عندما تُدخل اسم عمرو خالد في خانة البحث على موقع "GOOGLE" فإنّ النتيجة الأولى ستكون من ويكيبيديا وستفاجأ بتصنيفه كـ"سياسي". لقد استطاع أن يكون كذلك منذ بداية مسيرته الدعوية في برامجه عن الصحابة والسيرة النبوية وقصص القرآن، وحتى في برامجه التنموية كصنّاع الحياة الذي استطاع فيه أن يحثّ الشباب على إطلاق مشاريع تنموية في كافة أرجاء الوطن العربي، حتى أن بعض العاملين تحت هذا الشعار في سوريا تم اعتقالهم.
ظلّ عمرو خالد متابعًا السباق مع حصانه لكن السؤال إلى أين؟ ومن يسابق؟!
وكأيّ سياسي، استطاع عمرو خالد أن يشدني إلى كل ما يقدمه، وأن أحبه جدًا كداعية آن ذاك وأن أعجب من جميع "علماء" الدين الذين كانوا يهاجمونه، وكنت لا أصغي إليهم وأركن لطاقته الكبيرة ومثاله الشهير "إن كنتَ في سباق خيول وبدأ الناس رميك بالحجارة، لا تترك السباق وترميهم.. أكمل السباق". نعم لقد ظلّ عمرو متابعًا مع حصانه لكن إلى أين؟ ومن يسابق؟!
حسنًا، لقد دفعني إلى القراءة، وبعد سنين من القراءة والسهو عما أصبح يقدمه، كنت أستحضره بكل ما أقرأ في مجالات العقيدة والتفسير والكتب الفكرية والفلسفية والتاريخية، لتتكشف جميع المغالطات التي كان يقدمها هذا الرجل بطريقة جذابة وذكية مع عملية تلميع لكل الشخصيات التي كان يعظمها، وفي هذا لا يجد الكثيرون أي مشكلة بدعواهم أنّ على الداعية التركيز في الأمور الإيجابية لشخصياتنا المقدسة، لكنّ هذا الداعية بدأ بلعبةٍ أخرى أكثر قذارة وهي لي عنق أي نص ديني من الحديث والقرآن بما يناسب الفئة التي كان يستهدفها ليبقيها مشدودةً إلى الدين الذي أراد، تمامًا كما يعمل مخرجوا الأفلام الإباحية من إبهارٍ وخداعٍ بصريٍ لتعيش اللذة بشكلٍ أسرع وأكثر بريقًا من الحالة الطبيعية التي قد لا تعود لترضيك بطبيعة الحال مع استمرارك في مشاهدة تلك الأفلام.
يقول مخرج الأفلام الإباحية Seymore Butts: "إني أقوم بالتخطيط واختيار الطاقم والممثلين، ثم أقوم بالتصوير والإخراج، وأخيرًا أقوم بالتحرير والتعديل بهدف تحفيز هذا النوع من الأفكار عمدًا لدى المشاهدين، ففي النهاية أنا أصنع خيالًا..وإن ما تشاهده على الشاشة ليس إلا كسرة صغيرة يتم إعدادها بمجهود وإعداد كبير يتم في موقع التصوير".
استطاع عمرو أن يخدع الملايين ليتركهم بعد مدّة قصيرةٍ إلى الكثير من التناقضات التي تؤدي إلى فصام في رؤية الدين والحياة -بالطبع إن ذهب متابعوه إلى قراءاتٍ معمقةٍ عن كل ما يتحدث عنه- في برنامجه الذي كان يتناول الأئمة الأربعة قام بربط الشافعي ومالك وأحمد وأبو حنيفة ببعض بطريقة لا يمكنك أن تخرج منها إلا بأنّ أولئك العلماء كانوا شخصًا واحدًا متصالحًا مع نفسه وغيره، محبًا لجميع البشر، قابلًا لكل الأفكار التي تخالفه ببساطة!
استطاع عمرو خالد أن يخدع الملايين، ثم تركهم إلى تناقضات تؤدي إلى فصام في رؤية الدين والحياة
حسنًا لقد فعل ذلك بذكاء وبربط قصص حقيقية من حياتهم وتركيبها وتقديمها لنا كما أحب، لنشبع رغبتنا في أن يكون جميع ما نحن عليه كـ"سنّة" هو صواب وأعظم ما يمكن أن يكون، وأن تفقد قدرتك على تخيل الخطأ في أي شخصية من الصحابة أو التابعين أو تابعي التابعين، وبالطبع في بعض القصص التي تفرض عليه إظهار العيوب فإنه يخدمها ويرى أنها كانت لازمة لتكتمل اللذة في رأسك ويستريح رأسك من أي شكوكٍ قد تراودك.
وعندما ذهب إلى قصص القرآن وأعاد خلقها مع قصص مشابهةٍ بلا أيةٍ مصادر حقيقية، تشعر بأنك لن تعود بحاجة إلى القراءة أكثر فقد ظهرت كما نريدها ونرغبها أن تظهر الآن، وهكذا احتكر عمرو خالد مخيلتك وجعلك ترى أفضل ما يمكن أن تراه لتسترخي عضلات دماغك عن أي فكرة قد تراودك، وقد يصيبك الغرور -كما أصابني بطبيعة الحال- أنك أصبحت عارفًا بتاريخك من خلال عدة برامج وكتب مكتوبة بأساليب ركيكة جدًا، حتى أنني في كتابه "على خطى الحبيب"، الذي اشتريته في الثانوية على ما أذكر، كنت أعجب من اللغة الركيكة التي كان يكتب بها ومن الأخطاء التي كانت تواجهني، حينها أدركت بأهمية البحث خلف هذا الرجل، لكنني لم أكن فطنًا كفايةً آن ذلك، لأنه استطاع أن يحرك الكثير من الشباب إلى العمل المجتمعي، وهذا ما أضفى عليه الكثير من المصداقية، في حين أن جميع المثقفين والكتاب ظلوا جالسين خلف كتاباتهم. ربما لذلك وضع تحت اسمه لقب "سياسي".
لم يعد عمرو قادرًا على الظهور مجددًا بسياسة الأفلام الإباحية الناجحة، وحتى أنّ ما يقدمه أصبح يشابه عمل الأفلام الإباحية العربية، غير المدروسة، ضعيفة الجودة، ربما أصبح مشهورًا كفاية أو منشغلًا بكثير من القضايا السياسية والذاتية، ليخرج لنا برواية! ولم يكتف بتبرير كتابته الروائية، بل نظر إليها كمنتج عظيم!
لقد كان غضبي شديدًا وقت سماعي خبر صدور الرواية لما كنت أتذكر له جيدًا من أحاديثه عن ضرورة التخصص المعمق في أي مجال وإتقانه قبل الخروج به إلى المجتمع، وبالطبع بدأت بقراءة الرواية مستغرقًا في شخصياتها النمطية ولغتها "المدرسية" المباشرة، الخطابية، التلقينية، وانتقالاتها الساذجة وحبكتها الخيالية والمرتبطة بالضرورة بكل أعماله السابقة ليصل بما يريده إلى الأطفال!
حسنًا، من الجيد أن يصل عمرو خالد إلى هذا المستوى، ربما توقف الشباب عن الانخداع بما يقدمه، إلا أنّ الكره الذي يواجهه الآن ينبع من خلافات سياسية معه أكثر منها خلافًا على ما قدمه وما لا يزال يقدمه، والذي يجب أن يحاكم عليه، أكثر من محاكمته سياسيًا على اتجاهاته!
اقرأ/ي أيضًا: