تُعدّ الحرب "ثيمة" رئيسية في الأعمال الدرامية. وإن كانت حسابات الميدان خاسرةً إزاء الأرواح التي تُزهق، فإن حسابات الأدب والشاشتين الكبيرة والصغيرة من هذه الموضوعة -بدسامة مادتها- ربحٌ محققٌ بما تفتحه من آفاق وبما ترسمه من عوالم فيها من المأساة ما يكفي لكتابة نصوص وصناعة مشاهد لا تُعد ولا تُحصى.
في سوريا التي تعسكرت ثورتها ثم تحوّل الصراع فيها إلى حرب مفتوحة على كل أشكال القتل والدمار والخراب، لم تحُل العمليات العسكرية دون متابعة الكتابة والتصوير. فالمناطق التي نأت بنفسها عن الحراك منذ العام 2011 "تنام على حرير" الأمن الممسوك وتنصرف إلى متابعة يومياتها كالمعتاد، بعكس المناطق التي تنهمر عليها البراميل من سماء تمخرها الطائرات وأرض يلفّها الحصار من كل جانب.
الحرب السورية لم تغب عن الشاشة وإن جاءت إما من زاوية واحدة تعكس وجهة نظر النظام أو "رمادية" تتناول النتائج ومنها النزوح والتهجير
وبما أن موضوع الإنتاج الفني في دمشق تمسك به جهات رسمية حكومية أو أخرى تدين بالولاء لها، شكّل الاستمرار في تزويد الشاشات المحلية والعربية بمسلسلات جديدة، لاسيما في رمضان من كل عام أحد وجوه صمود نظام الحزب الحاكم ومقاومته لما يصفه بـ "الحرب الكونية على سوريا" واستهدافها من قبل "الإرهابيين".
وإذا كانت الدراما السوريّة تابعت رغم الحرب مواكبتها للظروف الاجتماعية، وجسّدت بين الخير والشر، الحب والمشاكل العائلية والصراع على الثروة في قصص تسكب الواقع في إطارات متقنة من الخيال، فإن الحرب لم تغب هي أيضًا عن الشاشة وإن جاءت مقاربتها إما من زاوية واحدة تعكس وجهة نظر النظام أو "رمادية" تتناول النتائج ومنها النزوح والتهجير دون أن تُفنّد الأسباب أو أقله تبينها كمسلسل "سنعود بعد قليل" الذي اتخذ من الأزمة السورية "كادرًا" راصدًا من "زاوية إنسانية" تأثيرها على حياة شخصيات العمل.
اقرأ/ي أيضًا: أن تكون بابلو إسكوبار
أما المسلسلات "الأيقونة" والتي باتت علامة مسجلّة في الدراما السورية كونها تجسد البيئة الشامية من جهة وتتناسخ بين عام وآخر مشكّلة سلسلة طويلة تتراخى حبكتها بين الحين والآخر من جهة أخرى، فهي "استقرأت" الحاضر في الماضي حيث هي، واعتمدت نظام "الغمز" و"اللمز" ملمحة دون تصريح مباشر إلى مواقف "واضحة" إزاء ما يحدث.
و"باب الحارة" الذي يُعدّ المثال الأبرز في هذا الإطار، راح كاتبو حلقاته يبنون أجواءه ويسعّرون حواراته على وقع الحرب وخطاب أطرافها. لا نتحدث هنا عن موضوعية أو "إسقاط" عقلاني للحاضر على مشاهد الماضي، بل "ترخيم" للنصوص بمفردات من خطابات القومية والوطنية والاستبسال في الدفاع عن الوطن، حتى تماهى عدد من الممثلين في أدائهم للأدوار بتصريحاتهم المعتادة والمؤيّدة للنظام.
في سوريا شكل الاستمرار في صناعة مسلسلات جديدة، لاسيما في رمضان، أحد وجوه صمود نظام الحزب الحاكم ومقاومته
في السينما أيضًا لم تتوقف الكتابة ولم ينقطع الممثلون عن أماكن التصوير. وقد تم تقديم عدد من الأفلام الطويلة والقصيرة كـ"الرابعة بتوقيت الفردوس"، "بانتظار الخريف"، "ابتسم فأنت تموت"، "توتر عالي"، "طابة أمل". رغم المقاطعات من عدد من المهرجانات العربية والعالمية، وقد جاء هذا الأمر تكرارًا لسيناريو "الصمود" من جانب المؤسسة العامة للسينما.
"النزوح" الذي شكّل رديف يوميات السوريين منذ اندلاع الحرب، طال الفنانين أيضًا. كثر من معارضي النظام كانوا تركوا سوريا قبل انطلاق الثورة، وقد تبعهم في "تغريبتهم" آخرون مكرهون لا مخيرون بعد أن أعلنوا مواقف مناهضة للنظام ولممارساته كالممثل مكسيم خليل وزوجته الممثلة سوسن أرشيد، الممثلة يارا صبري، فارس الحلو الذي كان شارك في التظاهرات وهتف ضد بشار الأسد، المخرج والممثل محمد آل رشي.
هؤلاء وآخرون يتابعون أعمالهم الفنية من "بلدان ِشتاتهم" كلبنان ومصر والإمارات العربية المتحدة، على أمل العودة إلى سوريا في أقرب وقت ممكن. بعد سقوط النظام.
اقرأ/ي أيضًا:
حديث الصباح والمساء: المقبرة والقابلة والمتن!
صراع العروش.. حين يضعك الإبداع في مأزق