تأسس جيش الاحتلال الإسرائيلي بقرار من رئيس الحكومة ووزير الدفاع الأول ديفيد بن غوريون، وذلك بعد أيام قليلة من إعلان قيام دولة إسرائيل. حدث ذلك في 26 أيار/ مايو 1948 من خلال دمج وتوحيد العمود الفقري للجيش (منظمة الهاغاناه) مع ميليشيات أخرى صُنفت كمنظمات إرهابية من قبل الإنجليز، مثل منظمتي "إيتسل" و"شتيرن".
لم يكن هذا تاريخ التأسيس كما يدعي أصحابه، إنما هو تغيير في التسمية فقط، فجيش الاحتلال موجود فعليًّا، وكانت له اليد الطولى في العمليات العسكرية والتطهير العرقي الذي أدى إلى استعمار فلسطين، وتهجير ثلاثة أرباع شعبها، طبعًا جنبًا إلى جنب مع عدد من المؤسسات المدنية الأخرى.
ويحظى الجيش الإسرائيلي بمكانة مرموقة في المجتمع الإسرائيلي. ويحتل، مقارنةً بالدول الأخرى التي تأسست في أعقاب الحرب العالمية الثانية، مكانة بارزة على نحوٍ غير اعتيادي يمارس من خلالها تأثيرًا بالغًا؛ ليس فقط في مسائل الأمن وصناعة الحرب، بل أيضًا في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية. وعلى عكس النظريات التقليدية للعلاقات المدنية - العسكرية، التي غالًبا ما تضع حدوًدا واضحة المعالم بين المجالين العسكري والمدني من حيث البنية والوظيفة والرمزية، تختفي الحدود بين ما هو عسكري وما هو مدني في الحالة الإسرائيلية، وذلك لأن العقيدة العسكرية توازن بين العناصر الاجتماعية المتناقضة المشكلة للنسيج الاستعماري – الاستيطاني في مجتمع منقسم، كما يقول طارق دعنا في دراسة نُشرت مؤخرًا.
دخل الكثير من قوّاد هذا الجيش إلى الحياة السياسية، فمنهم من أصبح رئيسًا للوزراء مثل إسحق رابين وأرييل شارون، ومنهم من أصبح رئيسًا للدولة مثل عيزر وايزمان، إلى جانب تولي الوزارات والسفارات.
وخاض جيش الاحتلال حروبًا كثيرة ضد الدول العربية، ونفّذ اعتداءات على العراق، وعلى المخيمات الفلسطينية في لبنان والأردن.
ومع أنه حقق انتصارات في عدة حروب، أهمها حرب 1948 وحرب 1967، إلا أنه لم يكن كذلك في بقية حروبه، خاصة حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 التي ذاق فيها هزيمة مُرّة. هذا إلى جانب اندحاره أمام عمليات المقاومة الوطنية اللبنانية، التي انتهت بخروجه من لبنان عام 2000، وكذلك الأمر أمام فصائل المقاومة الفلسطينية المتعددة، لا سيما في قطاع غزة التي قرر الانسحاب منها بشكل أحادي عام 2005.
لعب العديد من الضباط الإسرائيليين أدوارًا حاسمة في حروب دولة الاحتلال، وفي التطور العسكري لجيشها، وفي ربط الهوية الإسرائيلية بالجيش وعقيدته العسكرية.
وكان لهؤلاء الضباط، الذين نقف عندهم هنا، أدوارًا محورية في تشكيل جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال سنوات تكوينه، وكان لهم دور فعال في إنشائه وتطويره. وكانوا حاسمين في توحيد وتنظيم مختلف الجماعات شبه العسكرية اليهودية في قوة عسكرية متماسكة، وساعدوا في تشكيل هيكله واستراتيجيته وثقافته، الأمر الذي شكّل الجيش الذي نعرفه اليوم، والذي لا يزال يخوض حرب الإبادة والتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني.
موشيه ديان
موشيه ديان (1951 – 1981) أحد الشخصيات العسكرية الأكثر شهرة في دولة الاحتلال. شغل منصب وزير الدفاع الإسرائيلي ورئيس الأركان، وقدم مساهمات حاسمة في عدة حروب.
بدأ موشيه ديان حياته عضوًا في "الهاغاناه" قبل إنشاء دولة الاحتلال، ثم أصبح قائدًا للقوات التي احتلت اللد عام 1948، وقاد الجيش الإسرائيلي عام 1956 إبان العدوان الثلاثي على مصر، ثم ذاع صيته بعد هزيمة 1967 إذ كان وقتها وزيرًا للدفاع، واختتم حياته بالمشاركة في مفاوضات السلام التي انتهت بالتوقيع على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979.
إسحق رابين
شغل إسحق رابين (1922 – 1995) منصب رئيس الأركان وأصبح فيما بعد رئيس وزراء "إسرائيل". في شبابه، انخرط في قوات البالماخ الصهيونية (سرايا الصاعقة) التي أنشئت عام 1941، وكانت الذراع الضاربة لقوات "الهاغاناه"، وأصبح في عام 1945 نائبًا لقائد قوات البالماخ. وفي العام التالي، ألقت قوات الانتداب البريطاني القبض عليه وعلى والده واعتقلتهما لفترة قصيرة ثم أفرجت عنهما، وبعدها اختير رابين قائدًا لعمليات البالماخ.
قام رابين بالتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين العام 1993 الذي عُرف باتفاق أوسلو. ثم توصل إلى اتفاق صلح مع المملكة الأردنية عام 1994. ونال رابين جائزة نوبل للسلام مع بيريس وعرفات.
تعرض رابين إلى انتقادات شديدة من اليمين والمستوطنين على خلفية تزايد العمليات التي نفذتها "حركة حماس"، ومعارضة هذه الأحزاب والتيارات لأي تنازلات للفلسطينيين والعرب. وتصاعدت المعارضة حتى وصلت إلى رفع شعارات تتهمه بالخيانة. وانتهى ذلك باغتيال رابين على يد اليهودي المتدين يغآل عمير في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر 1995.
أرييل شارون
أرييل شارون (1928 - 2014) أحد أشهر القادة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، ويرتبط باسمه بعدد من المجازر التي ارتكبها ضد الشعب الفلسطيني.
انخرط في عمر الـ14 عامًا في صفوف "الهاجاناه"، والتحق بالجيش الصهيوني فور إعلان قيام الدولة، ونُصِّب قائدًا لسرية مشاة في لواء ألِكسَندروني، وهي الوحدة التي ارتكبت مذبحة "اللد" عام 1948، والتي راح ضحيتها 426 فلسطينيًا.
وقع في أسر الجيش الأردني في معارك اللطرون عام 1948 خلال مشاركته في معركة القدس على يد النقيب حابس المجالي، قبل تحريره في صفقة تبديل الأسرى بعد الهدنة.
قاد الوحدة 101 ذات المهام الخاصة، وهي الوحدة التي ارتكبت مذبحة "قبية" بالضفة الغربية في خريف عام 1953، حيث قتلت 170 من المدنيين الأردنيين والفلسطينيين أثناء اختبائهم في بيوتهم التي تم تفجيرها، كما تم هدم 45 منزلًا ومدرسةً واحدة ومسجدًا.
وفي 16 أيلول/ سبتمبر 1982، ارتكب مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا، التي استمرت 3 أيام على يد اليمين اللبناني بحماية شخصية من شارون على رأس جيشه.
قام باستفزاز مشاعر المسلمين باقتحامه للمسجد الأقصى عام 2000، ما أدى إلى اندلاع انتفاضة الأقصى. وفي العام التالي، تولى رئاسة الوزراء فأمر فورًا القوات الجوية الصهيونية بشن هجوم على مراكز الأمن الفلسطينية، وأعيد انتخابه لدورة ثانية لرئاسة الوزراء عام 2003.
دخل في غيبوبة استمرت ثماني سنوات، وانتهت بموته.
إيجال آلون
كان إيجال آلون (1918 - 1980) شخصية رئيسية في جيش الاحتلال الإسرائيلي في سنواته الأولى، إذ لعب دورًا حاسمًا في العمليات العسكرية وعمليات التهجير خلال نكبة عام 1948.
انضم إلى قوات "الهاغاناه" وأصبح قائدًا لأحد تشكيلاتها في الفترة 1936-1939. وبعد النكبة، أكمل تعليمه وتخصص في العلوم السياسية، وقدّم نظرية أمنية تبنتها المؤسستان العسكرية والسياسية، وملخصها كما يقول بحث منشور له بعنوان "الدروس المستفادة من حرب يونيو 1967" أن الأمن لا يتحقق بالضمانات الدولية ولا بالقوات الدولية ولا بمعاهدات السلام، إنه يتحقق فقط بالأرض، تلك الأرض التي تصلح كقواعد صالحة للهجوم الإسرائيلي في المستقبل. وكان يرى أنه لا مانع من انضمام الضفة الغربية وقطاع غزة إلى الأردن، شريطة عدم وجود قوات أردنية فيهما، وتأمين الحدود الإسرائيلية الأردنية بإقامة مستوطنات أمنية على امتدادها.
شغل عدة مناصب سياسية، واختير عام 1974 ضمن الوفد الإسرائيلي في المفاوضات التي جرت بين إسرائيل ومصر وسوريا. شغل في الفترة التي أعقبت حرب 1973 منصب وزير الخارجية وظل في هذا المنصب لغاية عام 1977.
أصبح عام 1954 واحدًا من زعماء حزب "اتحاد العمال" الذي استمد قوته الأساسية من انضمام سكان المستعمرات الزراعية الاشتراكية إليه. وكان الحزب في بدايته جناحًا يساريًا داخل حزب الماباي، ثم انفصل عنه ليعود إلى الاتحاد معه مرة ثانية فيما بعد.
انتخب آلون عام 1955 عضوًا بالكنيست، وكان طوال الفترة من 1977 حتى 1980 عضوًا في لجنة الأمن والخارجية بالكنيست واللجنة العليا المختصة بلبنان.
غابي أشكنازي
شغل غابي أشكنازي (مواليد 1954) منصب رئيس الأركان، ولعب دورًا مهمًا في عمليات جيش الدفاع الإسرائيلي، بما في ذلك حرب غزة في 2008 - 2009. كما شغل منصب وزير خارجية الاحتلال.
تولى عّدة مناصب قيادية في الجيش، منها: قيادة فرقة من لواء جولاني أثناء الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 1980، حيث قاد بعض الهجمات على قلعة شقيف والنبطية وجبل الباروك.
انتخب رئيسًا لهيئة الأركان العامة بعد استقالة دان حالوتس في مطلع العام 2007 نتيجة ارتفاع الأصوات المطالبة بمقاضاة المسؤولين (ومنهم حالوتس) عن الفشل في الحرب الاسرائيلية على لبنان في تموز 2006. وخلال ترؤسه قيادة الأركان، شن الجيش الإسرائيلي حربين ضد قطاع غزة، هما: "الشتاء الساخن" و"الرصاص المصبوب".
إبان توليه رئاسة أركان الجيش، تورط في فضيحة أصبحت تُعرف في إسرائيل باسم "فضيحة هرباز" التي كشف النقاب عنها في آب/ أغسطس 2010، وخلاصتها تسريب "وثيقة" سرية عرفت باسم "وثيقة غالانت"، تبين لاحقًا أنها كانت مزيفة، استهدفت إجهاض نية وزير الدفاع آنذاك، إيهود باراك، تعيين الجنرال يوآف غالانت رئيسًا لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي، خلفًا لأشكنازي.
وفي أعقاب هذه الفضيحة، وضمن تطوراتها، أُخضع أشكنازي لتحقيقات جنائية، سوية مع زوجته، في حزيران/ يونيو 2014.