قال المفكر العربي عزمي بشارة، في مقابلة أجراها معه "التلفزيون العربي" مساء أمس الأحد، إن معظم العوامل التي أسهمت في فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية 2024، لا تختلف كثيرًا عن عام 2016 – 2020.
وأوضح بشارة أن هذا الفوز لم يكن مدفوعًا بالعامل الاقتصادي كما راج في معظم التحليلات، مشيرًا إلى أن أداء إدارة جو بايدن، وبخلاف ما ذهب إليه بعض المحللين، كانت أفضل بكثير من إدارة ترامب على مستوى تراجع البطالة وارتفاع النمو.
ورأى أن ما ساهم في انتصاره هو استخدامه، مرةً أخرى، الخطاب الشعبوي الذي يركز على قضايا الهوية ويستهدف الجزء المحافظ من المجتمع الأميركي، أي الغالبية البيضاء التي ترى أن انتخاب رئيس أسود، أو امرأة، ومؤخرًا امرأة سوداء، تهديدًا لهوية وطنهم.
جزم بشارة بأن الصوت العربي لم يكن حاسمًا في الانتخابات، وبالتالي لا يمكن تحميل العرب مسؤولية فوز ترامب
وأشار إلى عوامل أخرى تتعلق بصعود الخطاب الليبرالي المتطرف الذي يتجاهل مشاعر الأغلبية فيما يتعلق بقيم العائلة الأميركية ونمط الحياة السائد، إضافةً إلى استنفار معسكر اليمين في مقابل حالة التراخي وتراجع الحماس في معسكر الديمقراطيين.
واعتبر أن القضايا التي كان من المفترض أن تبقى هامشية، مثل المثلية الجنسية والمتحولين جنسيًا، أصبحت محورًا للدعايات الأكثر تأثيرًا على الجمهور الأميركي. كما لفت إلى أن قضايا الهوية لعبت دورًا حاسمًا في هذا السياق، إذ إن سبب رفض الكثيرين التصويت لهاريس مرتبط بكونها امرأة وسوداء أيضًا. فبينما اختار أغلبية المصوتين من غير البيض، بما في ذلك الرجال، التصويت لهاريس؛ اختار غالبية البيض التصويت لترامب.
العوامل المتعلقة بالهوية مسألة مهمة إذن في التأثير على السلوك السياسي للمواطنين الأميركيين، إضافةً إلى مخاطبة مخاوفهم وغرائزهم، وهذا ما يتقنه دونالد ترامب بشكل كبير، والمثال الأبرز هنا مسألة قيم العائلة الأميركية والخوف من الظواهر الجديدة. ولذلك، فإن ما يدفع الكثير من المحافظين إلى تأييد ترامب، كما أوضح بشارة، هو رغبتهم في استعادة أميركا كما عرفوها، وهو المعنى الذي يجسده الشعار الذي اعتمده ترامب "أن نجعل أميركا عظيمة من جديد".
وفيما وصف ترامب بأنه انتهازي ورجل أعمال متعطش للسلطة، لفت إلى أنه والتيار المحيط به قد يستغلون ولايته الرئاسية لإحداث تحولات بنيوية عميقة على مستوى التعليم والثقافة، مما يجعل ولايته مرحلة خطرة في تقديره، خاصةً أنه لم يبق لمعارضيه سوى الشارع بعد أن أُغلقت جميع المؤسسات أمامهم. وإذا لم يفعلوا ذلك، فستكون فترة صعبة تمضي.
وجزم بشارة بأن الصوت العربي لم يكن حاسمًا في الانتخابات، وبالتالي لا يمكن تحميل العرب مسؤولية فوز ترامب، حيث إن الفارق بينه وبين هاريس لم تحدده ولاية ميشيغان التي وإن صوتت بالكامل لصالح هاريس، لما تمكنت من الفوز في الانتخابات. وخلص إلى أن العرب لم يكونوا مؤثرين في هذه الانتخابات سواء لصالح ترامب أو هاريس.
ترامب والشرق الأوسط.. أي تداعيات؟
أكد بشارة أن ترامب هو صاحب القرار في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وأن لديه أجندة واضحة يريد تنفيذها وتتمثل في شعار "أميركا أولًا" التي تعتمد على منطق الصفقات التجارية والربح. واستغرب المفكر العربي من الآراء التي تقول إن ترامب سيكون في ولايته الثانية أعقل وأكثر اعتدالًا، حيث أشار إلى أنه نفّذ في ولايته الأولى أجندات لم يكن أحد يتوقع أنها ستتحقق، رغم أنه لم يكن يتمتع بالقوة التي يمتلكها اليوم. وبالتالي، سيكون أكثر قدرةً على تنفيذ أجنداته مقارنةً بولايته الأولى.
أما بالنسبة إلى تداعيات فوز ترامب على القضية الفلسطينية، وفي ظل تعيينه شخصيات مؤيدة بصورة مطلقة لإسرائيل، شدد بشارة على أنه "نتحضر للأسوأ"، مذكّرًا بأن فترة ترامب الأولى شهدت تغييرات نوعية لناحية تهميش القضية الفلسطينية، وعقد اتفاقيات تطبيع تتجاهل مصالح الفلسطينيين. وأعرب عن اعتقاده بأن ترامب سيقوم في ولايته الثانية بما هو أكثر من إغلاق مكتب "منظمة التحرير الفلسطينية"، ونقل السفارة إلى القدس، وضم الجولان.
وأشار صاحب كتاب "قضية فلسطين: أسئلة الحقيقة والعدالة" إلى أن تعيينات ترامب تعكس اهتمامه الكبير بإسرائيل، خاصةً تعيين السفير الأميركي إلى إسرائيل، مايك هاكابي، الذي لا يرفض فقط الاعتراف بوجود فلسطين، بل وحتى وجود ضفة غربية أو مستوطنات، ما يعد إجابة على سؤال: أين يتجه ترامب في العلاقة مع إسرائيل؟
وفي هذا السياق، رأى أن ضم الكتل الاستيطانية إلى إسرائيل خطر وارد يجب التحضر له، ذلك أن ترامب قد يعترف بهذه الخطوات إذا أقدمت عليها إسرائيل بعد الحرب على غزة.
أكد بشارة أن وقف الحرب على غزة دون إعادة إعمار، سيعني تهجيرًا حقيقيًا لأهالي القطاع
وفيما يتعلق نهاية الحرب على غزة، قال بشارة إنها تقترب لا بسبب الانتخابات الأميركية، وإنما لأنه لم يبقَ شيء في غزة أصلًا، وأن استمرار إسرائيل في الحرب مرتبط بعدم توفر البديل السياسي الذي تريده ويكون شريكًا لتصوراتها التي تسعى إلى تفكيك القضية الفلسطينية. وأشار إلى أن الأمر نفسه ينطبق على لبنان، حيث إن استمرار الحرب يعود إلى رفض شروط إسرائيل. كما أكد أن وقف الحرب على غزة دون إعادة إعمار، يعني تهجيرًا حقيقيًا لأهالي القطاع.
وشدد بشارة على ضرورة وجود حاضنة عربية للمطالب الملحة المتعلقة بغزة وفلسطين عمومًا، سيما بعد المآسي التي شهدتها غزة. وأكد على أهمية وجود مجموعة ضاغطة حقيقية عربية قادرة على وضع مصالحها على الطاولة، بما في ذلك قضية فلسطين، خاصةً في ظل التوجه الإيراني الجديد بعد صعود الإصلاحيين، والضربات التي تلقوها.
وقال إن مصلحة الدول العربية تكمن في التكتل للضغط على إدارة ترامب لإيجاد حل عادل لقضية فلسطين، مؤكدًا أنه في حال طبّق الرئيس الأميركي الجديد تصوراته بشأن غزة والضفة، فإن مصر والأردن سيكونان من أهم المتضررين لناحية عدم الاستقرار فيهما.
واختُتِم اللقاء مع المفكر العربي بتأكيده على أن عملية رسم "الشرق الأوسط الجديد" قائمة ومستمرة منذ اتفاقات كامب ديفيد ثم اتفاقية أوسلو، وأن مقاومتها كذلك جارية لكن ليس بالقدر الكافي.