في مهبّ البيت
بيتي
ليس بعيدًا عن يد الله،
فالبيتُ يمكن تعريفه بلا لغةٍ
قد يكون قطّةً توغل في المواء
فيجلدها الجوع
عند باب مغلق
وقد يكونُ صوتَ ارتطام كرة
بقدرٍ فارغة
، يمكنُ للبيت أن يخرج
من جسد رجل
يموتُ على ناصية الشارع
فتحفّ به الملائكة
، البيت أغنية ناقصة
ما لم تفرش حجراته بإيقاع أنينك
البيت، بيتي
صورةٌ في دفاتر الصبّاغين
في اللوحات المائية
تسيحُ ألوانها تحت مطر الخطايا
في قلم رصاصٍ
يضعه النجّارون خلف آذانهم
، البيت، بيتي
سماءٌ بلا إله
وقافلةٌ من الملذّات
تتمطّى في عضلات الفكّين
لا هُوَ بالضاحك
فأستعيده في لحظات الأسى
ولا هو بالباكي
فأقاسمهُ وجوم نوافذه
بيتٌ
يسكن في الحديقة
يفكّر بطريقةٍ
يجزّ فيها عشب ساكنيه
ويرسم أرجوحةً
بين غصنَي ياسمين ذابلين
البيت، بيتي،
يتسلّق سوره كل صباح
ويمضي في نزهته اليومية
بين قطعان بيوت
متخمةٍ بالعشب الأخضر
وزلال الرخام
ثم يعود ليفترس
ما تبقى من صورته
في خرائطِ ضيوفه القدامى.
*
إبراهيم الذي توشك النار
أن تحنو على جسده
لم يفعل شيئًا
سوى أنّه بنى بيتًا
وأسكن روحَ خالقه فيه
*
ليس بوسعي
أن أعمّر بيتًا
على أنقاض قصائدي
فقد نام أولادي
أيها المحسنون
يا من أغرقتم حياتي بالإسمنت.
شرائح مجهريّة
كنتُ قد أوصدتُ باب المنزل
واتكّأتُ عليها
فارغة كانت خزانةُ الأحذية
عندما عبرَتْ على عجلٍ
أعوامي الحافية
*
غالبًا ما أحنُّ إليه
وحين تأخذني قدماي مصادفة
إلى هناك
أتأمّلهُ بشغف
كما لو أنّني أشكره
-الشارع الذي عثرت فيه
على ثلاثة دنانير
كانت تتراقص في الهواء
*
في ثلّاجة الكوكا كولا
عثرتُ على جدول الضرب
أكثرُ من قنّينة زجاجيّة
لتضربَ رأسك
ثم تفكّر بمن يَليك
*
ليس للرغيف يدٌ
وذلك يعني أنه بلا خاتم زواج
كيف لي إذًا
أن أخبر أولادي
أنّه مرتبطٌ
ويفكّر بالإنجاب
*
بلا دعوة يحضر الربّ
يأكل ما تبقى لدينا
من خبز يابس
ويشرب
قارورة الماء الوحيدة
يتأمّل وجوهنا الشاحبة
ثم يهزّ يده هازئًا
ويمضي
*
في حفل الزفاف
ثمّة صائغ
يرسم بأسى شديد
صورة حزينة
لعروس تقصده فيما بعد
كي تبيع مجوهراتها
*
ليس لديّ ما أبيعه لأحد
مثلما لا أملك
ما أبيعه من أجل أحد
كل ما أملكه
اقترضه من نفسي
وأسدّد ديوني
بسجائر
أحرق بها ذاكرة الشهود
*
هناك في آخر حويصلة من رئتي
يتعفّن خزيني
من التبغ والكبريت
بينما أتمدّد على فراشي
منتظرًا بلهفة
من يشعل اللفافة الأخيرة
*
أنت أيّها الأصمّ
أيّها الأعمى
كنت أخاطبك
لكنّك لم تلتفت إليّ.
حظر تجوال
نحنُ لا نطرقُ الأبواب
فلم يعدْ هناك من يقفلُ بابهُ
عندما ينام
، النّاسُ هنا آمنون
حتّى أنّهم يفكّرون بشكلٍ صارمٍ
أن يتبادلوا الأبواب
كهدايا في الأعياد
يتبادلونها كتُحفٍ ملفوفة
في ورق التذكّر
لمْ نعدْ نطرق الأبواب
ولمْ يعدْ لأيدينا مهنةٌ في هذه الحياة
بعد تسريحِ ملايين الأيدي
من العمل في البساتين
، وانشغالِ النّاجين من الحروب
في البحث عن أيديهم المبتورة
لم تعدْ أيدينا تحلمُ بالعناق
ولم يتسنّ لنا
أنْ نلوّح لأحدٍ من بعيد
، فنحن هنا
غرباء يحاكونَ الأشباح
ما إن نصافح أحدًا
حتى يتمثّل لنا غيمةً نائمةً
أو سراب..