أمام هذا الصلف والوقاحة الإسرائيلية المدعومة من المجتمع الدولي الذي يفترض به أن يقف موقف المندد بوحشية الرد الاسرائيلي المفرط بالعنف على قطاع غزة، المزدحم بالفلسطينيين الذين يتعرضون لحرب إبادة حقيقية لا تفرق بين كبير أو صغير، شيخ أو امرأة، وفي ظل انهدام كل فرص النجاة والحياة أمام شعب يتعرض أصلًا لحصار اسرائيلي مقيت منذ سنوات طويلة؛ أمام هذا كله يبرز السؤال الأساسي: أين تقف الجيوش العربية مما يجري حاليًا؟
يلقي البعض باللائمة على المقاومة الفلسطينية ويحملها مسؤولية ما يجري في مبالغة تعسفية جدًا، تفترض ضمنًا بأن الكيان الصهيوني ذا السوابق الإجرامية لن يقترف جريمته فيما لو خنع الشعب الفلسطيني لظروفه الموضوعية الإجبارية المفروضة عليه والتي تطوق فرص حياته الكريمة بحقول من الألغام.
هذه الملامة تتناسى تاريخًا طويلًا من الاستفزازات الممنهجة، ومن الضغط الهائل الذي طبق على الشعب الفلسطيني، لتغدو ضغطًا إضافيًا يواجهه الشعب الفلسطيني، فما أصعب وأشد حزنًا أن تبرر موتك وتشرح ظروفه كل يوم وكل ساعة، بينما يصفق العالم لقاتلك الذي تدعمه آلة إعلامية عالمية، مقروءة ورقيًّا، ومشاهدة تلفزيونيًا، ومسموعة إذاعيًا، ومتناقلة عبر وسائل تواصل اجتماعية مشبوهة التوجه.
ذهب الدعم العالمي للعدوان الاسرائيلي هذه المرة مذهبًا خياليًا، فقد تجاوز في وقاحته حد المعقول لاختلاق جرائم ونسبها للفلسطينيين
على الجانب المقابل، تجد الصورة معاكسة تمامًا، فالدعم العالمي للعدوان الاسرائيلي هذه المرة ذهب مذهبًا خياليًا، فقد تجاوز في وقاحته حد المعقول لاختلاق جرائم ونسبها للفلسطينيين ثم الاعتذار علنًا عنها، كما فعل البيت الأبيض.
ولم يغفل هذا الدعم تقديم الأسلحة والعتاد أو الأموال والدعاية التبريرية للجريمة العلنية التي تحدث على مرأى ومسمع العالم كله.
ماركات عالمية معروفة لم تخجل من المباهاة بتقديم الدعم، ومشاهير ونجوم فاخروا بوقوفهم لجانب العدوان دونما تردد.
إذًا نحن في عالم تخلى حتى عن أقنعته التقليدية في الكذب، ودفع بوجه جديد وعنوان جديد للواجهة لا يراعي سوى المصلحة دون أي تلطيف للفعل الهمجي.
المقاومات لا تنشأ من العدم، المقومات الشعبية تنشأ وتتطور مع تطور الصراعات، وتتناسب أساليبها طردا وشدة مع أساليب الاحتلالات والقمع الذي تتعرض له شعوبها.
والمقاومة الفلسطينية بغض النظر عن سياقاتها الداعمة وأهدافها الضمنية أو العلنية ليست استثناء، ولا يمكننا بحال من الأحوال نفي تمتعها بعاملي العقيدة والإدارة، فالعقيدة دفعتها نحو تطوير نفسها عسكريًّا وعلميًّا وصناعيًّا خلال سنوات مريرة من حروب متتالية في مواجهة اسرائيل، والإدارة مكنتها من ترتيب نهج صارم اعتقدت به والتزمت كوادرها بممارسته.
قد يكون العاملان السابقان هما ما تفتقد الجيوش العربية النظامية، التي جردت من فعاليتها واختطف قرارها بيد الحكام، وخاصة المطبعين منهم، منذ اتفاقية كامب ديفيد التي مهدت الطريق للعدو الاسرائيلي للتمدد ثقافيًّا وعسكريًّا في بلدان الجوار دون تلكؤ أو تراخ أو رادع.
واقع الحال العربي المؤسف، يشي بأن المحنة العربية والكارثة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني المتروك، ستستمر لأجل لا يمتلك به العرب شأنًا ولا قرارًا، وأن هذه الجيوش النظامية انتقلت بمهماتها من الدفاع عن الأرض العربية والشعوب لقمعهم.
أن تتفق أو تختلف مع صوابية قرار حماس، فذلك لا يعني أبدًا أن تمنح العدوان الاسرائيلي مباركة تبرير العدوان.
الشعب الفلسطيني في غزة يتعرض لإبادة علنية، وهذا هو العنوان الوحيد الذي يجب أن يكون ماثلًا نصب أعين الجميع، التي أصاب بعضها الرمد وغيرها العمى.