"ما جذبني إلى هذا الفن أن لا قيود أو ضوابط تقيده، نحن أحرار في عرض السلام/الصلام (Slam) وهذا ما أردته دائمًا"، يتحدث حاتم القروي، رائد هذا الفن في تونس، لـ"الترا صوت". اكتشف التونسيون هذا الفن للمرة الأولى، في عرض "سلام عليكم"، يوم 1 آذار/مارس 2008، عرض قدمه الثلاثي حاتم القروي، مؤدي (Slam)، ومهدي الرقيق (عازف جيتار) ونجيب الرقيق (ضابط إيقاع)، في قاعة "التياترو" بالعاصمة التونسية.
"الصلام" هو فن كلامي، يعتمد على المهارة في الخطابة وقوة الكلمات، يطرح مواضيع مختلفة، ويعالجها بشكل ساخر كوميدي أو جدّي دون أي قيود أو ضوابط
يتعلق الأمر بفن كلامي، إن صح وصفه هكذا، ظهر في منتصف الثمانينيات في الولايات المتحدة الأمريكية، وأول من أداه هو الشاعر والكاتب الأمريكي مارك سميث. هو فن يعتمد على المهارة في الخطابة وقوة الكلمات، يطرح مواضيع مختلفة، سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو غيرها، يعالجها بشكل ساخر كوميدي أو جدّي دون أي قيود أو ضوابط. يقرأ مؤدي (Slam) نصه بطريقة لافتة، ويحاول عادة معالجة مشكل ما على طريقته الخاصة.
يقول حاتم القروي لـ"الترا صوت": "كان مارك سميث محبًا للشعر لكنه كان يضجر من الأمسيات الشعرية الطويلة والتي تتحول إلى أمسيات مملة أحيانًا كثيرة فقرر أن يبعث في الشعر شيئًا من التحرر والحيوية وكانت بداية (Slam)".
يتذكر حاتم القروي بداياته مع هذا الفن قائلًا: "كتبت أول نصوصي في أيلول/سبتمبر 2007 إثر تأثري بـ"فابيان مارسو"، الكاتب ومؤدي "السلام" الفرنسي الشهير، المعروف ب "Grand corps malade". ويضيف القروي: "بعد فترة التقيت مهدي ونجيب الرقيق وأعجبتهم نصوصي وانطلقت التدريبات لإعداد أول عرض (Slam) في تونس وهو عرض يجمع الموسيقى أيضًا".
استقبل رواد قاعة "التياترو"، من مثقفين وبرجوازية تونسية وشباب متحمس لكل جديد، هذا الفن بترحاب كبير. كانت العروض الأولى جماهيرية. واندمج مع فريق عرض "سلام عليكم" أسامة المهيدي، وهو عازف بيانو تونسي شاب اشتغل لسنوات عديدة في عروض (Slam) بفرنسا.
تدريجيًا، ومع منتصف سنة 2008، خرج (Slam) في تونس من القاعات الثقافية المغلقة إلى المقاهي، وانطلقت من مقهى في حي النصر الراقي، في ضواحي العاصمة التونسية، عروض "Slam Sessions". في الأثناء، تواصل عرض "سلام عليكم" لمدة ثلاث سنوات وتطور مع انسحاب فنانين وانضمام آخرين وشارك في عدد من المهرجانات في تونس وخارجها، حتى بروز عرض آخر هو "كيف كيف"، العرض الذي جمع حاتم القروي وصبري مصباح سنة 2012 وتواصل لسنة ونصف تقريبًا.
في أوروبا، ظهر فن (Slam) في بداية التسعينيات، في السويد وفنلندا وإنجلترا ثم وصل بلجيكا وألمانيا وفرنسا. ومثّل عمل الشاعر والكاتب فابيان مارسو، المعروف بـ Grand corps malade، منعرجًا في تاريخ هذا الفن في فرنسا وحتى في دول أخرى ومنها دول المغرب العربي، وهكذا برز هذا الفن في تونس في 2008 مع حاتم القروي وفي المغرب في 2012 عن طريق مغني الراب السابق "مصطفى صلامور".
لم يخرج فن الصلام/السلام في تونس من الإطار الضيق للمقاهي والنوادي الثقافية، بشكل واضح، وهو ما أدى إلى عدم وصوله إلى عموم التونسيين، بقي هذا الفن حكرًا على فئة الشباب خاصة، وطبقة برجوازية أو متوسطة قادرة على حضور المقاهي الثقافية وارتياد ضواحي العاصمة الراقية، وذلك رغم محاولات رواده نقل العروض، من خلال المهرجانات أساسًا، إلى مدن ومحافظات داخلية في تونس.
حسب رواده، يتطلب فن (Slam) حدًا أدنى من الثقافة والوعي وربما ساهم ذلك في عدم انتشاره بشكل كبير في تونس
في هذا السياق، يرد حاتم القروي: "قد لا يكون فننا جماهيريًا كالراب مثلًا لكنني متأكد أن معظم التونسيين يعرفون كلمة (Slam) اليوم، وهي التي كانت مجهولة تمامًا تقريبًا سنة 2008 مثلًا. يتطلب هذا الفن درجة دنيا من الثقافة والوعي، ربما ساهم ذلك في عدم انتشار (Slam) بشكل كبير في تونس".
كان مارك سميث، مؤسس هذا الفن، مبتكرًا ومتمردًا حين ابتدع (Slam). في تونس أيضًا، دأب محبوه على خطاه، إذ لم تقتصر نصوص مؤدي الصلام/السلام في تونس على تناول مواضيع سياسية أو اقتصادية معقدة، تعددت المحاولات، كانت بعض النصوص ترفيهية، والأخرى نقدية للمجتمع والواقع بشكل بسيط وكلمات واضحة. بعض النصوص رافقتها الموسيقى والتجسيد المسرحي فيما كانت نصوص أخرى دون موسيقى مرافقة وعلى قدر من البساطة والبلاغة.
يتحدث حاتم القروي عن تجربته لـ"الترا صوت": "بعد الثورة، وتحديدًا في نوفمبر 2011، كوّنت مع مؤدي "سلام" آخر، هو أنيس الزقرني، ما سميناه "اللمة سلام" وهي لقاءات تجمع محبي (Slam) وهواته في بعض الفضاءات الثقافية أو المقاهي في العاصمة لممارسة فنهم، والاستماع لبعضهم البعض".
عروض "اللمة سلام" مكنت من اكتشاف مواهب جديدة في هذا المجال ومنها الشابين أنيس شوشان ومهدي محجوب. في "اللمة سلام"، لا يتجاوز النص المقدم ثلاث دقائق تقريبًا، لتجنب الإطالة ولفسح المجال لإبداعات أحباء هذا الفن.
وفي نهاية 2015، برز عرض (Slam) جديد في الساحة الثقافية التونسية وهو عرض "باسبور"، عرض يجمع الصلام/السلام بالموسيقى والمسرح والأوبرا وغيرها من الفنون. يقول عنه معده حاتم القروي: "باسبور، هي كلمة فرنسية تعني جواز السفر، وجواز السفر يمكّن من تجاوز الحدود الجغرافية، لكننا في عرضنا نتجاوز كل الحواجز والقيود، ننقد الوضع العام في تونس جامعين الجد بالهزل والجرأة والاختلاف". اليوم، من أشهر "السلامور" أو مؤدي "الصلام/السلام" في تونس، حاتم القروي، رائدهم، وأنيس الزقرني، وأنيس شوشان ومحمد الداهش، هذا الأخير الذي توجه مؤخرًا نحو التمثيل أيضًا.
اقرأ/ي أيضًا: