يُعد الإسباني "جافي" نجم برشلونة الصاعد، الفتى الحائز على جائزة "جولدن بوي" لأفضل لاعب صاعد في العالم عام 2022 أحد أهم المواهب الكروية المُنتَظر انفجارها في السنوات القليلة القادمة، ويعرف عنه روحه القتاية العالية "غرينتا" ولكن ثمّة الكثيرين الذين يصفون تصرّفاته "بالحمقاء"، فما هو مفهوم "الجرينتا" و ما علاقته بلاعبي كرة القدم؟
في الموسم المنصرم 2022-2023، ساهم جافي صاحب الـ 18 عامًا في تتويج فريقه ببطولة الدوري الإسباني، من خلال مشاركته في 36 لقاء، أحرز خلالها هدفين، وصنع أربعة آخرين.
لكن الشيء الآخر الذي لازم جافي طيلة الموسم أيضًا، كانت اللقطات الذي ظهر فيها بحماسة -جرينتا- قد تكون زائدة عن الحد في بعض الأحيان. حماسة كانت غريبة بعض الشيء على ملامحه التي تتسم بالهدوء، وعلى هذه النوعية من اللاعبين.
ولا غرابة أنه اللاعب الأكثر حصولاً على بطاقات صفراء في برشلونة هذا الموسم، برصيد 10 بطاقات. ويطرح علينا ذاك السلوك بعض الأسئلة، هل هناك قواعد يتعلمها اللاعبون لاكتساب هذه الروح القتالية –"الجرينتا"؟
أبعد من الرياضة
تُعد العلاقة بين روح الشخص ونجاحه علاقة طردية، فالروح هي من دفعت الجنس البشري منذ فجر التاريخ إلى الانتصار والتغلب على الصعاب. الروح القتالية هي مفهوم يصف الحالة العقلية التي يكون فيها الشخص مستعدًا للتعامل مع موقف صعب، ولا يخجل من هذه الصعوبات، ولا أن تكون الاحتمالات ضده. الروح القتالية هو تعبير رفيع عن قدرة النفس البشرية على التغلب على ما لا يمكن بلوغه.
سيُظهر المحارب روح القتال سواء في التدريب أو المعركة، وكذلك المريض المصاب بمرضٍ خطير، وكذلك الرياضيون في أرضية الميدان فما هي "الغرينتا"؟
اترك روحك على أرضية الميدان
يُسميها الإيطاليون "جرينتا"، وهم أشهر من اتسم بها في عالم كرة القدم، وهي أن تلعب بقلبك، وتترك روحك على أرضية الميدان، لا يكفي أن يسيل عرقك من التعب، بل دمك أيضًا. يستخدم الأرجنتينيون مصطلحًا مشابهًا يُسمى "Fibra"، ويُطلق عليه الألمان اسم "kampfgeist".
يتحدث Tony Grasshopper، عن مفهوم "الجرينتا" و علاقته بلاعبي كرة القدم. توني هو باحث رياضي إنجليزي عكفَّ لعدة أعوام على دراسة مفهوم "الجرينتا"، وما هي سماته الرئيسية؟ وكيف يكتسبه لاعبو كرة القدم؟
خلصَّ توني في بحثه أنه إذا أراد المدرب غرس الروح الرياضية في لاعبيه، فهناك عدد من السمات الذهنية التي ينبغي تعليمها لهم، وتنقسم هذه السمات إلى سمات أساسية ضرورية لزرع الروح القتالية في اللاعبين، وسمات ثانوية لتكملة وتعزيز "الجرينتا".
السمات الأساسية
- السمة الأولى وهي العدوان تتطلب لاعبًا نشطًا على استعداد للتورط، ويخبرنا توني أنه لا علاقة لذلك بمدى عنف اللاعب، والذي تتحكم فيه سمات غير مرئية، مثل مدى تحليه بالروح الرياضية.
يذكر توني أنه العدوان لا يعني بالضرورة ارتكاب اللاعب لأخطاء كثيرة، لكنه يؤكد إذا ما أردت أن تبني فريقًا يتحلى بالروح القتالية، فأنت تريد لاعبين يتمتعون بجرعة صحية من العدوانية.
- العزم، ما مدى أن يدفع لاعبك 100% من مجهوده؟
يخبرنا توني أن تحلي اللاعب بالتصميم على أهدافه، ستجعله يقدم كل شيء من أجل الفوز، فغرس الروح القتالية تحتاج إلى لاعبين لديهم الكثير من العزم والتصميم.
- العمل الجماعي، لخلق فريق ذو هوية تتسم بالروح القتالية، يذكر توني أنه يجب أن تضم لاعبين تضع مصلحة الفريق قبل مصلحتهم الشخصية، ووضع غرورهم جانبًا.
- معدل العمل، ما مدى نشاط لاعبك على أرض الملعب؟
غالبًا ما يكون اللاعبون ذوو معدل العمل المنخفض لاعبين كسالى. ينتظرون فرصهم بدلاً من العمل لخلق الفرص لأنفسهم أو للآخرين. هؤلاء ليسوا من نوعية اللاعبين الذين يتحركون على أرضية الملعب باستمرار، ويحاولون إيجاد مساحة لأنفسهم أو يبتعدون عن الخصوم لخلق مساحة لزملائهم في الفريق. معدل العمل المرتفع يعني أن لاعبك سيحاول المشاركة في اللعب قدر الإمكان. يعكس معدل العمل الدافع الذهني للاعب للعمل الجاد.
سمات ثانوية
1-الشجاعة: ما مدى استعداد لاعبك للتضحية بنفسه؟
يخبرنا توني أنه هناك بعض الصفات التي تعزز الروح القتالية، لكن غيابها عن اللاعب لايعني بالضرورة أنه ليس قديرًا بالانضمام لفريقك، مثل التضحية بنفسه أو المخاطرة بتعرضه لإصابة ما من أجل الحفاظ على الكرة.
2-التركيز طيلة 90 دقيقة
التركيز شيء رئيسي للاعب كرة القدم، لكن لا يوجد لاعب لا يرتكب خطأ ما طوال أحداث المباراة، مهما بلغت جودته. يوصي توني أن تبحث عن اللاعب الذي يستطيع أن يحافظ على تركيزه أطول فترة ممكنة.
على الجانب الآخر، تذكر بعض الأبحاث العلمية أن هناك شعرة بين الروح القتالية وبين وصفها بالحماقة. تشير الدراسات إلى أن الإثارة الفسيولوجية العالية، التي يتم التعبير عنها في زيادة معدل ضربات القلب وتوتر العضلات والعرق البارد والتنفس السريع، يمكن أن يكون لها تأثير مختلف على جودة أداء المهارات الحركية المختلفة. يمكن أن تتضرر المهارات الحركية الدقيقة من خلال زيادة الاستثارة الفسيولوجية.
لاعبون أمثال جاتوزو وراموس وغيرهم ممن اتصفوا بالروح القتالية العالية، وضعتهم تلك الحماسة في ورطات أحيانًا كثيرة، فما بالك أن يحاول لاعب في سن الـ 18 عام أن يتصنع مثل تلك اللقطات بداع أو بدون داع. في النهاية نحن لا نلوم على جافي حماسته تلك، لكننا أردنا أن نوضح متى تكون هذه الروح القتالية بمثابة نور يضئ مسيرة اللاعب، وكيف قد تقتله في لحظات.