، السوق بمنزله، ويقول: "شعرت كما لو أن منزلي تعرض للقصف. هنا ترعرعنا وتعرف الناس كلهم بعضهم الى بعض".

سوق النبطية

في الشارع كما على منصات التواصل الاجتماعي، بكى سكان المدينة سوقهم وذكرياتهم فيه منذ نعومة أظافرهم. وفي منشور على صفحتها على "فيسبوك"، الذي لاقى تفاعلًا كبيرًا، عدّدت الكاتبة اللبنانية، بادية فحص، أسماء المحال ومالكيها، وتفاصيل دقيقة عن السوق.

وكتبت فحص: "النبطية احترق قلبها.. هنا كان محل حلويات الديماسي الذي ترك صيدا منذ زمن واستوطن بالنبطية، وقبل عدة أشهر أنجز ديكور جديد وانطلاقة جديدة. إلى جانبه محل كامل جلول، ابن خالتي، أول محل أحذية رجالي بالسوق، لا يوجد عريس ذهب إلى عند عروسته إلا بحذاء من عند الجلول".

وتابعت فحص "على الزاوية مكتبة حجازي، كلنا اشترينا منها الحقائب وقرطاسية لنا ولأولادنا، وحين كنا صبايا صغيرات استعرنا منه روايات مستعملة بليرات قليلة. مقابله استديو الأمل تدخل عند الحسيني تجد صور عمرها ستين وسبعين عامًا، صور لجدتك وجدك ورفاقهم".

وأضافت: "ننزل قليلًا لنجد صيدلية بعلبكي، هم عائلة نزحت من البقاع وأصلهم من بيت علو، لقبو بالبعلبكي وأصبح اسم عائلتهم، نلتف على اليسار يقابلنا فخر الصناعة النبطانية على الإطلاق، حلويات السلطان، تفوح منه روائح النظافة والقشطة الطرية والكنافة الاكسترا والكرم، ممنوع تدخل دون أن يضيفك قطعة حلوى وكأس ماء".

وتواصل فحص: "عند مكتبة فارول وصاحبها اللطيف، رفعت حطيط، الذي نزحت عائلته من كيفون وقت حرب الجبل واستقرت بالنبطية وبقيت حاملة لنفس الاسم. مقابل المكتبة أهم محلين بتاريخ السوق لأنه بإدارة سيدتين قديرتين، حسيبة أم رامي الأمين، ومهى زوجة المناضل عفيف قديح، مقابلهم بهارات المشعل لصاحبه علي بطاطا".

ومضت فحص بالقول: "عندما نصعد نجد فلافل الارناؤوط، أشهر محل فلافل بالجنوب، الأرناؤوطي أصله ألباني وعاش بعكا وتعلم صناعة الفلافل هناك، وبعد النكبة أتى وصنعته إلى النبطية. وفي كل عدوان عليها يصاب بنكبة، يلاصقه محل المختار حسن جابر، الذي ورثه عن والده نزار جابر، محل تجد فيه كل شي ينقصك، ومن لم يعرف نزار جابر، لم يشاهد بحياته كيف يكون الحب والحنية على هيئة رجل".

وختمت فحص منشورها بالقول: "في الجهة الأخرى، محل ديسكو الشعار، الذي يرقص السوق على أنغام الأغاني الترند من مشرقها لمغربها"، وأضافت فحص في نهاية منشورها، قائلةً: "هذا قلبنا الذي احترق وليس مجرد مربع إسمنت".