29-يونيو-2017

الصورة الترويجية للفيلم

ليست فقط مناسبة عرض مسلسل "لا تطفئ الشمس" في الموسم الرمضاني الفائت هي ما تدفعنا لمشاهدة فيلم "لا تطفئ الشمس" من إخراج صلاح أبوسيف رائد الواقعية في السينما المصرية، بل أيضًا ذكرى مرور 21 عامًا على وفاته في 22 يونيو/حزيران من العام 1996.

تحكي رواية لاتطفئ الشمس قصة عائلة غنية من أم وخمسة أولاد تتولى إدارة شؤونها الأم والأخ الأكبر، إلى جانب وجود الخال المتحكم

للوقوف على بعض صور الواقعية التي حفرها صلاح أبوسيف من خلال طريقته بنقل اللغة المكتوبة إلى لغة سينمائية لها مفرداتها الخاصة بصلاح أبوسيف نفسه مشكلًا منها عالمًا فريدًا، والتي مهدت لأشكال سينمائية أتت بعدها. سنحاول اقتفاء أثرها في عوالم فيلم لا تطفئ الشمس.

وفي مناسبة أخرى أيضًا تخص صلاح أبوسيف وهي صدور كتاب "سينما الشعب" للناقد ناجي فوزي الصادر عن الهيئة العامة للكتاب في فبراير/شباط خلال العام الجاري. الذي يقوم على رصد السينما الواقعية للمخرج وتناول كافة التفاصيل الدقيقة في سينماه، بدايةً من الأمكنة المهمشة التي تعيش فيها شخوصه، وليس انتهاءً عند الفنانين الشعبيين من شخصيات أفلامه.

اقرأ/ي أيضًا: 3 مشاكل ستواجه هنيدي إذا قرر عمل "صعيدي في الجامعة الأمريكية 2"

ويأتي الكتاب موضحًا أسلوبه السينمائي وملامح الصورة السينمائية التي يوصل من خلالها أفكاره وتأثر صلاح أبوسيف الواضح بالواقعية الإيطالية، ويشير أيضًا لمفهوم العدالة الشعرية والاندماج في حياة البسطاء وطرح معاناتهم، والذي تقوم عليه خلاصة فكر المخرج في جُل أفلامه.

في فيلم "لا تطفئ الشمس" كما أفلام عديدة يحدث هذا الاندماج على عدة مستويات للحكاية، والتي يقودها التغيير ويعد من أهم أساسياتها، هذا التغيير الذي سيطرأ على حكاية الشخوص بعد تعرضها للصدمات، والتي ينتج عنها صراع يوصل الشخصية للانقلاب أو التغيير.

وفيلم "لا تطفئ الشمس" مقتبس من رواية الكاتب المصري إحسان عبد القدوس، وهو من كتب السيناريو مع لوسيان لاميرن، وتحكي قصة عائلة غنية مؤلفة من أم وخمسة أولاد تتولى إدارة شؤونها الأم والأخ الأكبر، إلى جانب وجود الخال المتحكم بأمور العائلة.

كل واحد من أفراد هذه الأسرة لديه مشاكله الشخصية أو الاجتماعية، كما لكل منهم أحلامه وطموحاته التي تصله بالعالم الخارجي للبيت ومن خلالها يسعى لتحقيق ذاته. وتحرك هذه المشاكل والطموحات على حد سواء أحداث القصة تتضارب وتتعارض فيما بينها وبالعلاقة مع الأخرين من أفراد البيت أو خارجه، حتى تصل بصاحبها لعتبة التغيير أو الاندماج الذي يحمل عبئه صلاح أبوسيف.

وبالعودة لمفهوم الاندماج والعدالة الشعرية، فأن الواقع أو البعد الشعبي الذي نوى صلاح أبوسيف الالتزام به، يدخل إلى البيت عبر من يعيشون به، بناءً على الرؤية الواقعية التي بنيت عليها الحكاية وقامت عليها أهداف ومبررات الشخصيات التي تحارب من أجل الوصول إلى هدفها، إن كان الحب أو العمل، تحقيق الذات، العاطفة أو تحقيق حالة اجتماعية معينة.

آمن صلاح أبوسيف بأن أساس أي فيلم سينمائي جيد هو سيناريو متقن الصنع، ولذلك اعتمد في عمله على إنتاجات أدبية أغلبها من نجيب محفوظ كفيلم بداية ونهاية، القاهرة 30، وأفلام ساهم بكتابتها بنفسه مثل شباب امرأة، وروايات إحسان عبد القدوس مثل "أنا حرة" و"لا تطفئ الشمس".

فيلم لاتطفئ الشمس إذا بدأنا من اسمه تتجلى معنى الشمس بمفهوم انتصار الأمل

في فيلم "لا تطفئ الشمس" والذي إذا بدأنا من اسمه تتجلى معنى الشمس بمفهوم انتصار الأمل الذي يتحقق ولكن بعد التغيير الذي سيصيبهم ويغير حالهم، التغيير أو انقلاب الحال هو أحد أهم الأفكار الأساسية التي تقوم عليها الحكاية. التغيير الذي أصاب كل أفراد العائلة بالتتالي، من خلال العبور من مرحلة لمرحلة يتعرف فيها كل منهم على شخصيته بعد أن يراها تخوض صدامًا مع عوالم خارجية.

شخصية الابن الأصغر الطموح والحالم، والذي يؤدي به تعنت أهله ورفضهم بأن يكون كما يحلو له أن يكون لموته بحادث سير بعد مشاجرة مع أخيه، وشخصية أخرى تحمل البعد الشعبي هو الشاب الذي تحبه الفتاة الوسطى والذي رفض الأخ الأكبر ارتباطها به ومنعها من رؤيته.

إلى جانب عالم الشخصية الأساسية الولد الأكبر أحمد وهو أهم من حمل التغيير بعد أن كان شخص وقور جاد فرضت عليه ظروفه أن يتحمل مسؤولية عائلته الصغيرة كلها بعد وفاة والده وفي لعبه دور رب الأسرة الصغيرة فقد الحيوية وإحساسه بشبابه ليستطيع رعاية إخوته والعائلة.

فتبدأ الوقائع والمتغيرات تؤثر عليه، موت الأخ وهرب الأخت الصغرى من البيت وتزويجها بالإجبار إلى جانب عمله الذي لا يحبه. حتى يشهد التحول الأكبر بعد خبر تأميم قناة السويس والذي تلاه العدوان الثلاثي ومشاركة أحمد في الحرب وانضمامه إلى صفوف الفدائية. كشاب مثقف وجدي وجد أحمد نفسه ملتزمًا بأمر آخر غيّر حياته وعلاقته بالأخرين فزاد تعلقه بالحياة أكثر.

وإلى جانبه تأتي شخصيات الأخوة والأم، والتي يوليها المخرج صلاح أبوسيف مكانة القداسة فهي قوية وصبورة وحنونة، ولكنها تخضع وتنكسر إثر التحديات وتبقى بانتظار الشمس.

يهتم صلاح أبوسيف عادةً بإنتاج الرموز كلغة أخرى إلى جانب لغته السينمائية، ويلجأ لاستخدام تفاصيل صغيرة ذات دلالات تضيف في معنى الحكاية، كالساعة التي تقطع بين مشاهد الفيلم وتحمل أحيانًا كثيرة دلالات على انتظار أي جديد أو فوات الأوان على شيء ما.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم Whiplash.. الحب في مواجهة المجد

إلى جانب بوابة البيت الكبيرة التي تبدو ضخمة في مشهد من بداية الفيلم، حيث يخرج منها الأولاد بطرق مختلفة تعبر عن شخصياتهم وطباعهم وتصلهم بالعالم الخارجي بالطريقة التي يريدونها أيضًا والتي تشبههم.

البنت الصغرى الطالبة في معهد الموسيقى تشغل الألحان والبيانو الجزء الأكبر من حياتها، عشقها للموسيقى هذا أضافت إليه عشقًا أخر من خلال علاقتها بأستاذها، يبدو البيانو حاضرًا في بيت الأستاذ الذي تزوره، وبيته الثاني حيث يلتقيان سرًا، في منتصف الصالون يحتل البيانو المساحة الأكبر من الكادر، في دلالة للمساحة ذاتها التي تشغلها الموسيقى في حياتهما.

كما ويحضر التلفون برمزية عالية كونه نافذة الأسرة على عالمهم الخارجي، يربط تفاصيل الحكاية ويشغل رنينه مساحة كل صمت وأحيانًا ما يسبق بعض الأفعال.

يهتم صلاح أبوسيف بإنتاج الرموز كلغة أخرى إلى جانب لغته السينمائية، ويلجأ لاستخدام تفاصيل صغيرة ذات دلالات تضيف في معنى الحكاية

عند تحويل عمل روائي كلاسيكي بغية جعله معاصرًا وتقديم حكايته في إطار درامي مختلف ستتغير الكثير من تفاصيل الحكاية الأساسية المبنية على خصوصية فترة زمنية محددة في التاريخ. هذا الكلام ليس بغية المقارنة مع العمل التلفزيوني، فقد بيّن أهل المسلسل أن محاكاة الرواية وتأثرهم بالفيلم لا يعني أن المسلسل سيكون نسخةً عنهما، فهناك مفارقات كبيرة واختلافات كثيرة.

بالرغم من أن المسلسل مبني على نص جيد إلا أنه تؤخذ عليه بعض الثغرات ومواضع الاستطراد، كما أن علاقات الحب وتشعبها في المسلسل ومفهوم الخيانة واستسهالها ضيّع المعنى الحقيقي للتغيير الذي ينتظر من الحكاية وأدخل الشخصيات في دوامة التفكير والبحث عن مخرج بدل تحقيق التحول المرجو.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أجمل أفلام العبقري ستانلي كوبريك..الشغف وهوس الكمال

8 أفلام كوميدية مرشحة للمشاهدة في إجازة العيد