بعد مرور خمسة أيام على عملية "طوفان الأقصى" التي قامت بها حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، واستهدفت المواقع العسكرية والمستوطنات الإسرائيلية في محيط قطاع غزة، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ورئيس حزب "المعسكر الوطني"، بيني غانتس، الذي تشمل قائمته البرلمانية 14 عضوًا، عن اتفاقهما على تشكيل حكومة "طوارئ وطنية". وبموجب هذا الاتفاق، انضم خمسة من أعضاء المعسكر الوطني إلى الحكومة، من دون الحصول على حقائب وزارية، ليصبح عدد أعضائها 38 وزيرًا، وهي بذلك تُعد أكبر حكومة في تاريخ إسرائيل. وأقرّ الكنيست في اليوم التالي هذا الاتفاق الذي انضم بموجبه جميع وزراء المعسكر الوطني، أحدهم بصفة مراقب، إلى الكابينت السياسي الأمني، ليصبح عدد أعضائه 15 عضوًا. وستواصل حكومة الطوارئ القيام بمهماتها حتى الإعلان عن نهاية الحرب التي قد تستمر شهورًا.
تشكيل "كابينت حرب"
تشكّل بموجب الاتفاق أيضًا "كابينت الحرب" ليضم نتنياهو وغانتس، ووزير الأمن يوآف غالانت، إضافةً إلى عضوين مراقبين، هما: غادي آيزنكوت، عن المعسكر الوطني، ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر عن حزب الليكود، وكان قد شغل سابقًا منصب السفير الإسرائيلي في واشنطن (2013-2021)، ومهمته الرئيسة، كما يبدو، هي تنسيق المواقف مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن. وفضلًا عن اشتراط غانتس انضمامه إلى الحكومة بتشكيل مجلس حرب مصغّر، يجري من خلاله استبعاد كلٍّ من وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، ووزير المالية، بيساليل سموتريتش، فإن أسباب تشكيل هذا المجلس لقيادة الحرب تعود إلى رغبة نتنياهو - الذي يجري اتهامه على نطاق واسع في إسرائيل بالمسؤولية عن الفشل والتقصير في منع عملية "طوفان الأقصى"، أو التصدي لها - في منح غانتس وآيزنكوت، وكلاهما شغل سابقًا منصب رئيس أركان الجيش، دورًا كبيرًا في عملية اتخاذ قرارات الحرب، واستعادة ثقة الإسرائيليين المفقودة بالحكومة وبالمؤسسة العسكرية أيضًا. كما أن تشكيل "مجلس حرب" مصغر يسهّل عملية اتخاذ القرار؛ نظرًا إلى أن عدد الذين يشاركون في اجتماعات الكابينت السياسي الأمني يراوح عادةً ما بين 35 و40 شخصًا يضمون، إضافة إلى أعضائه الوزراء، رئيس أركان الجيش، وقادة الأجهزة الأمنية، ورئيس هيئة الأمن القومي، والسكرتير العسكري لرئيس الحكومة، وقادة الجبهات، وقادة عسكريين آخرين. ويُلاحظ في هذا السياق أن عضوية الكابينت السياسي الأمني تتأثر بالاعتبارات الحزبية، وأنه لا توجد لأغلبية أعضائه خلفية عسكرية أو خلفية سياسية، وكلتاهما لازمة في اتخاذ القرارات التي تخص الحرب والأمن القومي.
تعود أسباب تشكيل مجلس حرب مصغر إلى رغبة نتنياهو في استعادة ثقة الإسرائيليين المفقودة بالحكومة وبالمؤسسة العسكرية
ويَعقد كابينت الحرب، وفقًا للاتفاق بين نتنياهو وغانتس، اجتماعًا واحدًا على الأقل كل 48 ساعة، وهو الذي يحدد أهداف الحرب على غزة، ويتخذ مختلف القرارات المتعلقة بها. وبعد ذلك، يعرض قراراته على الكابينت السياسي الأمني من أجل مناقشتها وإقرارها. وكانت الحكومة الإسرائيلية قد منحت صلاحياتها للكابينت السياسي الأمني فيما يخص القرارات بشأن الحرب بعد اتضاح حجم العملية العسكرية لطوفان الأقصى التي نفذتها حماس. ونظرًا إلى تركيبته، تتمتع المؤسسة العسكرية بالنفوذ الأكبر؛ إذ يشمل كابينت الحرب غالانت، وهو جنرال سابق يُعرف بمواقفه المتطرفة، وقد شغل منصب قائد الجبهة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي، وقاد الحرب على غزة في الفترة 27 كانون الأول/ ديسمبر 2008 - 18 كانون الثاني/ يناير 2009. ويشمل أيضًا غانتس الذي شغل منصب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي في الفترة 2011-2015، وقاد حربين على غزة؛ إحداهما في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، وقد استمرت أسبوعًا كاملًا، والأخرى في تموز/ يوليو – آب/ أغسطس 2014، وقد استمرت 53 يومًا. ويشمل كذلك آيزنكوت الذي ترأس أركان الجيش الإسرائيلي في الفترة 2015-2019.
