في غفلة من أمره استعاد الرئيس شخصيته العسكرية الحازمة بعد أن تركها طي النسيان منذ تولى حكم البلاد، كان يخرج علينا بصوته العطوف وجمله الرومانسية المليئة بالحب والأحضان، ولكن في هذه المرة خرج علينا ليشخط ويحذر ويرفع السبابة في وجوهنا مهددًا، وكلها علامات اعتدنا أنها تسبق العاصفة التي تطيح بولي الأمر، فعلها من قبله العديد من الرؤساء الذين أطاحت بهم الثورات، وفعلها من قبله المجلس العسكري وتلاه مرسي، والمحصلة النهائية كانت واحدة في كل الأحوال، المهم، لنا في حديثه هذه المرة الكثير من التعليقات.
سيدي الرئيس، لم تترك لنا فرصة لنسمع غيرك، فكل من سولت له نفسه بقول رأيه يتعرض للتخوين
يقول السيسي: "ماتسمعوش كلام حد غيري.. أنا راجل لا بكدب ولا بلف وأدور ولا ليا مصلحة غير بلدي، بلدي بس، وفاهم أنا بقول إيه". يوجه حديثه نحو الشعب ويأمره بلهجه شديدة أن يطيع أمره فقط ولا أحد غيره، ويذكّرهم بأنه رجل صادق لا يمارس الكذب ولا الألاعيب السياسة واللف والدوران، وأنه لا مصلحة شخصية لديه وإنما فقط مصلحة البلاد، كما أنه رجل ذكي يعي تمامًا ما يقول، في الحقيقة دعني أذكرك ببعض الأكاذيب التي احتال بها نظامك يا سيدي على هذا الشعب المسكين، بداية من فضيحة جهاز الكفتة الذي سيعالج كل الأمراض، مرورًا بكذبة قناة السويس الجديدة ومنافعها على البلاد، ومشروع المليون وحدة سكنية، ومشروع المليون فدان، نهاية بالعاصمة الإدارية والمؤتمر الاقتصادي، ومفاعل الضبعة النووي، قد أصدقك القول بأنك لا مصلحة لديك فيما يحدث، ولا نحن كذلك، لا أحد له مصلحة مما يحدث سوى نظامك الذي تعمل مخلصًا لأجله وليس لأجل البلاد كما تظن.
اقرأ/ي أيضًا: موسم ترويع الإعلام في مصر
ثم أضاف: "بتحبوا مصر صحيح؟ اسمعوا كلامي أنا بس، بس". يا سيدي، أنت لم تترك لنا فرصة لنسمع غيرك، فكل من سولت له نفسه بقول الرأي أو مجرد التفكير فيما يحدث، يتعرض للتخوين ولكافة الانتهاكات من نظامك الذي يحميك وتحميه، قال تعالى "قال فرعونُ ما أريكُم إِلَّا ما أَرىٰ وما أهديكم إِلَّا سبيلَ الرشَاد".
السيسي مجددًا: "إحنا النهاردة هنقطّع مصر ولا إيه؟". هذه هي المرة الثانية التي يذكر فيها السيسي مصر ممثلًا إياها في صورة طعام أو "تورتة"، في المرة الأولى قال "هتاكلوا مصر يعني؟"، وهذه المرة يقول "هنقطّع مصر ولا إيه؟". يا سيدي، ليس كل الشعب ينظر إلى خيرات هذا البلد بنفس النظرة التي تستخدمها المنظومة العسكرية، أنتم تقسمون الخيرات على أنفسكم كقطع "كاتوه" وتتركون الفتات للشعب، أمّا الشعب فكل ما يريده هو الحفاظ على هذه الخيرات من أيادي السارقين.
اقرأ/ي أيضًا: تكلفة بقاء نظام السيسي
وفي إشارة إلى نفاد صبره يقول: "محدش يفكّر إن طولة بالي وخلقي الحسن معناه إن البلد دي تقع". توقفت طويلًا أمام هذه الجملة بالأخص، أين سنقع بالتحديد؟ ألا تدري أننا في القاع بالفعل! لا مكان آخر للسقوط، السقوط في المرة القادمة سيكون بمثابة إهالة التراب فوق رؤوسنا في المقبرة التي نحيا بداخلها لتقضي بذلك على كل الآمال التي ما تزال متعلقة بقلوبنا في الإصلاح، ويهاجم الإرهاب قائلًا: "اللي ضرب السياحة ضربها عشان نعيش اللي إحنا فيه". إذن، أين كانت الأجهزة المسؤولة عن حمايتنا والتي تحارب الإرهاب ليل نهار كما تدعون، وتقبض على الآلاف من الشباب وتلقي بهم في السجون؟ من هؤلاء الذين في السجون إذا كان الإرهابيون يطوفون البلاد ويدمرون الأخضر واليابس؟
رئيس يعرض نفسه للبيع على الهواء لن يكون بيع البلاد أعز عليه من بيع نفسه
ولا يجوز أن ينهي السيسي خطاب له دون أن يذكر الأزمة المالية التي تمر بها البلاد، فيصرّح في تصريح أقرب للخبل أن لو 10 مليون مصري ممن يستخدمون الهواتف النقّالة، كل واحد منهم "صبّح" على مصر بجنيه، سيكون معنا كل يوم عشرة ملايين.
والسؤال هنا أين تذهب أموال الضرائب التي يدفعها هذه الشعب، لماذا لا تستثمر في الإصلاحات بدلًا من شراء الأسلحة والغازات المسيّلة للدموع وتسليح الداخلية بأسلحة يقتلون بها الشعب نفسه، وبدلًا من استثمارها في مشروعات وطنية كاذبة تكلف دماءنا مليارات الجنيهات كمشروع قناة السويس الجديدة؟
وفي لهجة عنترية منه، استمر السيسي في تصريحاته الغريبة "والله العظيم، أنا لو ينفع اتباع، لأتباع". رئيس دولة بحجم مصر يخرج منه مثل هذا التصريح، رئيس يعرض نفسه للبيع على الهواء ماذا تنتظرون منه؟ بيع البلاد ليس أعز عليه من بيع نفسه.. وأخيرًا يقول غاضبًا مرتدياً شخصية القذافي: "إنتوا فاكرين الحكاية إيه؟ إنتوا مين؟ إنتوا مين؟ هأ". ستعرف قريبًا من نحن، نحن من أجلسك على كرسيك، نحن الشعب مصدر السلطات.. هأ.
اقرأ/ي أيضًا: