في العرض الأخير لفيلم التراجيديا "كفر ناحوم"، في إحدى صالات السينما الألمانية، وبسبب ازدحام الصالة وامتلاء المقاعد، كان لا بدّ لي من معاناة الجلوس مدة ساعتين على أحد الكراسي الخشبية، التي تمت إضافتها لاحقًا إلى مقدمة الصالة، لأتمكن من مشاهدة العرض الأخير، لهذا الفيلم المشوّق.
يحكي "كفر ناحوم" عن طفل سوري لاجئ في لبنان يقرر رفع دعوى ضد والديه لأنهما أنجباه إلى هذه الحياة
"كفر ناحوم" فيلم المخرجة اللبنانية نادين لبكي، الذي شارك في أداء بطولته الطفل السوري زين الرافعي؛ اختير للمنافسة ضمن قائمة أفضل فيلم ناطق باللغة الإنجليزية في قائمة ترشيحات جوائز الغولدن غلوب 2018، ورُشح للمنافسة على جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي للعام ذاته، ومؤخرًا ترشّح لمنافسات الأوسكار عن فئة أفضل فيلم أجنبي. الفيلم الذي فاز بالعديد من الجوائز في العديد من المهرجانات، يحكي قصة طفل سوري ذي اثنتي عشرة سنة، يعيش برفقة عائلته في أحد مخيمات النازحين في لبنان، حيث يقرّر عدم الاستسلام لفداحة الواقع، والتعامل مع كل الأزمات التي تحيط به، بنضج وثقة رجلٍ في الأربعين، أو الخمسين ربما.
زين الذي يقوم في بداية الفيلم برفع دعوى قضائية على والديه، اللذين كانا سبب مجيئه إلى عالمٍ تراجيديّ يمتلئ بالمعاناة والحرب، يكافح كطفل في تحمل قساوة الظروف، وبعد أن قرّر الهرب خارج الغرفة المشؤومة التي كان يعيش فيها رفقة والده السكّير وإخوته الستّة الصغار وأمه الجاهلة، وبالتحديد بعد أن قام والداه بتزويج أخته الصغيرة ذات السنوات الإحدى عشرة رغمًا عنها إلى جارهم البقّال في المخيم.
هرب زين بعيدًا للعيش عند إحدى الفتيات الإثيوبيات، التي لديها طفل غير شرعي، ليقاسمهما المعاناة والتشرد. في محطته الجديدة، يلجأ زين إلى بيع جرعات الترامادول المخلوطة بالماء، من ثم لاحقًا يضطر للتكفل بالطفل الصغير بعد تعرض والدته الإثيوبية للسجن، ما قاده فيما بعد إلى القيام ببيع هذا الطفل بمبلغ 400 دولار، في تسليط للضوء بقوة على تفاصيل الفاجعة التي يعاني منها آلاف النازحين واللاجئين في مخيمات لبنان.
اسم الفيلم المأخوذ عن اسم قرية تقع على شاطئ بحيرة طبريا، في الشمال الفلسطيني، يتكوّن من مقطعين: "كفر" وتعني الجهة، و"ناحوم" اسم نبي، كما أنها القرية التي ألقى فيها المسيح خطبته الشهيرة المعروفة بـ"عظة الجبل"، وبهذا فإن ما يرمز إليه عنوان الفيلم هو أرض البؤس، أو جهة المعاناة الإنسانية، في هذه البقعة المنكوبة من العالم، حيث يعيش مئات الآلاف من البشر المشردين نتيجة الحرب في سوريا منذ حوالي ثماني سنوات.
"كفر ناحوم" فيلم عن بؤس ومعاناة اللاجئين نتيجة الحرب في سوريا
يدفع الفيلم جميع مشاهديه إلى الرغبة الطافحة بالبكاء لشدّة المصداقية والعفوية في معالجة تفاصيله، إضافة إلى الكم الهائل من السوداوية التي تسيطر على أحداثه منذ البداية حتى النهاية، وكونِ طاقم الممثلين ليسوا ممثلين بالمعنى الاحترافي، إنما هم أناس بسطاء بعيدون أشد البعد عن عالم السينما والأوساط الفنية، كحال الطفل زين الذي بدأ الحكاية طفلًا مشردًا يلعب في شوارع مخيمات لبنان، ليصبح نجمًا عالميًا.
اقرأ/ي أيضًا:
"حوارات مع قاتل": نتفليكس تحّذرك من مشاهدة هذا الوثائقي بمفردك!