وفي محاولة منه لتحسين أداء القوات البرية، أنشأ آيزنكوت لواء الكوماندو (أو اللواء 89)، الذي يضمّ ثلاث وحدات من القوات الخاصة، هي: وحدة إيجوز (الجوز)، ووحدة دوفدفان (الكرز)، ووحدة ماجلان. ويشارك في اجتماعات كابينت إدارة الحرب أيضًا رئيس أركان الجيش الحالي هرتسي هليفي، الذي تولى المنصب، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، بتوصية من غانتس عندما شغل هذا الأخير منصب وزير الأمن في حكومة يائير لبيد. وقد شغل هليفي، في الفترة 2014-2018، منصب رئيس الاستخبارات العسكرية (أمان)، وطوّر أثناء تلك الفترة التعاون والتنسيق بين أجهزة المخابرات الثلاثة الأساسية؛ الاستخبارات العسكرية، والشاباك، والموساد. وهو يمتلك تجربة في سلاح المظلات، والعمليات الخاصة.
الحرب البرية وهاجس الخسائر في الجيش
في 14 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أقرّ كابينت الحرب الذي شكّله نتنياهو شَنّ هجوم برّي على قطاع غزة، بيد أنه لم يحدد موعدًا لذلك، ولم يحدد أيضًا الهدف الرئيس للهجوم، رغم أنه صرّح أكثر من مرة أنه يسعى للقضاء على حركة حماس، وعلى حُكمها في غزة.
ولعل أهم ما يسيطر على تفكير كابينت الحرب، فيما يخص قرار البدء بالحرب البرية، هو موضوع الخسائر البشرية التي يرجّح أن تلحق بالجيش الإسرائيلي في حربِ مدنٍ تتقنها حركة حماس التي أوقعت حتى الآن - قبل أن تبدأ الحرب البرية - ما يزيد على 290 قتيلًا من المؤسسة العسكرية والأمنية، من بينهم العديد من كبار الضباط وأفراد القوات الخاصة، وفقًا لما أعلنه الجيش الإسرائيلي نفسه. فضلًا عن ذلك، تتحدث تقارير إسرائيلية مختلفة عن عدم جاهزية القوات البرية على نحو كافٍ لإطلاق الحرب البرية. وفي سياق خشية كابينت الحرب من الخسائر الكبيرة التي يرجّح أن تلحق بالجيش الإسرائيلي في أي اجتياح برّي لقطاع غزة، اتخذ مجموعة من القرارات والتوجيهات التي ينبغي القيام بها قبل ذلك، أبرزها ما يلي:
- استنفاد استخدام سلاح الجو وأسلحة المدفعية والدبابات في قصف قطاع غزة، فيما يسمى بسياسة الأرض المحروقة، أو Carpet Bombing وفقًا للمصطلحات العسكرية.
- استعمال سلاح الجو في ارتكاب المجازر ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، وخاصة في شمال مدينة غزة، وفي مدينة غزة نفسها، من أجل إرغام المدنيين الفلسطينيين على إخلائها والنزوح إلى جنوب المدينة، كما طالب بذلك الجيش الإسرائيلي علنًا في الأيام الأخيرة.
- القيام بقصف مركّز غير مسبوق لمدينة غزة وللمنطقة الواقعة في شمالها، قبل الهجوم البري عليها، باستخدام قنابل ثقيلة يبلغ وزنها طنًّا فأكثر، حصل عليها الجيش الإسرائيلي من الولايات المتحدة الأميركية، من أجل تدمير منظومة القيادة والسيطرة للمقاومة الفلسطينية في مدينة غزة، وفي شمالها، وكذلك تدمير شبكة الأنفاق، وقَطْع التواصل والاتصالات فيما بين الوحدات العسكرية للمقاومة.
- تزامنُ الهجوم البري مع عمليات عسكرية للقوات الخاصة في لواء الكوماندو في الجيش الإسرائيلي ضد أهداف نوعية خاصةٍ بالمقاومة الفلسطينية في مدينة غزة، وخاصةٍ بأماكن أخرى مختلفة في القطاع، وذلك بالتنسيق ما بين أجهزة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية المختلفة وقوات السايبر في تحديد مواقع الأهداف، وبين قوات الكوماندو المهاجمة المعززة بسلاح الجو وأسلحة المدفعية والدبابات.
- استكمال الاستعدادات الضرورية لشَنّ الحرب، ومن ضمنها حل مشكلة النقص في الدروع الواقية للجنود، وتوجيه المصانع التي تنتجها إلى إنتاج الكمية المطلوبة على نحو متواصل، وتزويد الجيش بها. أضف إلى ذلك مواصلة الجيش إخلاء سكان المستوطنات والبلدات اليهودية التي تبعد نحو 7 كيلومترات على طول الحدود مع قطاع غزة، وتهيئة القوات البرية وتدريبها على كيفية خوض حرب المدن، وخاصة في الأماكن التي تزدحم بركام العمارات والأبنية المدمرة.
خلاف في كابينت الحرب
لم يحدد كابينت الحرب حتى الآن أهدافه منها، ومن المرجح أن ذلك يعود إلى الخشية من فشلٍ جديد، في حال العجز عن تحقيقها، فضلًا عن وجود خلافات بين أعضائه، وخصوصًا بين نتنياهو والمؤسسة العسكرية. ولا يقتصر الخلاف بين الطرفين على تحديد أهداف الحرب بدقة، إذ يشكك أنصار المؤسسة العسكرية في جدية نتنياهو في التمسك بهدفه المتمثل في القضاء على حكم حماس، بل يمتد الخلاف أيضًا إلى المسألة التالية: من يتحمل المسؤولية عن الفشل غير المسبوق في تاريخ إسرائيل لجهة توقّع العملية العسكرية الكبيرة التي قامت بها حماس، فضلًا عن الفشل في التصدي لها؟ وثمة إجماع في إسرائيل على الحاجة إلى تشكيل لجنة تحقيق رسمية لتحديد حجم الفشل وأسبابه والمسؤولين عنه. ويحاول نتنياهو التهرب من المسؤولية عن الإخفاق في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وإلصاقها بالمؤسسة العسكرية والأمنية، وخاصة برئيس أركان الجيش هليفي، ووزير الأمن غالانت. ويعمد نتنياهو، ومن تبقى من أنصاره، إلى ذلك؛ بذريعتَي الحاجة إلى توحيد الصفوف، وطلب تأجيل النقاشات والصراعات الداخلية إلى ما بعد انتهاء الحرب. وفي حين اعترف هليفي، في 12 تشرين الأول/ أكتوبر بأن المؤسسة العسكرية أخلّت بالتزاماتها، في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، في الدفاع عن الدولة وعن المواطنين، أصرّ نتنياهو على عدم مسؤوليته عما جرى، مدّعيًا أنه لم يعلم بهجوم حماس إلّا ساعة وقوعه. وفي سياق هذا الصراع، شنّ منتقدو نتنياهو، وخصوصًا أنصار المؤسسة العسكرية، وبتشجيع منها، هجومًا شديدًا عليه غير مسبوق في شموليته وحدّته خلال فترةِ حربٍ، وحمّلوه المسؤولية عن الفشل في الفترة التي سبقت الحرب، وفي الفشل الذريع في التعامل مع نتائجها وطالب العديد منهم باستقالته. وفي هذا السياق، بدأت حربُ تسريباتٍ بين الطرفين من أجل إدانة أحدهما الآخر. فقد جرى تسريب خبر مفاده أنّ مصدرًا رسميًّا مصريًّا كان قد أخبر مكتب نتنياهو، قبل أيام من عملية طوفان الأقصى، بأن المقاومة في غزة تستعد لشنّ هجوم واسع النطاق على إسرائيل، بيد أن مكتب نتنياهو، ونتنياهو نفسه، تجاهلَا الأمر. في المقابل، نشرت وسائل إعلام إسرائيلية خبرًا مفاده أن معلومات أولية وصلت إلى المؤسستين الأمنية والعسكرية في ليلة الهجوم، تشير إلى أن حماس قد تشن هجومًا على إسرائيل، لكنّ المؤسستين لم تتحققَا من الأمر تحققًا كافيًا، ولم تتخذا الإجراءات المناسبة لمواجهة الهجوم.
خاتمة
تستعد إسرائيل لشن عملية برية واسعة ضد قطاع غزة بهدف القضاء على المقاومة الفلسطينية فيه، وجَعْل الشعب الفلسطيني يدفع ثمن مقاومته الاحتلال أكثر فأكثر، لكن الجيش الإسرائيلي يخشى في الوقت نفسه تبعات هذه العملية والخسائر البشرية الكبيرة التي يرجّح أن تقع في صفوفه أمام حركة مقاومة مصمِّمة على القتال، ومدرَّبة جيدًا على خوض حرب مدن طويلة، وتملك – فضلًا عن ذلك - شبكة أنفاق يصل طولها، بحسب بعض التقديرات، التي قد يكون مبالغًا فيها، إلى 500 كيلومتر. لهذه الأسباب، يرجّح أن يسير الهجوم الإسرائيلي ببطء من أجل تقليل الخسائر، وأن تكون الحرب طويلة، ما لم تفتح جبهة جديدة تخفف الضغط عن غزة. ولا زالت المؤسسة العسكرية والأمنية الاسرائيلية تعتقد أن حزب الله لا يسعى للدخول في حرب شاملة مع إسرائيل، على الرغم من الضغوط المتزايدة عليه، كما أنها تتجنب هي الأخرى مهاجمته، وتحاول الحفاظ على سياسة الردع المتبادل معه، حتى تركّز كل جهدها على تحقيق أهدافها في غزة، وهي أهداف لن يكون تحقيقها سهلًا.