منذ نحو 20 عامًا، وبالوراثة عن والده، يعمل ابن مدينة صنعاء، شوقي عبده الزغير، في صناعة العود وآلات موسيقية تقليدية وحديثة، بأدوات شبه بدائية.
تستغرق صناعة العود العربي من شوقي الزغير شهرًا كاملًا، وأحيانًا أكثر من الـ30 يومًا، قبل أن يصبح جاهزًا للاستخدام
كان والده، عبده الزغير، قد بدأ بصانعة العود في الستينات، بمحل صغير في مدينة تعز التي ولد فيها، منطلقًا من شغفه بالموسيقى التي درسها في مصر، وعزفها في تعز وصنعاء.
اقرأ/ي أيضًا: عَودة القنبوس.. آلات المغنى والزمن الجميل في اليمن
"ورثت المحل والمهنة من والدي"، يقول شوقي لـ"الترا صوت"، إذ ارتحل والده إلى صنعاء بعد أعوام من إقامته في تعز. وكان محل الوالد ثم الابن، مزارًا لمعظم فناني اليمن لشراء العود أحيانًا، وللسمر أحيانًا أخرى.
صناعة العود
تستغرق صناعة العود العربي من شوقي الزغير شهرًا كاملًا، وأحيانًا أكثر من الـ30 يومًا، قبل أن يصبح جاهزًا للاستخدام. ويختلف لحن العود باختلاف نوع الخشب المستخدم فيه.
وبالإضافة إلى العود العربي، الذي بات شائع الاستخدام في اليمن، يصنع شوقي أحيانًا العود الصنعاني المعروف بـ"القنبوس" أو "الطربي"، وذلك بحسب الطلب. ويُسخدم في صناعة هذا العود أخشاب الأبنوس والسيدار والزاز وخشب السيسم.
ويُفضل الزبائن المتمرسين وذوي الخبرة، صناعة العود من يد شوقي الزغير، عن العود المستورد. يبدأ شوقي صناعته للعود بتقطيع الأخشاب قطعًا صغيرة بحسب الحجم والشكل. ثم يركبها: المكرة والوجه والسقف والفرسة، ثم القمريات. وينتهي من العود بتركيب الرقبة والرأس وأخيرًا المفاتيح والأوتار.
والأوتار كذلك أنواع، ففي العود الصنعاني التقليدي توضع سبعة أوتار: ثلاثة مزدوجة وواحد مفرد، كانت تصنع من أمعاء الماعز. وفي العود العربي 12 وترًا. ومن بين الأوتار السورية والصينية والألمانية، يفضل شوقي استخدام الألمانية لأنها "تمنح العود صوتًا صافيًا، ولا تحتاج للتغيير إلى بعد فترة طويلة".
النفس تصنع
لا تعتمد صناعة العود على الخشب والأوتار فقط، بل إن "للحالة النفسية والمزاج الجيد دور كبير في تحسين جودة صناعة العود"، كما يقول شوقي، محيلًا إلى تأثير المزاج على التركيز، والعود صنعة تحتاج للتركيز و"النفس الجميلة والذوق الفني"، على حد تعبيره.
والعزف كذلك شرط أساسي في صناعة العود، أي أن صانع العود لابد وأن يكون متمرسًا في عزفه، ليكون مدركًا لتفاصيله الفنية ليجيد في تفاصيله الصناعية.
ويتراوح سعر العود بحسب الأخشاب وأنواع الأوتار المصنوع منها، وبحسب حجمه كذلك، ما بين 30 ألف ريال يمني (120 دولار أمريكي) إلى 150 ألف ريال (600 دولار).
تأثيرات الحرب
في كل شيء في اليمن، ما قبل الحرب غير ما بعدها، من ذلك ما يشكو الزغير منه: ضعف حركة البيع والشراء، فما قبل الحرب كان الفنانون حريصون على تغيير آلاتهم والبحث عن الجديد والأحداث. لكن بعد الحرب اختلف ذلك، مع شح الموارد وقلة النقود.
يقول شوقي: "في الوضع الراهن الإقبال ضعيف جدًا مقارنة بما قبل الحرب، فقبل الحرب كان الدخل ممتاز، والناس كان تحب العود وتشتريه كزينة إذا لم تكن عازفة".
والحرب أيضًا أثرت على المجال الفني في البلاد، ما يفسر أيضًا قلة البيع والشراء في محل شوقي: "خمول البيع والشراء من أسبابه جمود الحركة الفنية"، يقول شوقي، مضيفًا: "وعدم وجود وجوه فنية جديدة في الساحة اليمنية، وهجرة الكثير من الفنانين، وكذلك عدم وجود مراكز وكليات لتدريس العزف والموسيقى".
بالإضافة لذلك، يواجه الزغير الآن صعوبات كبيرة في عمله، من جهة تأمين مصروفاته وإيجار محله، ومن جهة استيراد المواد الخام اللازمة للصناعة، إما لغلائها بالنسبة للحالة الاقتصادية في البلاد، أو لاضطراره دفع الضرائب مرتين: لحكومة عبد ربه منصور هادي في عدن وللحوثيين في صنعاء.
في كل شيء في اليمن، ما قبل الحرب غير ما بعدها، ومن ذلك ركود صناعة وتجارة العود، وبالجملة خمول الحركة الفنية في البلاد
لكن ستبقى صناعة العود، صنعة شوقي وبيت الزغير التي اشتهر بها منذ الستينات، فهو بمثابة روحها في البلد التي مزقته الحرب، ومزّقت كل فن وصنعة فيه. ولدى شوقي طموحات تتمثل في إنشاء مركز لتعليم الموسيقى وحفظ التراث الفني اليمني، غير نها مرهونة بتوقف الحرب.
اقرأ/ي أيضًا: