ربما لو كانت في دولة غربية لحصدت جائزة نوبل للسلام لمبادراتها الصغيرة والكبيرة، وتحدث العالم عن جمال إنسانيتها، لكن بالواقع هي فتاة بعيدة عن أنظار العالم لأنها فقط من مدينة غزة المحاصرة، وهي لا تريد إلا أن تعطي الأطفال ما لم يعطيهم السياسيون ولا القيادات ولا المنظمات الدولية، السعادة والمرح، وهي أكبر ما يمكن أن يطلبه أطفال العالم، وخصوصًا في مناطق الصراعات والحروب والاقتتالات، وما إن تدخل حيهم المدمر حتى يبدأ الأطفال بالركض عليها والنظر فيما تحمله يداها من سعادة لهم.
رغم أن دانا بدأت مبادراتها قبل شهور قليلة، إلا أنها لفتت أنظار الغزيين لها، لأنها لامست الجانب الإبداعي في المبادرات التي يحتاجها الأطفال
هي دانا إرحيم، فتاة تبلغ 17 عامًا، عاشت وسط منزل يحيطه الورود، ووالدها يعمل مهندسًا، ووالدتها تعمل معلمة، وكلاهما يحبان الورود، ويزينون بيتهم بالورود الطبيعية والصناعية وحتى في لوحاتهم التي يرسمونها وأيضًا رسمها على الزجاج. وهكذا يمكن القول أن المنزل الوردي ولدَّ لدانا أفكار عديدة لكي تلون حياة الطفولة المظلومة بالورود.
اقرأ/ي أيضًا: الوشم في ثقافة الأمازيج..ذاكرة الجسد
وبدأت دانا تشعر بالأطفال في غزة بعد العدوان المتكرر على غزة منذ ثمانية أعوام، ورغم أنها كانت بداية العدوان الأول طفلة تبلغ 9 أعوام، إلا أنها عاصرت التفاصيل الدقيقة للعدوان الأول والثاني والثالث، وبعد الثالث انطلقت لتسعد الأطفال بالورود، وتصنع فيها أكاليلًا لهم تلبسهم للفتيات منهم وتفرحهم، والأطفال الذكور تزرع معهم ورودًا بجانب بيوتهم المدمرة.
وتأخذ قضايا الطفولة من دانا حيزًا كبيرًا في التفكير، وهي تفكر بشكل متواصل ما يمكن فعله لإدماج الأطفال مع الأطفال الذين مروا في أزمات عدوان والنزوح ودمار بيوتهم، وتقوم بشكل متواصل التعبير عن قضايا الأطفال عبر صفحتها، ووضع رؤيتها في قضاياهم وما يجب على الناس والعالم فعله لهؤلاء الأطفال.
تعيش دانا لحظات وفرح في آنٍ واحد، وإحدى اللحظات التي كانت محزنة لدى دانا، مرة في منطقة مستشفى الوفاء المدمرة في حي الشجاعية، وهي تطلب من آباء الأطفال أن ينزلوا أولادهم، وتحدثت مع رجل لينزل ابنته لكي تلبسها إكليل ورد، فرد عليها الأب: "كانت لي طفلة، لكنها ماتت في الحرب الأخيرة علينا"، ومع الحزن الشديد الذي أصابها، لكنها تابعت سيرها وتقوم بمناداة الفتيات لتلبسهم الأكاليل وتفرحهم، وتعود لمنزلها وهي تحمل تلك اللحظة الحزينة وتصر معها أن تسعد الأطفال بشكل أكبر وأكبر.
وعملت دانا قبل أيام مبادرة كانت تحمل طابعًا إنسانيًا مع الأطفال، فأحضرت إلى حي الشجاعية حوالي 40 شتلة ورد مختلفة الأنواع، لكي تزرعها هي والأطفال بين الدمار الذي لا يزال موجودًا بين أحلام الأطفال، كلما نظروا له تذكروا أيام العدوان، ومع ورود دانا تود أن تبدل هذه الصورة بتلك الورود، هكذا يحيا حلم الأطفال بالورود التي يحبها كل الأطفال، وترفع شعارًا للعالم "أن أطفال غزة من حقهم العيش في أمان، وأن يعيشوا حياة الطفولة المحرومين منها".
اقرأ/ي أيضًا: 7 علامات للزواج الناجح
ورغم أن دانا بدأت مبادراتها قبل شهور قليلة، إلا أنها لفتت أنظار الغزيين لها، لأنها لامست الجانب الإبداعي في المبادرات التي يحتاجها الأطفال، في ظل اعتماد عدد من المؤسسات الجمعيات على مبادرات تقليدية للأطفال، والاكتفاء بلعبهم ومنحهم الهدايا وبعض الأنشطة البسيطة، وتقول "وجدت الأطفال هم بحاجة لمثل هذه المبادرات لأنها تحاكي شيئًا جميلًا هم يحبوه وهو عكس ما تعرضوا له"
وتشير دانا أن هناك صورة عالمية انتشرت بشكل كبير، وبداخلها طفل يقف ومعه وردة وأمامه جندي يحارب بلاده، وهذا ما يدلل على أن الورود لغة السلام لدى الأطفال في وقت الحرب أو الاقتتال، إلى جانب أن الفلسطينيين معروفون للعالم بتمسكهم بما يزرعونه على أرضهم، إن كان وردًا أو برتقالًا أو زيتونًا، وكما قالها الرئيس الراحل ياسر عرفات "لا تسقطوا غصن الزيتون من يدي"، والذي دلل فيها على أن الفلسطيني لا ينسى ما يزرع على أرضه حتى في نضاله لأرضه إلى جانب البندقية.
وتجمع دانا المال لمبادرتها من خلال مشاركتها في معارض تقوم من خلالها بعمل أكاليل وإكسسوارات ورود، وتبيعها خلال مواسم الأعياد والمناسبات الأخرى، وتحتفظ بذلك بالمال، لتخصصه لعمل الأكاليل وشراء الورود، وتهديها للأطفال.
وآخر ما قامت به دانا، كانت مع مرضى متلازمة الداون والتوحد في جمعية الحق في الحياة، عندما شاركتهم زراعة الورود في حديقة الجمعية ولعبت معهم، لتعطي الأمل من جديد للأطفال المرضى.
ومع كل ما تقوم به دانا، لا تفكر إلا أن تستمر في عطائها بمبادرات أكثر، وتتميز كل مبادرة عن أخرى بالطريقة لكن الورود توحدها بسلامها وعطر حريتها، وتحلم معها بين البيوت المدمرة أن ترفع شعارًا تقول فيه "مهما دمّرت تلك البيوت، سوف تنبت زهور الأمل عند الأطفال ليحيوا من جديد".
اقرأ/ي أيضًا: