لم يتبق من دور السينما في مدينة عدن، جنوب اليمن، سوى أطلال تشهد أن في يوم من الأيام هناك في مديريات "خور مكسر" و"البريقة" و"كريتر" و"الشيخ عثمان" و"المنصورة"، كانت عشر مبانٍ للسينما تعطي السكان الأمل وأجواءً من الرفاه والاستجمام، والتي من خلالها يتفاعلون مع العالم. ففي الثلاثينيات من القرن الماضي، برز الفن السابع في مدينة عدن من "سينما هريكن"، والتي كانت تحاكي السينما العربية والهندية بفاعلية كبيرة ما جعلها تنافس السينما العالمية آنذاك.
في الثلاثينيات من القرن الماضي، برز الفن السابع في مدينة عدن من "سينما هريكن"
لم يتبق من "سينما هريكن" العتيقة سوى المدرجات التي تغطيها طبقة سميكة من الغبار وأولئك الكبار في السن الذين يتغنون بها وينشدون عودة ماضيها، الذي لطالما "جعل حياتهم في قالب فني"، بحسب تصريح الستيني محسن علي لـ"الترا صوت". "هريكن"، في الحاضر، أصبحت مهددة باستثمارات لا تصب في صالح الفن كتحويلها إلى قاعة أفراح. في هذا السياق، ناشد مدير معهد جميل غانم للفنون في مدينة عدن، الأستاذ سهل بن اسحاق، الحكومة لشراء دار سينما "هيركن" الأهلية نظرًا لمكانتها التاريخية وإعادة ترميمها وفتحها كمركز للفنون والثقافة بدل بيعها وتحولها إلى قاعة أفراح مثلًا".
اقرأ/ي أيضًا: اليمن.. محميات عدن الطبيعية مهددة!
وعن معاناة فن السينما في مدينة عدن، يقول مدير معهد جميل غانم للفنون في عدن: "كانت المؤسسة العامة للسينما في عدن مؤسسة متكاملة فيها إدارة للإنتاج وأخرى للإخراج والتسويق والمبيعات، وكانت تقوم بإنتاج عدد كبير من الأفلام السينمائية والتسجيلية لكن للأسف بدأ التدمير منذ العام 1990، حيث نقلت كل ممتلكات المؤسسة العامة للسينما إلى خارج عدن وبعد الوحدة اليمنية تم كبح وتدمير دور السينما تحت مبررات إعادة الأملاك وعدم وجود ميزانية لهذا الفن".
"وفي عام 1994، ومع استبشار الكثيرين بالوحدة اليمنية بين الجنوب والشمال، توقعوا أيضًا أن تلعب الوحدة دورًا في توحيد القوى اليمنية ما سينعكس إيجابًا على تطور الحركة السينمائية إلا أنه تم القضاء على السينما بشكل ممنهج تخوفًا من دورها في تغيير بعض سياسات الدولة"، يقول محمد باهيصمي، مدير منتدى باهيصمي للفنون في مدينة عدن. ويضيف: "بعد الوحدة اليمنية، ظهرت الفتاوى الدينية التحريضية على إغلاق السينما ومقاطعتها بحكم أنها طقس محرم لا يجوز ممارسته أو حضوره، ما أدى إلى توقف الكثير من العائلات عن تمضية بعض الوقت في دور السينما".
بعد الوحدة اليمنية، ظهرت الفتاوى الدينية التحريضية على إغلاق السينما ومقاطعتها بحكم أنها طقس محرم لا يجوز ممارسته أو حضوره
اقرأ/ي أيضًا: "البالون".. ديكور لحفلات اليمن
في هذا السياق، علّق الأستاذ سهل بن اسحاق: "تم نقل أرشيف المسرح كاملاً، والذي يحمل في طياته أفلامًا تسجيلية عن دولة الجنوب الديمقراطية وتاريخ جنوب اليمن المشرق وثقافته، وهو الآن مرمي في شارع 26 سبتمبر، لا يستفاد منه رغم قيمته، كما أن المؤسسة العامة للسينما والمسرح التي أنشأت في صنعاء لا تهتم إلا بتوزيع المناصب الإدارية ولا فاعلية لها".
بعض المواطنين في عدن أكدوا لـ"الترا صوت" أن "لا سينما دون استتباب الأمن والأمان في المدينة"، ويوضح المواطن رياض علي أن "قلقه من الإنفجارات المفاجئة والتي تستهدف التجمعات والاغتيالات والاشتباكات المتقطعة حال بينه وبين الذهاب للأسواق والمحلات التجارية الكبرى فضلًا عن انقطاعه منذ زمن عن متابعة مستجدات السينما والأفلام"، يقول في حسرة: "الحرب شُغلنا الشاغل".
ونظرًا لغياب أي منشأة ثقافية في مدينة عدن، كان مشروع المجمع الثقافي محط آمال الكثيرين أملًا أن يعيد الروح الفنية الغائبة منذ عقود، حيث تم التخطيط والإعداد ليحتوي هذا المجمع على قاعتين للمسرح، وثلاث صالات للفنون التشكيلية، إضافة إلى مسرح مفتوح وقاعات محاضرات ومبنى إداري مستقل للفنون والآداب. لكن مدير الدائرة القانونية في مدينة عدن، محمد عبد الواحد، أكد لـ"الترا صوت" أن "15 ألف متر مربع، إجمالي المساحة المخصصة لمشروع المجمع الثقافي، تم السطو عليها من قبل مسلحين مجهولين وتم تقسيمها إلى مجاميع، واستمرار عملية بيع أجزاء منها بصكوك تمليك للمواطنين وسط غياب تام للسلطات الأمنية".
القرارت السياسية التي عملت على إقصاء وتهميش "فرقة الأكروبات الوطنية" للسرك اليمني، والتي كانت تقدم عروضًا منوعة في عدد من الدول ونالت الإحترام والتكريم، إهمال بيت الفن والثقافة في مدينة عدن ومعهد جميل غانم للفنون وقطع الدعم عنهما وعدم توفير ميزانية مالية مستقلة لهما، فضلاً عن التهديدات التي تلاحقهم من قبل الجماعات الإرهابية، كما الحال بالنسبة لدور السينما التي تم إغلاقها بالكامل في المدينة، كل هذا يمثل حاجزًا أمام الفنانين والمثقفين المبدعين من الشباب الناشئين الذين بدأت أعدادهم في النقصان وبشكل ملحوظ كل عام.
اقرأ/ي أيضًا: