قد أختلف مع أختي فيما إذا كان والدي عنيفًا أم لا في طريقة تربيتنا. قد نختلف وتقول إحدانا: لقد كان حنونًا وقارئًا نهمًا، وذا مواقف ثابتة بما يمسّ الحرية، أو أنه كان دكتاتوريًا في ممارساته اليومية. قد نختلف حول أسباب غضبه وضحكه وقبوله لكثير من أفعالنا الجنونية، لكننا لن نختلف مطلقًا بأنّه ربانا وفتح أمامنا السُّبل لنكون على هذا الشكل من التفكير بالحياة والانطلاق فيها، لن نختلف أنه كان ضدّ الظلم والفساد والرشوة. لن نختلف أنه كان وما زال مع كل مظلوم إلى أن يحصل على حقه.
مات خالد تاجا بتأثير المرض، لا في سجون النظام السوري كما يشاع
اقرأ/ي أيضًا: أكرم رسلان: ناجي العلي السوري
سنختلف حتمًا بالمحبة والاحترام وشكل التعبير عنهما، لكننا لن نكذب في أشياء فعلها أو لم يفعلها. أستغرب فعلًا ممن ينتظرون موت أحد ما فيثيرون حوله سلسلة من الكلمات والأقوال والأفعال التي لم يقلها، ولم يفعلها. كما حصل بعد موت الكثير من أهل البلد، وأخصّ هنا مقالًا قرأته، تتحدث كاتبته رولا العلواني تحت عنوان "خالد تاجا: الفنان حين يقف إلى جانب شعبه"، تحدثت فيها عن نضال الفنان الراحل خالد تاجا.
نعم لقد كان تاجا مناضلًا في فنه. أثبت لكل من شاهد فيلمًا أو عملًا تلفزيونيًا اشترك فيه أنه مخلوط بروح فنية من طراز رفيع، وكنت من الممثلات اللواتي حلمن كثيرًا بالوقوف أمامه لنبل أدائه وشغفه بالفن، لكنني لن أصدّق ما كتب حول اعتقاله وهو ما لم يحصل مطلقًا، ولن أصدق أنه مات تحت التعذيب في سجون النظام السوري، وهو الذي كان على علاقة طيبة بكثير من رجالات السلطة حتى وقت متأخر.
صحيح أنه حاول الاشتراك في مظاهرة الميدان الشهيرة، التي سُميت بـ"مظاهرة المثقفين"، لكنه كان يمشي حولها. لن أكرّر الحديث عن رغبته في التظاهر، لكن صاحبة المقال قالت إنه تظاهر كثيرًا مطالبًا بالحرية، وهذا ما لم يحصل.
زيادة البهار على تاريخ أي فنان راحل لا تزيده قيمة
المقربون منه يعلمون جيدًا أنه كان مريضًا، ومات بتأثير المرض. لن أنكر أنه مرض بسبب الظلم الكبير الذي تعرض له السوريون المطالبون بالتغيير، ربما! لكن لماذا ننتظر حتى يموت أحدنا، ونبدأ باختلاق الروايات حوله؟ هل تاريخه الشخصي فقير ومغفل ومهمل إلى هذه الدرجة ويحتاج إلى إثبات وقوفه مع ثورة الكرامة؟
زيادة البهار على تاريخ أي شخص لا تزيده قيمة، فلندعه ينعم بالسلام بعد موته، ولنترك أعماله تتحدث عنه، دون زيادة أو نقصان.
اقرأ/ي أيضًا: