إذا ما قرب موعد المولد النّبوي في تونس، يحلّ الحديث بالضّرورة عن "عصيدة الزقوقو" التي تعدّها العائلات التونسية منذ زمن خلال هذه المناسبة، غير أنّه قد تغيب هذه الأكلة التقليدية هذه السنة عن مطبخ عديد التونسيين، نظرًا للارتفاع القياسي في أسعار مادّة الزقوقو أو الصّنوبر الحلبي، حيث بلغت سقف 35 دينار (14 دولارًا) أي أكثر من أربعة أضعاف الثمن في الأيام العادية، وهو ما جعل المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك تدعو لحملة لمقاطعته، والتي من المتوقع أن يستجيب لها عديد التونسيين الذين يعانون أصلاً من ضعف القدرة الشرائية على ضوء الأزمة الاقتصادية في البلاد.
إثر ارتفاع سعره بشكل خيالي، ارتفعت دعوات لمقاطعة عصيدة الزقوقو، وهي تقليد متوارث للاحتفال بالمولد النبوي في تونس
اقرأ/ي أيضًا: المولد النبوي في تونس.. احتفالات وطقوس
في البداية ماهي عصيدة الزقوقو؟
الزقوقو هو المسمّى التّونسي للصنوبر الحلبي الذي ينتشر في جبال الشمال الغربي في تونس، وهو المكوّن الأساسي لإعداد عصيدة الزقوقو في المولد النبوي. وبدأ التونسيون في استغلال الزقوقو لأوّل مرّة خلال سنوات الجفاف التي أعقبت ثورة علي بن غذاهم سنة 1864 حيث انتشرت المجاعة، فلم يجدّ سكان مناطق الجبال حينها إلا استغلال حبّات الزقوقو خاصّة وأنها شبيهة في شكلها بحبوب الدّرع أو الدّخن. وتحوّل لاحقًا الزقوقو من أكلة للفقراء إلى عادة في المطبخ التونسي. حيث أصبح يتمّ إعداده سنويًا في المولد النبوي مع إضافة المكسرات كاللوز والبندق والجوز لتزيين هذا الطبق التقليدي.
وتنتشر اليوم أشجار الصّنوبر الحلبي في حدود 300 هكتار في تونس، ولا تعطي الشجرة ثمارها إلّا كل سنتين، فيما لا توفّر 100 كغ من المخاريط إلا 3 كغ فقط من الصّنوبر. وتعمل عديد العائلات التي تقطن المناطق الجبلية في الشمال الغربي على جني أشجار الصنوبر وبيع حباتها للتجّار وهو ما يسمح لها من توفير دخل موسميّ معتبر.
اقرأ/ي أيضًا: حلوى المولد النبوي في مصر.. "خليها ذكرى"
لماذا ارتفاع الأسعار الخيالي هذا العام؟
دائمًا ما تشهد أسعار الزقوقو ارتفاعًا موسميًا لكثرة الإقبال في المولد النبوي، غير أن الارتفاع في الموسم الحالي بلغ أسعارًا قياسية ببلوغه سقف 35 دينار (14 دولارًا)، ولا يبرّر ارتفاع الطلب لوحده بلوغ هذه الأسعار المشطّة حيث باتت تكلفة عصيدة الزقوقو مع المكسرات بالنسبة لعائلة صغيرة جدًا تتجاوز كلفتها 100 دينار (40 دولارًا).
وفسّرت وزارة التّجارة التونسية هذا الارتفاع إلى انخفاض في كميات المنتج المتوفرة في السوق بسبب الحرائق التي شهدتها غابات الشمال الغربي في الصيف الفارط، وهي واحدة من أكثر الحرائق خسارة في تاريخ تونس، حيث بلغت مساحة هذه الحرائق 3 آلاف هكتار شملت أشجار الصنوبريات أيضًا. من جانب آخر، ساهم انتشار الجماعات الإرهابية في جبال تونس، خلال السنوات الأخيرة، في تراجع استغلال العمال لأشجار الصنوبر مع إعلان الجيش التونسي لعديد الجبال كمناطق عسكرية.
في المقابل، أكدت المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك أن الكميّات المتوفّرة تتجاوز الحاجيات بنسبة 40 في المائة، بوجود 444 طن من مادة زقوقو في سوق يطلب 300 طن تقريبًا لا أكثر. وأطلقت هذه المنظمة حملة "حل الفريقو" (إفتح الثلاجة) في إشارة لكميّات الزقوقو المخزّنة لدى التجار المحتكرين وطلبت من السلطات "إحباط حسابات شبكات المضاربة"، كما حذّرت من وجود مادة مسرطنة في بقايا محصول العام الفارط.
ودائمًا ما يوجّه التونسيون أصابع الاتهام في ارتفاع أسعار الخضر والفواكه عمومًا إلى المحتكرين، وسبق وأعلنت الحكومة حملة ضدّهم خاصّة بعد الارتفاع القياسي في أسعار بعض المواد كالطماطم والبطاطا في الفترة الماضية، وقد تنقّل رئيس الحكومة يوسف الشاهد قبل أيام لسوق البيع بالجملة لتفقد الأسعار بعد انطلاق حملة حكومته لمنع الاحتكار.
لا تعرف ثقافة المقاطعة انتشارًا في تونس لكن من المتوقع أن تنجح حملة مقاطعة عصيدة الزقوقو للأزمة الاقتصادية عند التونسيين
هل تنجح حملة مقاطعة الزقوقو؟
يرجع نجاح حملة مقاطعة الزقوقو هذا الموسم إلى مدى انتشار ثقافة المقاطعة التي لا تزال للأمانة غائبة في قاموس المستهلك التونسي. غير أنه من المنتظر أن تقاطع عديد العائلات خاصّة محدودة الدّخل عصيدة الزقوقو لضيق اليد، خاصة وأن المكسرات، وهي مكوّن أساسي في العصيدة، تعرف كذلك أرقامًا قياسية، حيث بلغ مثلاً سعر كيلوغرام البندق 105 دينار (42 دولارًا). من جهتها، أكدت وزارة التجارة تراجع الأسعار وأنه سيتمّ توريد كميّات من الزقوقو من الجزائر للضغط على الأسعار.
وتترافق دعوة مقاطعة عصيدة الزقوقو مع دعوة تعويضها بـ"العصيدة البيضاء"، التي يتمّ إعدادها بالطّحين فقط بما أنّها غير مكلفة، وهي تقليد تونسي لا يتم إعداده عادة في المناسبات بل بشكل يومي.
اقرأ/ي أيضًا: