يستذكر عبد الرحيم جابر المآسي التي حلت بالشعب الفلسطيني جراء النكبة فيقول "عانيت معاناة هائلة وأنا أشاهد حياة أهلي وشعبي في مخيمات اللاجئين، كما يسمونها، حيث يقطن هذه المخيمات الناس الذين طردوا عن بيوتهم وقراهم وأراضيهم، وضعوهم في هذه المخيمات برعاية الأمم المتحدة سموها مخيمات اللاجئين وقد أقاموا فيها خيام ممزقة من القماش. كنت أسأل نفسي لماذا لا توجد لهم بيوت تأويهم؟ وشعرت أن مشكلة اللاجئين هي مشكلتي".
شكلت حركة القوميين العرب الصوت الأكثر ثورية، والذي عبر عن المزاج الشعبي والسياسي العام، وقد لاقت أفكارها قاعدة جماهرية واسعة
لم تكن العوامل والظروف المحيطة مشجعة، النظام الأردني لا يزال حديث العهد، الجيش بإمرة قادة من الإنجليز الذين كانوا يسيطرون على جميع قطاعاته، ولم تكن للنظام أية سيطرة.
اقرأ/ي أيضًا: أبو صالح.. الحالم الذي أضاع الطريق
قائد الجيش في ذلك الوقت يدعى جون كلوب أو كلوب باشا (أبو حْنِيْك كما يسمه المحليون)، صاحب سلطة وسطوة بموجب المعاهدة الموقعة بين بريطانيا والنظام الأردني، والتي تسمح لهذا الجنرال الإنجليزي بتسيير الجيش مما جعل مرجعيته بريطانية وليست أردنية.
انعكس ذلك على الجانب السياسي فلم تكن الأمور على ما يرام، كانت الخمسينات حافلة بالأحداث السياسية، فقد شهدت حراك وتظاهرات ضد نشاطات سفارات الدول الاستعمارية، داعية لإسقاط الحلف الأردني مع الدول الاستعمارية.
التحق عبد الرحيم جابر بالجيش الأردني وبعد سنوات لم يجد فيه ما يصبو إليه، ولم يكن أمامه سوى العمل الحزبي، وبعد تجربة قصيرة في حركة الوطنيين الأحرار التي كان يقودها أنور الخطيب، والذي أصبح محافظًا للقدس، لكنها لم تكن موفقة فغادرها.
شُكّلت في تلك الفترة حركة القوميين العرب الصوت الأكثر ثورية والذي عبر عن المزاج الشعبي والسياسي العام، وقد لاقت أفكارها قاعدة جماهرية واسعة، بدأت الحركة بتسيير دوريات لعمليات الاستطلاع انطلاقًا من الحدود التي تربط الدول العربية مع دولة الاحتلال تمهيدًا وتحضيرًا للبدء بعملية الكفاح المسلح، ففي تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1964 اصطدمت إحدى مجموعات الاستطلاع بأحد المواقع العسكرية الإسرائيلية على الحدود اللبنانية، وجرى على إثرها اشتباك عنيف أدى إلى مقتل عدد من الجنود الإسرائيليين واستشهد أحد أفراد المجموعة وهو خالد أبو عيشة، كانت تلك الحادثة بمثابة الظهور العلني للعمل المسلح للحركة والذي توج بإعلان عن تشكيل الجناح العسكري باسم منظمة أبطال العودة، وذلك في شهر آب/أغسطس من عام 1965 ورفعت شعارًا قويًا وهو "وراء العدو في كل مكان".
"منظمة أبطال العودة"، وشعارها "وراء العدو في كل مكان" هي الجناح العسكري لحركة القوميين العرب
انضم عبد الرحيم جابر للجناح العسكري وأصبح من قيادات الصف الثاني فيه، بعد الدكتور وديع حداد وصبحي موسى التميمي وفايز عبد الرحيم جابر، وشكّل أولى مجموعات العمل الفدائي في الخليل التي بدأت بالعمل في أواخر كانون الأول/ديسمبر 1965 حيث قاد العمليات الفدائية قرب مستعمرة الدوايمة في الخليل، وذلك بالهجوم على قوة عسكرية إسرائيلية بالقنابل والأسلحة الرشاشة وكانت تلك فاتحة للعديد من العمليات النوعية.
اقرأ/ي أيضًا: فيلم "إبراهيم إلى أجل غير مسمى".. العائد إلى دير أبو مشعل
توالت العمليات وأصبح عبد الرحيم جابر من أبرز المطلوبين من طرف سلطات الاحتلال في المنطقة بسبب نشاطه المكثف في المقاومة، فقام بالتخطيط والمشاركة بالعديد من الأعمال الفدائية مثل عملية الحي الثوري بالقدس الشرقية، المقابل للحي اليهودي، حيث تم الهجوم على مجموعة من المستوطنين الذين اعتادوا على استفزاز سكان المنطقة، اتسع نطاق العمليات فكانت بصماته حاضرة دائمًا في العمليات كعملية الباصات الثالثة في الطريق الرابط بين قريتي الكبيرة والدوايمة، وعملية تفكيك سكة القطار الرابط بين مدينة عسقلان وبئر السبع، وعملية الهجوم على دورية إسرائيلية على الطريق الواصل بين بئر السبع والخليل، وعملية ضرب معسكر المجنونة المقابل لمخيم الفوّار بالخليل، هذا بالإضافة إلى عمليات الردع ضد المستوطنين بين الخليل وبيت كاحل.
في 21 نيسان/أبريل 1968، وقعت إحدى أهم العمليات النوعية التي خطّط لها عبد الرحيم جابر وأطلق عليها عملية ليلة القنابل في حي اليهودي بالقدس، حيث تمت مهاجمة 11 هدفًا إسرائيليًا في وقت واحد وذلك بتشكيل قوة ضاربة من 11 مجموعة كل مجموعة تضم شخصيين، أحدثت هذه العملية هزة كبيرة في وسط جيش الاحتلال الذي وقف عاجزًا أمامها ولم يستطع أن يرد عليها فما كان منه إلا أن شن عمليات انتقام واسعة من سكان القدس المدنيين وما جاورها، بعد عجزه على اعتقال أي من أفراد المجموعات المنفذة، وكان عدد المعتقلين 5 آلاف معتقل مدني.
كان قد مر على احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة سنة حين قرّرت قيادة "منظمة أبطال العودة" ضرب الكيان الصهيوني في رأسه، وذلك بالهجوم على فندق الأمبسادور الذي أصبح مقر الحاكم العسكري والقيادة العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية والواقع شرقي القدس، أوكلت المهمة لفصيل الأشبال بالتنظيم وتم اختيار كل من الشبل رياض جابر، أخ عبد الرحيم جابر، والشبل جواد البشيتي لتنفيذ العملية عن طريق وضع حقائب بها عبوات معدة للتفجير أمام مبنى القيادة العسكرية لكن لخلل بتوقيت إعداد العبوات أدى إلى انفجارها عند مدخل المبنى واستشهد على إثرها رياض عبد الرحيم وأصيب رفيقه جواد البشيتي بجروح خطيرة، شكّلت هذه العملية مفاجئة لقوات العدو إذ اكتشفت الدور المهم الذي لعبه فصيل الأشبال داخل منظمة أبطال العودة، حيث نفّذ 13 عملية قبلها. كان الانتقام من عائلة المنفذين شديدًا إذ نكلوا بذويهم وهدموا منازلهم واعتقلوا أقاربهم، تم اعتقال والد الشهيد رياض وإخوته وطالبوا من قائد الفدائيين عبد الرحيم جابر تسليم نفسه مقابل الإفراج عنهم باعتباره المسؤول عن العملية.
في نهاية الستينات، أصبح عبد الرحيم جابر من أبرز المطلوبين من طرف سلطات الاحتلال بسبب نشاطه المكثف في المقاومة
مع تواصل اعتداءات قوات الاحتلال على المدنيين تصاعدت العمليات الفدائية وقرر عبد الرحيم جابر الضرب من جديد داخل عمق العدو، فاختار نفس المجموعة التي قامت بعملية ليلة القنابل في القدس لضرب قلب تل أبيب لما لديها من خبرة وتجربة ناجحة، فتم اختيار الأهداف الحيوية مثل المحطة المركزية والسكة الحديدية ومبنى البريد المركزي وعدة أهداف أخرى، كان الوضع في تل أبيب في حالة استنفار دائمة بسبب عمليات المقاومة المستمرة، بدأ الهجوم وتوالت الانفجارات لكن حدث خطأ وتوضحت ثغرات بتركيبات المجموعات المهاجمة مع بدء تنفيذ العمليات، مما أدى إلى اعتقال عنصريين من المجموعة، فانكشف باقي العناصر، وبعد حملات شنتها قوات الاحتلال بالقدس والخليل وما جاورها تم اعتقال باقي أفراد المجموعات.
اقرأ/ي أيضًا: سهيلة أندراوس.. رابعة الأربعة
ازدادت عمليات التضييق من قبل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في محاولة للقبض على قيادة المقاومة في الداخل وإنهاء نشاطها، فركزت جهدها على منطقة الخليل وجبالها حيث تحصن عبد الرحيم جابر ورفاقه، لكن لم تثنهم هذه الإجراءات عن مواصلة عملياتهم بعد عملية استطلاع ومتابعة مكثفة لمدة تقارب الشهر. وكان الهدف مفاعل ديمونة النووي.
انطلقت المجموعة في 22 أيلول/سبتمبر 1968 وعلى رأسها عبد الرحيم جابر محملين بالقنابل والعبوات متجهين نحو الهدف لكنهم على بعد 300 متر من أسوار المفاعل وقعوا في كمين محكم بناء على وشاية، وجرى اشتباك عنيف أدى إلى استشهاد أحد الفدائيين وهو موسى الرجبي، وإصابة عبد الرحيم جابر إصابة بالغة وتم اعتقاله، كما انسحب باقي أفراد المجموعة من ساحة المعركة وعادوا إلى قواعدهم سالمين.
نقل عبد الرحيم جابر إلى مستشفى في بئر السبع بعد أن تلقي 11 رصاصة خلال الاشتباك لمعالجته، ونُقل إلى معتقل صرفند قبل أن تضمد جراحه ليتم التحقيق معه لمدة 54 يومًا متواصلة، بدأت رحلة طويلة من العذاب والتنكيل داخل المعتقل لدفع جابر على الاعتراف بمسؤوليته عن العمليات العسكرية طيلة السنوات الماضية، لكن إرادته القوية لم تنكسر رغم إصابته البليغة ولم يعترف بالرغم من كل الضغوطات التي مورست عليه، وقد أشرف على التحقيقات مدير المخابرات الإسرائيلية العامة بنفسه.
نتيجة صموده في التحقيق والتغطية الإعلامية التي رافقت عملية اعتقاله، نقلوا عبد الرحيم جابر بطائرة عمودية معصوب العينيين إلى الكنيست الإسرائيلي بطلب من أعضائه، إذ أدخلوه إلى قاعة الجلسات على نقالة وآثار الإصابة ظاهرة عليه، حضر جلسة الاستماع عدد من المدنيين وعسكريين من بينهم قادة من الكيان الغاصب مثل إيغال ألون وموشيه ديان وإسحاق رابين وحاييم بارليف، تمحورت الأسئلة عن سبب عدائه لإسرائيل وقيامه بعمليات ضدها وهل هو مستعد للسلام مع إسرائيل؟
واجه عبد الرحيم جابر أعضاء الكنيست الذين حققوا معه: "كيف يكون لكم الحق في هذه الأرض وقد قمتم بتشريد أصحابها وطردهم منها"
في خضم ذلك تدخلت إحدى السيدات وأخذت الكلمة وكانت النائبة يؤولا كوهين عن حزب الليكود المتطرف ووجهت كلامًا قاسيًا لعبد الرحيم جابر "من أين لكم فلسطين أنتم لا تعرفون تاريخ هذه الأرض المقدسة.. أنا أعرفكم على تاريخ هذه الأرض، إن بني إسرائيل هم أصحاب الأرض الشرعيين ونحن أبناء اسحق ابن إبراهيم وإبراهيم يهودي وقد تزوج من سارة التي هي أم اسحق، وهذا اسحق الابن الشرعي لإبراهيم لأنه تزوجها زواج شرعي".
اقرأ/ي أيضًا: حنا ميخائيل.. تاريخ لا يمضي
وأضافت: "أنتم العرب أبناء اسماعيل وهو ابن لإبراهيم لكنه ابن زنى ولم يكن شرعيًا، وأن أمه هاجر كانت عشيقة لإبراهيم قبل زواجه، لذا ليس لكم حق شرعي ولا إرث في هذه الأرض".
فما كان من عبد الرحيم جابر إلاَّ أن رد عليها بصوت مرتفع "لا أعرف إبراهيم ولا اسحق ولا يهمني ما تقولينه من تلفيق، وأنا أفهم شيء واحد من التاريخ، أنا عمري ثلاثين عامًا، مولود بالقدس، ووالدي عمره ستين عامًا ومولود في الخليل، وجدي عمرة مائة عام ومولود كذلك في الخليل، ووالد جدي توفي من ثمانين عامًا وكان عمره مائة عام، وقد أصل معك الى ثلاثمائة عام من أعمار أجدادي في هذه الأرض وهم جميعًا مدفونون في مقابر بفلسطين، وما قبلهم من الأجداد ما يعادل المئات من السنيين، ونحن موجودون على هذه الأرض، أما أنتم كلكم وأنتِ تحديدًا قادمون من خارج فلسطين من بريطانيا وفرنسا وروسيا وبولندا، وحتى من الدول العربية، فكيف يكون لكم الحق في هذه الأرض وقد قمتم بتشريد أصحابها وطردهم منها".
بعد ستة أشهر من التحقيق والانتقال بين معتقلات عسقلان والخليل والرملة العسكري، حكمت المحكمة العسكرية الإسرائيلية على عبد الرحيم جابر بالسجن المؤبد تسعة مرات، بالإضافة لـ 54 سنة بتهم مقاومة الاحتلال وشن عمليات عسكرية ضده.
تجربة السجن كانت مرحلة جديدة من النضال، ظروف الأسرى القاسية بسبب ما يتعرضون له من تنكيل بشكل يومي، بالإضافة لنوعية الطعام السيئة التي تقدم لهم، ولم يكن حال الزيارات أفضل، شارك جابر بالنقاشات حول وضع الحركة الأسيرة في محاولة لخلق آلية مع كل التنظيمات الفلسطينية لإيجاد أرضية مشتركة لمقاومة العدو الذي أراد أن يفرض سيطرته على المعتقلين، وكان الإضراب عن الطعام هو سلاحهم لتحقيق مطالبهم المتمثلة بوقف الإجراءات التعسفية في المعتقلات، لكن في الكثير من المرات كانت إدارة السجون تتنصل من وعودها.
تدرج عبد الرحيم جابر في العمل التنظيمي حتى أصبح أحد قادة الحركة الأسيرة عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
طيلة سنوات الاعتقال تدرج عبد الرحيم جابر في العمل التنظيمي حتى أصبح أحد قادة الحركة الأسيرة عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
اقرأ/ي أيضًا: التطبيع العربي.. وقائع فشل فلسطيني
في آذار/مارس عام 1979، جرت عملية تبادل للأسرى بين الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة وإسرائيل، أطلق عليها اسم النورس، بوساطة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، تم بموجبها الإفراج عن 76 معتقلًا فلسطينيًا ممن كانوا في سجون الاحتلال من كافة فصائل الثورة الفلسطينية مقابل إطلاق سراح جندي إسرائيلي، الذي كانت قد أسرته الجبهة قبل عام في عملية الليطاني، وكان عبد الرحيم جابر من بين أوائل الأسماء التي تمت المطالبة بها، وأطلق سراحه بعد أن قضى 12 عامًا في سجون، الاحتلال لكن اشترطت إسرائيل أن يتم إبعاده من الأراضي المحتلة.
بعد الإفراج عنه لم يمض وقت طويل حتى التحق عبد الرحيم جابر مجددًا بالعمل العسكري بجهاز الأرض المحتلة في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وخلال عام واحد بعد دورات عسكرية في دول المنظومة الاشتراكية تقلد عدة مسؤوليات في القوات المشتركة.
في عام 1982، غزت إسرائيل لبنان وصولًا إلى بيروت، كانت تقديرات العدو أن الحرب ستنتهي في 48 ساعة وتحقق جميع أهدافها العسكرية، لكن الوقائع على الأرض كانت بعكس تلك التقديرات، في تلك المرحلة كان عبد الرحيم جابر نائبًا لقائد قوات الجبهة الشعبية في البقاع، ومقر قيادته بالعرقوب بمحاذاة حدود فلسطين المحتلة، وشارك في صد الهجومات على مواقعه إلا أن حجم النيران وكثافتها أدت إلى انسحابه مع عناصره إلى مداخل بيروت المحاصرة، حيث كلف من القيادة المشتركة التي كان فيها ممثلًا عن الجبهة الشعبية باستلام محور الرملة البيضاء، بقرار من الشهيد سعد صايل، قائد غرفة عمليات المقاومة في بيروت.
يتحدث جابر عن معارك الصمود في بيروت في ذلك المحور" "استمر القتال كما هو حتى حلت ساعات المساء لتغير علينا طائرات العدو بشكل عنيف جدًا، رغم ذلك لم ننثن عن المقاومة واستمرينا في المقاومة. حققنا العديد من الانتصارات الصغيرة، ودافعنا بشراسة حتى يوم 9 تموز/يوليو، كان يوم اثنين، وكان صباحًا هادئًا على غير المعتاد، كان مستوى الاستنفار قد ارتفع إلى المستوى الأعلى حيث عملنا بمثابرة طوال الوقت فقمنا بوضع الخطط العسكرية والتجهيزات للمقاومة كان شعار كل من في الموقع "لن تمر الدبابات إلا على أجسادنا". حوّلنا المعركة إلى حرب عصابات. دمّرنا خلالها العديد من الدبابات وأوقعنا العديد من القتلى، وخلال القتال تقدمت الدبابات من جهة جانبية للموقع لنخرج ونواجهها ونترك الموقع
في آذار/مارس عام 1979، جرت عملية تبادل للأسرى بين الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة وإسرائيل، أطلق عليها اسم النورس
وخلال ذلك الوقت ارتقى ستة من الشهداء، وعند عودتنا للموقع تعرضنا لقصف عنيف من البوارج الحربية الإسرائيلية مما أجبرنا على التراجع. لم يتركوا شبرًا من الأرض إلا وقد تلقى قذيفة، لنتراجع إلى بيروت ونخوض الحصار فيها".
اقرأ/ي أيضًا: تبغ وزيتون: حكايات وصور من زمن مقاوم
بعد تسعين يومًا من المعارك الطاحنة والعالم يتفرج، ولم يقدم أحد يد العون للفلسطينيين عدا التنديد في وسائل الإعلام، وافقت منظمة التحرير وفصائل المقاومة الفلسطينية على الخروج من لبنان، وتوزّعت القوات بين الدول العربية، وتقرر أن يرافق عبد الرحيم جابر قوات الجبهة الشعبية إلى دمشق، وبعد سنة من الإقامة هناك قرر الانتقال إلى تونس بعد خلاف مع قيادة الجبهة الشعبية، لم يتم تجاوز عقبة الخلافات فأعلن برفقة عدد من الكوادر خلال انعقاد المجلس الوطني في عمان عام 1984 فك الارتباط بين منظمة أبطال العودة والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأصبحت فصيلًا مستقلًا منضويًا تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، وبعد سنة من العمل التنظيمي المستقل تقرر القيام بوحدة اندماجية مع جبهة التحرير الفلسطينية، وتقلد عبد الرحيم جابر مناصب قيادية بالجبهة وانتقل إلى العراق.
في شهر نيسان/أبريل 1995، تم الإعلان عن عقد المجلس الوطني في غزة وتقررت عودة عبد الرحيم جابر إلى أرض الوطن، بعد غياب دام 15 سنة، بصفته عضوًا في المجلس الوطني، وتقلد مسؤوليات أمنية بالسلطة الفلسطينية التي أفرزها اتفاق أوسلو، حيث تم تعينه مسؤولًا للدائرة الأمنية بقوة 17 في منطقة القدس.
في 16 كانون الثاني/ يناير 2021، توقفت المسيرة نحو فلسطين لتطوى صفحة من صفحات العمل المقاوم المبكر الذي سبق انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة، وحدها الندوب والجراح من تركت أثرها في كل أنحاء جسده الشاهد على مقاومة دامت ستين عامًا.
اقرأ/ي أيضًا: