العلاقات عبر تندر والتطبيقات المماثلة تشبه الدخول إلى منزل لا أبواب له. وكثيرًا ما يفسر هذا النوع من الاحتيال بكونه كوميديًا من قبل كثيرين.
يعرض الوثائقي المسمى "محتال تندر" قصة غير محبوكة جيدًا، ولذلك هي منحازة، معتبرة أن الانحياز يقف إلى جانب الحلقة الأضعف. المخرجة الوثائقية فيليسيتي موريس، قالت إنها أرادت إنتاج فيلم "يشرك الجماهير في الخدعة"، ويساعدهم على فهم تأثير التلاعب بالعواطف في عملية الاحتيال. وأضافت "أتحدث ضد كل من يلوم الضحية أو يلصق بها العار". وأشارت فيليستي موريس إلى أنها في البداية سخرت من هذه القصص، ولكن بعد لقائها بالنساء اكتشفت أن الجانب العاطفي لا يمكن فهمه أحيانًا، أو تصور ما قد ينتج عنه. ورأت بأن هؤلاء النساء رائعات وجميلات وذكيات وهن يتمتعن بثقافة كوزموبوليتية، وتساءلت "كيف يمكن أن يحدث هذا الأمر لشخص ما؟"، وتابعت بالقول: "كنت أعرف أني أريد أن أصنع فيلمًا يعرض قصصهم وينشرها أمام الجميع ويشرك الجمهور في كيفية حدوث عملية الخداع"، بحسب ما نقل موقع مايل أونلاين. وكانت المخرجة قد ظهرت في لقاء علني إلى جانب سيسيلي فيلهوي، إحدى ضحايا سيمون، والتي احتال عليها بمبلغ 200 ألف جنيه استرليني.
يحكي فيلم "محتال تندر" كيف تمكن إسرائيلي يدعى شيمون هايوت من خداع العديد من النساء، واقتراض المال منهن بما يقدر بعشرات آلاف الدولارات وذلك بعدما كسب ثقتهن
تمكن إسرائيلي يدعى شيمون هايوت من خداع العديد من النساء، واقتراض المال منهن بما يقدر بعشرات آلاف الدولارات وذلك بعدما كسب ثقتهن. هايوت ادعى زورًا أن اسمه سيمون لفيف، نجل رجل الأعمال ليف لفيف، صاحب ثروة تقدر بمليار دولار. وقام هايوت، وهو في العشرينات من عمره، بإنشاء صفحات عبر انستغرام وغيرها من منصات التواصل الاجتماعي، وكما أنشأ حسابًا على تطبيق المواعدة المشهور والمعروف بتندر. ولجذب النساء لقب نفسه بـ"أمير الماس" على اعتبار أن عائلته تتاجر بالألماس، واستخدم الفوتوشوب من أجل لصق صورته إلى جانب أفراد عائلة الملياردير ليف لفيف. صفحات سيمون مثيرة ومحفزة للناظرين إليها لما تحتويه من مغامرات ورحلات وجمالية وميزة وتفرد. كل ما يمكن أن يضعه الصياد كطعم لاصطياد الأسماك.
كان يتظاهر بكونه ثريًا وأقام علاقات مع العديد من النساء وتمكن من خداعهن حيث اقترض منهم مبالغ مالية كبيرة ومن ثم احتال عليهن. كان يغري النساء برحلات باهظة وهدايا فخمة، مستخدمًا الأموال التي أخذها من نساء أخريات. وفي كل مرة كان يطلب المزيد من المال بحجة الحاجة إلى حماية هويته بسبب مخاوف أمنية أو غير ذلك من أعذار وحجج.
ففي موعده الأول مع سيسيلي دعاها إلى رحلة على متن طائرة خاصة إلى بلغاريا. كانت سيسيلي تعيش في لندن وقد نقرت على شاشة هاتفها للمطابقة على صورة سيمون لفيف بعدما رأت جاذبيته وجاذبية حياته. سيسيلي تريد أن تعيش مغامرة أو مغامرات على الرغم من تحذير أصدقائها لها بالتريث. من هو هذا الشخص؟ كيف تخرجين في أول موعد ضمن رحلة على متن طائرة خاصة؟ ألا تخافين؟ وسرعان ما تبدأ رسائل الحب بينهما عبر الهاتف.
لكن سيسيلي تفرح عندما تصادف المليونير الوسيم والمغامر وقد قفز أمامها على تطبيق تندر. إنه من النوع الذي ترغب به ولديه المواصفات التي تحبها. إنه أشبه بالأحلام، لكن الحلم ليس حقيقة. ومع الوقت، وبعد فوات الآوان، تكتشف سيسيلي أن الشاب الوسيم المليونير ليس كما ادعى. لقد سحب منها كل ما تملك من أموال وقامت باستدانة مبالغ مالية إضافية من أجله. إنها الآن في ورطة. وليست سيسيلي الضحية الوحيدة. هناك الكثيرات غيرها. من هنا تبدأ القصة المثيرة وتبدأ رحلة الانتقام من محتال تندر.
"لا يمكنك أن تدرك أن هذا الشخص لم يكن أبدًا صديقك، فكل لحظات الحب التي مررت بها معه لم تكن أبدًا حقيقية. وعندما حظرته بكيت. إنه أمر جنوني ما يمكن أن يفعله غسيل الدماغ"، قالت سيسيلي فيلهوي. لكن ما المقصود بغسيل الدماغ؟ هل سيمون هو من غسل دماغها؟ أم دوافعها ورغباتها وسعيها وراء المغامرات والرهان على سيمون وكأنه شركة استثمارية أو بورصة. فمن يستثمر في البورصة عليه أن يعي مخاطر استثماراته.
فما الدافع الذي يجعل شخصًا ما يستنزف بهذا الشكل ويثق إلى هذا الحد لولا المراهنة على أن ما سيعوضه وسيحصله جراء هذا الرهان سيكون أكبر وأعلى. ومن هنا جاءت الموافقة من قبل نساء سيمون على إعطائه الأموال، أو إذا صح القول، على الاستثمار في سيمون وحياته بغية الحصول على مكاسب أخرى كالحياة الباذخة التي عاشوها معه في وقت سابق. هكذا فإن سيسيلي لم تكن ضحية سيمون فقط، لكنها كانت ضحية نظرتها للحياة أولًا، وضحية نظام مزيف ووهمي ومبهرج عمل على صبغ الحب والعلاقات الإنسانية الحميمية بصبغته.
لكن طلب المال ليس جريمة. الاقتراض ليس جريمة. فالطرفان في علاقة عاطفية. من قال بأن العلاقات العاطفية قائمة على الصدق؟ ومن قال بأن العلاقات الإنسانية برمتها قائمة على الصدق؟! ومتى كان القانون يجازي طرفًا، سواء كان رجلًا أم امرأة، إذا ما أراد هذا الطرف خيانة شريكه في العلاقة! خيانة بمعنى عدم الالتزام وعدم مبادلة الشريك أو الشريكة الحب من قبل الطرف الآخر.
ومسألة أخرى يمكن الالتفات إليها تتجلى في "السرعة والتسارع". هذه العلاقات الانسانية كيف يمكن وصفها بـ"الحب" في ظل وتيرة سريعة جدًا لا تتعدى 30 يومًا، مضافًا إليها لقاءات قليلة جدًا، وفراق جغرافي شاسع بين الطرفين. وهذه الهشاشة في إرسال صورة عن جواز السفر لرجل احتسينا معه القهوة للتو تتسم بالغرابة. تساؤل آخر يمكن طرحه، لماذا لم نجد من الضحايا رجلًا واحدًا؟ ألم يستطع سيمون لفيف الاحتيال على رجال سواء بعلاقات جنسية وعاطفية أو علاقات صداقة!
لم تكن كل من هذه النساء ضحية المحتال فقط، لكنها كانت ضحية نظرتها للحياة أولًا، وضحية نظام مزيف ووهمي ومبهرج عمل على صبغ الحب والعلاقات الإنسانية الحميمية بصبغته
ولنقل إن سيسيلي وقعت تحت تأثير عشقها لسيمون لفيف، فما الذي دفع بيرنيلا سوهولم للوثوق بسيمون، مع العلم أن علاقتها بسيمون كانت علاقة صداقة فقط لا غير. لقد خرجت بيرنيلا مع سيمون بحضرة عشيقته وقضت أوقات جامحة برفقته، فما الضغط الذي رزحت تحته لتقوم بإقراض سيمون مبالغ مالية كبيرة إذا ما استثنينا مشاعر الحب التي لم تكن موجودة ضمن علاقتهما؟ هل الصداقة هي الدافع أم الرغبة في عيش الحياة التي يعيشها سيمون. الرغبة في مرافقة سيمون في مغامراته. الرغبة في الاستثمار بهذه العلاقة التي تراها رابحة من وجهة نظرها وذات منفعة ومردود وقيمة مضافة بالنسبة لها.
في حديثها تقول بيرنيلا "أوه، رجل ألماس آخر" في إشارة إلى أنها دومًا تسعى للمطابقة مع رجال من هذا الصنف. تجدر الإشارة هنا إلى أن بيرنيلا وبعد استلامها للشيك بقيمة مائة ألف دولار من سيمون "طارت من الفرحة". استثمارها أتى بربح. لكن خاب أملها حين اكتشافها عدم القدرة على صرف الشيك!
فالمسألة هنا أبعد من كذب سيمون وخيانته أو ما ألصق به من تهم في الوثائقي بكونه محتالًا. هناك مسائل يجب البحث فيها، وتكمن في مسؤوليات النساء اللواتي وصفن بكونهن ضحايا. إنهن يتحملن جزءًا من المسؤولية أيضًا. صحيح إنهن ضحايا، لكنهن ضحايا النظام الرأسمالي ومنتجاته. ضحايا إعادة قولبة المفاهيم والمشاعر والأحاسيس لتتناسب مع روح العصر. تم تحويل الحب إلى "فاست فوود" أو "جانك فوود".
بات الحب المعاصر لعبة خطيرة، وخاصة الحب الذي يبدأ بعلاقات سريعة في العالم الافتراضي. ليس من السهل الحصول على الحب عبر تطبيقات المواعدة التي تنشأ العلاقات فيها من خلال الشكل، وعبر وجود ملايين من الخيارات أمامنا على الشاشة. ذلك الحب المبني على الصورة والمشهدية الخارجية والألوان والمونتاج والأزياء والسيجار والحفلات والطائرات واليخوت والفنادق الفخمة، وطبعًا الألماس. يمكن القول إن الحب هو الضحية. هكذا وثائقي بحاجة لثيمة الحب لأنه يقتات على المفردة ذات الجاذبية. يمكن القول إن الألماس قد فاز على الحب. يقول سيمون في دفاعه عن نفسه "هؤلاء النساء استمتعن برفقتي، وسافرن ورأين العالم دون أن يكلفهن ذلك عشرة سنتات".
وأما شعار "نصدق الناجيات" لا يمكن أن يحمل بشكل مطلق كي لا يصبح شعارًا وثوقيًا. إنه شعار أشبه بعقيدة دينية جامدة. ربما هنا يجب استحضار فيلم The Hunt وفيلم Gone Girl لنرى الحقيقة من زاوية أخرى. سيمون لفيف محتال، فطر آمال شريكاته، وهذا أمر يستحضر كامل التعاطف معهن. لكن أن يتابع هذا المحتال حياته بعد 5 أشهر قضاها في السجن (وليس بسبب تهم الاحتيال عبر تندر)، وبزخم أعلى من السابق وأن ينسج كل هذه العلاقات الاجتماعية والعاطفية مع نساء جدد، وأن يحصل على كل هذه الامكانيات والأموال والمظاهر المترفة! إنه أمر يدعو للاستغراب والتوقف عنده وملاحظته. فسيمون كان لا يزال على انستغرام ويحظى بمئة ألف متابع، وعشرون ألفًا على تيك توك، بحسب ما أشار موقع THE WRAP.
الواقع أن الوثائقي من جهة يدافع عن النساء في مواجهة محتال تندر، لكنه لا يجيب عن هذه الأسئلة ويغض الطرف عن مسائل جوهرية في بناء العلاقات الإنسانية الحبية. ويمكن هنا التساؤل عن دور منصة نتفليكس في إنتاج وثائقيات وأفلام تهدف إلى ترويج الشفقة وإنتاج أي فكرة قابلة للانتشار والنجاح جماهيريًا واستغلالها للكسب المادي وتحقيق ملايين المشاهدات!
فلماذا تم تصوير الفيلم وكأنه موجه ناحية سيمون لفيف تحديدًا، بدلًا من عرض تجارب النساء في التعرض للخداع ماليًا وعاطفيًا. هذا التوجيه ناحية لفيف أكسبه شهرة واسعة وصار له "فان كلوب". وبحسب موقع ET فإن لفيف وقع عقدًا مع غينا رودريغيز، وهي مديرة إنتاج، على أمل دخول عالم الترفيه إما عبر برنامج بودكاست يحاكي العلاقات وإما عبر تأليف كتاب. تقول رودريغيز، نقلًا عن موقع ET "كنت مفتونة بقصة الوثائقي، ورأيت أعظم رجل مبيعات وتسويق في العالم"، وأضافت "الوثائقي ترك عندي حيرة وأسئلة دون إجابة. أعتقد أن هناك جانبان لكل قصة ويجب أن تتاح للجميع الفرصة لرواية القصة جانبهم من".
مدة الوثائقي 114 دقيقة، ومن إنتاج نتفليكس وصدر هذا العام. وبعد عرض الوثائقي على المنصة، تم حظر حساب سيمون على تطبيق تندر وتطبيقات أخرى بحجة انتهاك شروط وأحكام الاستخدام. وبعد عرض الوثائقي تم إطلاق حملة لجمع التبرعات من قبل النساء الثلاث في الوثائقي في محاولة لاسترداد الأموال التي خسرنها.