لا تزال الاشتباكات المندلعة بين فصائل المعارضة السورية من طرف، وجبهة "فتح الشام" من طرف آخر متواصلة في ريفي حلب وإدلب لليوم الخامس على التوالي، دون أن تشير الأخبار الواردة عن إمكانية التهدئة بين جميع الأطراف، وسط اتهام "فتح الشام" للفصائل التي تهاجمها بـ"التخاذل" خلال الشهر الفائت في الأحياء الشرقية من مدينة حلب.
الهجوم الأخير لـ"فتح الشام" على فصائل المعارضة، يوضح مساعيها لبسط سيطرتها بشكل كامل على القرار السياسي والعسكري في الشمال السوري
وبدأت "فتح الشام" في وقت متأخر من مساء الاثنين الفائت هجومًا مباغتًا على مقرات "جيش المجاهدين" في ريفي حلب وإدلب، أتبعته في اليوم التالي بواحد مماثل على ألوية "صقور الشام"، قبل أن تتوسع دائرة استهدافها لتشمل فصائل: تجمع "فاستقم كما أمرت"، "جيش الإسلام" قطاع إدلب، و"الجبهة الشامية" قطاع حلب الجنوبي، بحجة مشاركتهم في مؤتمر "أستانا".
اقرأ/ي أيضًا: البيان الختامي لمؤتمر الأستانا يشعل الشمال السوري
"فتح الشام" بررت هجومها على الفصائل عينها بالقول إن "كثيرًا من الفصائل التي تلهث وراء الدعم باسم حلب، وتعج مستودعاتها بالذخائر والمعدات، لم نر منهم موقفًا على قدر الحدث الذي كانت تمر به حلب"، في إشارة لاستعادة النظام السوري للأحياء الشرقية من المدينة، مدعيًة أنها اتخذت هذه الخطوة لـ"تصحيح مسار الثورة".
وشهدت الأيام التي أعقبت الاشتباكات إعلان الفصائل الخمسة آنفة الذكر انضمامها لحركة "أحرار الشام الإسلامية"، كبرى فصائل المعارضة في الشمال السوري، من دون أن يلاحظ تغير في موقف "فتح الشام" التي استمرت في هجومها على مقرات الفصائل في ريف إدلب، رغم عديد البيانات المطالبة بإيقاف الهجوم والاحتكام للمحاكم الشرعية.
وفي محاولة لاحتواء الموقف المتأزم في الشمال السوري، دعت "أحرار الشام" في بيان صادر عنها أمس الجمعة قادة الفصائل لاجتماع عاجل خلال 48 ساعة للاتفاق على تشكيل "مجلس شورى أعلى من قادة الفصائل وأهل العلم"، بالإضافة لـ"تمثيل سياسي موحد، قيادة عسكرية موحدة، مرجعية شرعية موحدة، وقضاء موحد"، محذرة "فتح الشام" من أنه إذا استمر هجومها على مقرات الحركة في منطقة "جبل الزاوية" بريف إدلب، فإنها "ستبدأ في رد الصيال على دماء عناصرها ومقراتها".
وكانت "فتح الشام" قد شهدت انشقاقات بين قيادييّها بعد بدء الهجوم على فصائل المعارضة، فيما نقلت شبكة "الدرر الشامية" عن مصدر من داخل "فتح الشام"، لم تكشف عن هويته، قوله إن: "الجبهة استقدمت قاطع البادية، المعروف بغلوه (...) كما نسقت مع جند الأقصى لسد الفراغ"، مضيفًا أن "هذان التكتلان هما المسؤولان عن عملية اقتحام جبل الزاوية بريف إدلب، بالإضافة إلى ريف حلب الغربي"، وقال إن "قيادات عديدة أعلنت خلال المدة القليلة الماضية عن تركها لجبهة فتح الشام".
وفشلت جميع مساعي التهدئة التي دعا إليها معظم الشرعيين المستقلين المتواجدين في الشمال السوري، فيما عملت "فتح الشام" على تصعيد الموقف، وقامت عناصرها منذ ظهر أمس الجمعة بمهاجمة مقرات الفصائل المنضوية تحت "أحرار الشام" في عدة بلدات من ريف إدلب، أبرزها منطقة "جبل الزاوية".
إذا تمكنت "فتح الشام" من السيطرة على الشمال السوري، فقد يبدأ النظام السوري وروسيا والتحالف الدولي، عملية عسكرية للقضاء عليها
الهجوم الأخير لـ"فتح الشام" على فصائل المعارضة، يوضح تمامًا مساعيها لبسط سيطرتها بشكل كامل على القرار السياسي والعسكري في الشمال السوري، خصيصًا بعد تكثيف مقاتلات التحالف الدولي خلال الشهر الجاري مع عملية استهدافه لقيادييها، والمقررات التي توصل إليها مؤتمر "أستانا" بين النظام والمعارضة السورية، رغم عدم توقيع وفد المعارضة على البيان الختامي.
اقرأ/ي أيضًا: مفاوضات الأستانا..ضغوط روسية ومناورات إيرانية
وتشير المعطيات المرافقة لحملة التصعيد العسكري على الأرض، أن "فتح الشام" تحاول الحصول على المزيد من الوقت قبل أن توافق على دعوة الاحتكام لـ"المحكمة الشرعية"، وتريد في الوقت ذاته أن تحقق مكاسب جديدة على الأرض على حساب الفصائل التي أعلنت انضمامها لـ"أحرار الشام"، من دون أن تبدي أي محاولة لتجنب الاصطدام مع "أحرار الشام"، حيث الوضع الراهن يقول إن سكوت الأحرار عما يحصل لن يستمر طويلًا على ما هو عليه، كونها تتعرض لضغوط داخلية تطالبها بحماية الفصائل المنضوية تحت رايتها.
كما أن "فتح الشام" باتت مدركة أنها خسرت الكثير من شعبيتها في شمال سوريا، بعد تكرارها لأحداث سابقة قامت فيها بالقضاء على عدد من الفصائل بينها حركة "حزم"، وجبهة "ثوار سوريا"، بالإضافة لما بدأ يثار من حديث عن أنها السبب في سيطرة قوات النظام والميليشيات الإيرانية على الأحياء الشرقية في حلب بعد رفض مقاتليها الانسحاب منها ما أدى لتهجير السكان إلى ريفي إدلب وحلب.
وفي حال رفضت "فتح الشام" المبادرة التي تقدمت بها "أحرار الشام" مثلما فعلت مع كافة المبادرات السابقة، وتجاهلت أن الفصائل التي تقاتلها باتت جزءًا من الحركة، وهو ما تدل عليه الوقائع الميدانية، فإن الشمال السوري سيشهد عملية اندماج بين جميع الفصائل تكون الجبهة خارجها، ما يجعل موقفها ضعيفًا، ويحتم عليها الدخول في معركة فاصلة قد تقضي على تواجدها نهائيًا.
أما إذا تمكنت "فتح الشام" من إحكام سيطرتها على الشمال السوري، فإنه من المرجح أن يبدأ النظام السوري والميليشيات الإيرانية بإسناد جوي من المقاتلات الروسية، وغالبًا التحالف الدولي، عملية عسكرية للقضاء عليها، في حين تظهر تجاهلًا واضحًا لإدراجها على لائحة "التنظيمات الإرهابية"، وهو ما سيعرض حياة آلاف المدنيين للخطر، وسيكون سيناريو مشابهًا لما حدث في مدينة حلب، قد يضع جميع الأطراف أمام قرارات مصيرية سوف تحدد مستقبل الشمال السوري بشكل عام.
اقرأ/ي أيضًا: