1
لا أطيقُ الّذينَ يحرسونَ بَابي فِي النهارِ،
فلَا ينْخذِلُ فَاعلٌ ولَا تَقُومُ قائمةُ مفعولٍ،
وَلَا يلتَقِي ساكنانِ،
ولا يُصرفُ ممنوعٌ،
ولا ينكسرُ النحوُ
ثُمّ ينسرِبُونَ فِي اللَّيلِ إلَى الحاناتِ
يتلبسونَ النِّساءَ الوَحيداتِ كالعَفارِيتِ
وينْصرَفُونَ مِن البابِ الخلفيِّ
يتحسّسونَ الخدوشَ
2
لا أطيقُ منهم ذاكَ الذِي ينفجرُ غَضَبًا
عندَ كُلِّ خطأ قَواعديٍّ
لكنهُ يصطفُّ أبدًا معِ الطاغيةِ ينكّل بجثّة عابرةٍ،
ومثلَه الذي يحوّل كلَّ خطأ إملائيّ إلَى فَضِيحةٍ
لكِّنه يشتغلُ سيَّافًا فِي السَّرايا
ومثلَه الَّذي يفتَحُ زنزانةً كلّما انكسر شطرٌ من العروضِ
لكّنه يحبسُ زوجته في المزهرِيَّةِ طِيلةَ النَّهارِ
ويَمْنَع ابنَتَهُ منَ الدُّخولِ فِي بابِ الحُلمِ.
3
لو أمكنني لصرفتُ حرّاسًا على بابي،
إذا مرّ طيرٌ فوقَ رأسِي
أطْلَقُوا النارَ
وإذا سرَتْ رعشةٌ فِي جَسَدِي
أطلَقُوا عليَّ
وإذَا طلِعتْ وردةٌ بينَ الحُروفِ،
مِن تلقائِهَا
حرَقُوا الحُروفَ
وإذا أزهرَ الوشمُ عَلَى ذِرَاعِيَ قطَعوهُ
وإذَا اقْتربَتْ لُغةٌ مِنِّي بِقصدِ التّعارفِ
نسَفُوا الجُسورَ!
4
لو أنّني اهْتديتُ الآن إلَى لفظةٍ فُراغيةٍ،
أطْلِقُها فِي فضاءاتِكُم
وحواسيبكم
فتُفرغُ كلَّ نصوصِكُم مِنَ مَضامِينِها المُزوّرَةِ
ومعانيهَا المَأْجورةِ،
وَلَظَلَّتِ الكَلماتُ هياكلَ مُهشّمة
لا حُبّ فِيها ولَا حَبِيبات
ولَا وردَ ولا أمسيات،
وانكشفتْ قلوبُكُم المُستعارَة!
5
لو أنّني حرّةُ السيرِ في الليلِ وَحْدِي
غيرُ حبِيسةٍ في الكُتبِ المغبّرةِ
ولا أسيرةُ روايتِكُم عَنْ أنْفُسِكُم
لاهتديتُ إلَى حِيلةٍ
تُساعِدُنِي عَلَى تجريدِكُم مِنِّي
ومحو كلِّ القواميسِ المُلطّخةِ بِدِماءِ ضَحايَاكُم!
فتظهرون على عُريكُم بدون لغة،
تغسلونَ بِمُحَسِّناتِها أيديكم
وتزيّنونَ مجازرَ الطَّاغيةِ بالمقدِّماتِ،
وتزفّون للعالَمِ السقوطَ!
6
أغَاظنِي مِنْ بيْنكُم
شَاعرُ غيرُ شَهمٍ،
يتحدّث عن حرّيتهِ
وعن حبيبته المُشتهاةِ
ويزجّ بِي
بينَ صَدْرٍ وعَجز!
7
أعترفُ أنَّ سيْريَ بطيءٌ
وأنَّنِي، مَهْمَا تَحايلتُ، لَنْ أجَارِي الزَمَانَ
فأحمْالي الَّتِي مِنكُم ثَقيلةٌ
فِي واحتِي كلُّ جِثَثُ مُفْردَاتِكُم المَيِّتةِ
ووجوهُ البناتِ الَّلاتِي وُئِدْنَ
والنِّساءُ الَّلاتِي سُبينَ
وفِي جَنَباتِ بيْتي عجيجُ حُروبُكم مُنذُ داحِس
وأفعالُ ماضيكُم وفائضُ الكلامِ
والخُطبِ
دروبيَ مسدودةٌ
فلن أجارِي الزمانَ
وفي رئتيّ كلُّ أسبابِ التصحّر
8
أكثرُ مَن يقهرُنِي
الَّذين يزجّون بي مع لُغةٍ أخْرَى غيْرِ ودودةٍ،
أوْ لُغتيْنِ
ويَصرَخونَ فِي قَلْبِي أنْ يصْمُتْ،
ألاّ يخفقْ
بدَعوَى حاجتِهمْ إلَى الوُصولِ
أنظرُ إلَى المرآةِ
فلا أرَى وجْهي وَلَا أعرفنِي!
9
لو كان في يديّ الخيارُ
لصَرَفتُ كلَّ مدرّسي النحوِ والصرْفِ
وكلّ أساتذةِ اللغةِ في مدارسِكُم
إلَى التَّقاعدِ القَسرِيِّ
فهمُ هُمُ الذينَ كتموا صرْخَتِي
وهمُ المُمْسِكُونَ بِمفاتِيحِ سَجْنِي
وهُمْ المتستّرون عَلَى عَارِهِم مَعِي
بكيلِ المَديحِ لطيبةِ قلبي
واتّساعِ مداي!
10
لا تصدِّقوا ما يُقالُ عن قصرٍ
بنوه لِي في ناحيةِ دجلةَ
ولا تصدّقوا أنني أميرتُهم وأنيسةُ وحشتِهم
فحدائِقُه، لكُلِّ مَنْ يخطرُ بِالبَالِ إلَّا أنَا
والشُرُفاتُ للغُربَاءِ
يُطلّونَ مِنْها على الثَّروَةِ
قصورٌ، قصورٌ مِن مُفردَاتِي تَصَامِيمِها
وأنَا فِي الأقْبِيةِ
حبيسةٌ دائِمةٌ حَدّ الفَناءِ البَطِيءِ
11
يقتُلُنِي مَرّتيْنِ
أولئِكَ الَّذينَ يَزنونَ بِي
ويَفْتِكونَ بِي
ويذْبَحونَ بِي
ويَقْبِضُونَ عَلَى أرْواحِ النَّاسِ بِي
ثمَّ يأتونَ فِي آخِرِ الَّليلِ
يلتفّونَ بأسْمائِي الحُسْنَى ولَا يتُوبونْ!
12
لا أفهمُ من همْ أولئِكَ الَّذين ينهبونَ منّي
الأسماءَ والألقابَ والنُعوتَ
وكلّما تقدّم منهمْ فعلٌ، مَهْمَا كَانَ بَسيطًا، أعرضوا
ولا أفهمُ الَّذينَ إذَا أخَذُوا فِعْلًا بَعدَ جَهْدٍ
أخَذُوهُ لَازِمًا
وإذا أَخطأوا فِي الاخْتيارِ
كانت الأفعالُ بين أيديهمْ اعتداءً عليكُم
واعتداءً عَلِيّ!
13
لو خيّرتُ لقُلتُ لكُم ولِي
"إلى الجحيمِ كُلُّ مَا كَانَ
لقطعتُ كلَّ حبلِ سُرّةٍ يُرجِعُنِي إلَى مَا كانَ
إلَى كُلِّ موْروثٍ
ونَصٍ
إلَى كُلِّ بِدايةٍ
أتوُق مُنذُ ألفِ عَامٍ
كَيْ أكونَ غَيري
اقرأ/ي أيضًا: