أجرى "التلفزيون العربي" بمدينة لوسيل في قطر مساء أمس، الأحد، مقابلة مع المفكّر العربي عزمي بشارة تحدّث خلالها عن الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، وتداعيات عملية "طوفان الأقصى" على الواقع السياسي في "إسرائيل"، والسيناريوهات المحتملة للمرحلة المقبلة في ظل استعداد جيش الاحتلال لاجتياح القطاع بريًا، وفي الوقت الذي تتصاعد فيه حدة الاشتباكات بين "إسرائيل" و"حزب الله" على الجبهة الشمالية، ناهيك عن المواقف العربية والإقليمية والدولية مما يجري في غزة، وتأثير ذلك على مسار التطبيع العربي مع "إسرائيل".
استهل المفكّر العربي حديثه بقراءة الواقع في إسرائيل بعد عملية "طوفان الأقصى"، التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، حيث رأى أنها أوجدت حالة من الحيرة والارتباك لدى الساسة الإسرائيليين، وأحدثت لديهم جرحًا نرجسيًا هائلًا، سيما أنهم يعتبرونها "نوعًا من الإذلال"، وهو ما دفعهم لاستخدام لغة تعبوية لاستعادة المعنويات بعد حالة فقدان التوازن التي أحدثتها العملية.
يرى بشارة أن عملية "طوفان الأقصى" قد أوجدت حالة من الحيرة والارتباك لدى الساسة الإسرائيليين، وأحدثت لديهم جرحًا نرجسيًا هائلًا
وأشار صاحب "في المسألة العربية" إلى أن الصدمة التي أحدثتها عملية "طوفان الأقصى" لدى الساسة الإسرائيليين، قد ولّدت لديهم سلسلة من ردود الأفعال الغاضبة التي تتمحور حول الانتقام ومحاولة استعادة الهيبة، إضافةً إلى بناء تصور جديد لما بعد هذه المرحلة خصوصًا على الصعيد الأمني، إذ أوضح بشارة أن الإسرائيليين يجمعون على ضرورة إنشاء وضع جديد ما بعد العملية، وهذا يتطلب حسب تقديرهم توجيه ضربة عسكرية قوية للمقاومة الفلسطينية في غزة.
وأكد المفكّر العربي أن تفكير قادة الاحتلال بما سبق وجديتهم في تنفيذه لا يعني بالضرورة أنهم سينجحون في تحقيقه، وذلك لعدة أسباب منها أن المقاومة في قطاع غزة لا تزال مستمرة، وأنهم يجهلون حجم المقاومة التي سيواجهونها عند اجتياحهم للقطاع وما يمكن أن يفعله "حزب الله" في الجبهة الشمالية، وذلك بالإضافة إلى الحراك الشعبي العربي والعالمي تضامنًا مع غزة، والضغط الشعبي الإسرائيلي بخصوص الأسرى والرهائن.
ولفت بشارة هنا إلى وجود "كم من عدم اليقين" لدى القادة الإسرائيليين إزاء ما سبق، وهو بحسب رأيه سبب ترددهم في اجتياح قطاع غزة. كما لاحظ في هذا السياق تشكّل "إجماع إسرائيلي" غير مسبوق منذ ما قبل حرب عام 1967.
وحول العملية البرية التي تعتزم "إسرائيل" تنفيذها في قطاع غزة، أشار المفكر العربي إلى أن قيادة جيش الاحتلال تضغط على السياسيين من أجل إنهاء موضوع العملية في ظل وجود ضوء أخطر أمريكي "غير مسبوق" من أجل إنهاء "حركة حماس" وذلك تحت شعار الدفاع عن النفس.
وأكد في هذا السياق أن الإسرائيليين غير مهتمين بحياة الأسرى، وأنهم لا يعتبرونه أولوية وإن ادعوا عكس ذلك. كما أشار هنا إلى أن استمرار قصف "إسرائيل" لقطاع غزة، وتزايد احتمالية ارتكاب جرائم حرب جديدة، قد يؤثر على الرأي العام العالمي، وبالتالي على العملية البرية خاصةً في ظل تصاعد حدة الاشتباكات على الجبهة الشمالية، وتزايد احتمال وصولها إلى حالة حرب.
واعتبر بشارة أن الطابع الرئيسي للنضال في الضفة الغربية هو "مدني"، مشيرًا إلى أن عدد الشهداء الذين ارتقوا في الضفة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الجاري يُعتبر صادمًا بكل المقاييس. كما أكد بأن ما يحصل بالضفة يرقى لمستوى الانتفاضة، وأنه نضال حقيقي بطولي بكل معنى الكلمة.
ورأى مدير عام "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" أن "إسرائيل"، وعلى عكس ما تحاول البروباغندا الأجنبية تصويره، تقوم باستهداف المدنيين، وهو ما أثبتته مجزرة المستشفى المعمداني في غزة، وكذلك إطلاق النار على المتظاهرين بالضفة. وأكد بأن كل ما يجري في غزة يجب أن يكون خطًا أحمر وليس التهجير فقط، لافتًا إلى الدول العربية قادرة على التأثير في حال اتخاذ حكّامها خطوات جدية ومشتركة ضد "إسرائيل".
وفي سياق حديثه عن الواقع السياسي في "إسرائيل" ما بعد "طوفان الأقصى"، أكد بشارة أن العمر السياسي لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو قد انتهى بصرف النظر عما إذا كان سيجري التحقيق عن مسؤوليته عما جرى، لافتًا إلى أن مهاجمته ومطالبته بالاستقالة فيما لا تزال الحرب مستمرة هو أمر غير مسبوق.
أكد بشارة أن الدول العربية قادرة على التأثير وتغيير الحسابات الإسرائيلية في حال اتخاذ حكّامها خطوات جدية ومشتركة ضد "إسرائيل"
وتساءل المفكر العربي في سياق حديثه عن الموقف العربي الرسمي من العدوان على غزة، عما إذا كان ما تقوم به "إسرائيل" وما ارتكبته من مجازر في قطاع غزة "خطًا أخضر" طالما أن التهجير وحده ما اعتُبر "خطًا أحمر". وأبدى كذلك استغرابه من عدم مطالبة الحكومات العربية، باستثناءات قليلة جدًا، بوقف إطلاق النار. وذلك في الوقت الذي يُشدَّد فيه على مسألة عدم توسيع مساحة الصراع، أي عدم مشاركة إيران وحزب الله في الحرب، وهو للمفارقة وكما يقول المفكر العربي مطلب أمريكي.
وأوضح أن التحول في موقف القيادات العربية جاء بعد تحرك الشعوب ومذبحة المستشفى المعمداني، لافتًا إلى أن الغاية منه احتواء الشارع. وجدد هنا القول إن القادة العرب قادرين على تغيير الحسابات الإسرائيلية إذا اتخذوا مواقف مشتركة وجدية تبدأ بإغلاق السفارات.
وحول "قمة القاهرة للسلام"، رأى بشارة أن عدم صدور بيان ختامي هو مؤشر جيد كونه يعني عدم خضوع الدول العربية لشروط الدول الغربية، التي تتمحور حول إدانة "حركة حماس" دون إدانة الاحتلال، وبالتالي إعطاء "إسرائيل" حقًا غير مشروط في "الدفاع عن النفس". كما حذّر صاحب ثلاثية "الدين والعلمانية في سياق تاريخي" من خطورة أن تفهم "إسرائيل" إصرار الدول العربية على رفض التهجير، بينما تتواصل المذبحة في غزة، على أن كل ما عدا ذلك هو مسموح.
أما بشأن الموقف الإيراني مما يحدث في غزة، فقد أشار المفكر العربي إلى أن الصراع بين إيران وإسرائيل حقيقي تحركه عوامل عدة منها خشية إسرائيل من السلاح النووي الإيراني. وشدد في هذا السياق على أن دعم إيران لحركات المقاومة، وهو أحد وسائلها لمواجهة إسرائيل، لا يعني أن هذه الحركات هي مجرد أذرع لإيران، كما لا يعني أن ما قامت به "حماس" قد جرى بتخطيط إيراني.
ولفت إلى أن الإيرانيين لا يريدون خسارة غزة كحليف في الصراع مع إسرائيل، وأنهم قد لا يمانعون تدخل "حزب الله" في حال شعورهم بأنهم سيخسرون غزة. وفي المقابل، أكد بشارة أن "إسرائيل" تريد تجنّب المعركة مع "حزب الله" لأنها ستضرها.
ووصف المفكر العربي الموقف التركي من العدوان على غزة بأنه "غير مرضٍ"، وأنه كان من الممكن أن يكون أفضل لناحية الصيغة والنبرة، خاصةً أن مصالح تركيا مع العالم العربي والإسلامي. وقد أشار هنا إلى وجود انزياح واضح من تركيا نحو الغرب بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
وأعاد موقف الرئيس الأمريكي جو بايدن الداعم بالمطلق لإسرائيل إلى عدة عوامل، أهمها اعتبار العلاقة مع "إسرائيل" غير مشروطة تقوم على وجوب الحفاظ على تل أبيب. ورأى أن موقف بايدن صادم ومفاجئ، واستغرب أيضًا تبنيه للرواية الإسرائيلية حول مذبحة المستشفى الأهلي المعمداني، مؤكدًا أنه لا يريد إلا أن يصدق فقط.
وأشار مؤلف "مسألة الدولة" إلى أن ما يجري في غزة من شأنه كسر العلاقة بين العرب والغرب في ظل الغضب العربي من الموقفين الأمريكي والأوروبي، خاصةً بعد انحياز الإعلام الغربي إلى "إسرائيل" وتبني روايتها. وهنا لفت إلى غياب كلمة "ضحايا" في مقاربة الإعلام الغربي للأحداث في قطاع غزة، ناهيك عن إصراره على تجنّب القول إنهم "قُتلوا" والاكتفاء بالحديث عن موتهم فقط، كما لو أن الموت في فلسطين هو "قضاء وقدر".
شدّد بشارة على أن كل ما يجري في قطاع غزة يجب أن يكون خطًا أحمر، وليس التهجير فقط
وتحدّث بشارة كذلك عن تغييب الإعلام الغربي لسياق الأحداث الحقيقي في نقله لما يجري في قطاع غزة، وتجاهله أن عملية "طوفان الأقصى" إنما هي رد فلسطيني على ممارسات "إسرائيل" التي تشمل الاحتلال والحصار والاستيطان. وأكد أن الإعلام الغربي قد تجنّد لدعم إسرائيل، وتعامل مع الشهداء الفلسطينيين على أنهم مجرد أرقام.
ورأى المفكر العربي أنه من الضروري مناقشة الإعلام الغربي ومحاسبته على طبيعة تغطيته لما يحدث في غزة. ولفت في هذا السياق إلى ممارسة الغرب "إرهاب فكري" ضد كل من يتضامن مع الفلسطينيين في قطاع غزة.
وحول ربط ما يحدث في غزة بما جرى في الأيام الـ15 الأخيرة، لفت بشارة إلى أن ذلك مردّه إلى عدم ترسيخ فكرة الاستعمار والمظلومية التاريخية في العلاقات العربية الغربية، مشيرًا إلى غياب أي حوار مبدئي حقيقي مع الغرب حول هذه المسائل، ومشددًا على ضرورة أن التشديد على الظلم الذي لحق بالفلسطينيين منذ نكبة عام 1948 وليس منذ حرب عام 1967.
وفي العودة إلى الضفة الغربية، جدّد بشارة قوله إن ما يحدث هناك هو تضامن بطولي حقيقي مع غزة، وانتفاضة لكن بظروف عام 2023، حيث توجد سلطة وأجهزة أمنية، ناهيك عن أن التظاهر ثمنه القتل. أما بشأن أراضي 1948، فيرى أنه من الصعب التوقع من الناس في هذه المناطق أمورًا أبعد من الاحتجاج والموقف، داعيًا إلى التعامل مع موقفهم بواقعية وإنصاف.
وفيما يخص ملف الأسرى، فقد استبعد بشارة أن تخوض "إسرائيل" مفاوضات حولهم قبل انتهاء العملية العسكرية. كما اعتبر أن المحتجزين المدنيين لدى المقاومة "عبء"، لافتًا إلى أن غالبيتهم لم تحتجزهم المقاومة نظرًا إلى حالة الفوضى التي تزامنت مع عملية "طوفان الأقصى". ومع أنهم "عبء سياسي وأخلاقي"، لكن إطلاق سراحهم وفق بشارة غير ممكن من دون وقف إطلاق النار لفترات طويلة.
وأكد في هذا السياق أنه على المقاومة في غزة أن تحضّر نفسها لأسوأ السيناريوهات، بما في ذلك الاقتحامات البرية والاجتياحات وعمليات الإنزال، لا سيما أن هدف "إسرائيل" من عمليتها هذه هو القضاء على "حركة حماس".
وتطرق مدير عام "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في حديثه إلى التطبيع العربي مع إسرائيل، حيث رأى أنه يقوم على فكرة عدم وجود قضية فلسطينية، وأن كل ما هو مطلوب تحسين شروط حياة الفلسطينيين دون الالتفات إلى حقيقة الاحتلال المفروض على أراضيهم. ولفت هنا إلى أن ما يحدث في غزة كرّس وجود شعب حقيقي على أرضه يعاني من الاحتلال، وبالتالي نسف فكرة تهميش القضية الفلسطينية.
واعتبر أن المشكلة في مسارات التطبيع هو خضوع العرب في للشروط الإسرائيلية بعد رفض تل أبيب مبادرات السلام التي قدموها الأمر الذي يكرّس منطق القوة الإسرائيلي. وهنا حذّر من أنه كلما اتجه العرب نحو التطبيع، كلما أصبحت "إسرائيل" أكثر تطرفًا.
وأوضح بشارة أن من يطبّعون من "إسرائيل" إنما يفعلون ذلك لإنشاء تحالف إقليمي في وجه إيران على اعتبار أن "إسرائيل" الحليف الأفضل لسد الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة الأمريكية. كما أكد أن هذا التحالف هو على حساب القضية الفلسطينية، وأن الأخيرة هي ضحيته، لكنها في الوقت نفسه دائمًا ما تُفشله.
وشدد المفكر العربي على أهمية الحراك الشعبي العربي في سياق ما يحدث في قطاع غزة، واعتبر أنه من أهم آليات الحماية للشعب الفلسطيني في غزة هو استمرار هذا الحراك وتصاعده.