في فيلمه "Journey's End" (2017)، يُحاول المخرج البريطانيّ شاول ديب (Saul Dibb) أن يُحيط بعدّة أمورٍ في آن معًا. فإلى جانب تناوله لحدثٍ من أحداث الحرب العالمية الأولى المأساوية، نجدهُ أيضًا يركّز على حياة الجنود في ظلّ الحرب، نتحدّث عن الهواجس، الأمنيات، الطموحات، والرغبة في انتهاء كلّ ما يعيشونه من بؤسٍ وشقاء وخوف بصورةٍ مستمرّة. وأيضًا، التوغّل في أعماق كلّ فردّ منهم على حدة، لا سيما النفسية التي تعيشُ أزماتٍ عدّة.
يركّز فيلم "Journey's End" على حياة الجنود في ظلّ الحرب، هواجسهم وأمنياتهم
يفعل المخرج ذلك من خلال تصويره واقع حياة مجموعة من الجنود البريطانيين في إحدى القُرى الفرنسية، ضمن ما كان يُعرف آنذاك بالجبهة الغربية لدول الحلفاء. القرية التي كانت تُحيط بها مجموعة من الخنادق، كانت تشكّل ما يُمكن أن نسمّيه طوق أمان الجبهة، أو خطّ الدفاع الأوّل عنها في وجه زحف قوّات الجيش الألمانيّ المستمرّ، والمتمركزة على بعد أمتار قليلة من خنادق جيش الحلفاء، تلك التي كانت العقبة الوحيدة في وجه توسّع الألمان جغرافيًا على حساب الحلفاء، باعتبارها البوابّة الرئيسية التي تمكّن الألمان، في حال تجاوزها، من فعل ذلك.
اقرأ/ي أيضًا: فيلم The Lobster: دكتاتورية المجتمع على الفرد
الخنادق التي كان الجنود البريطانيون يتمركزون فيها، كانت تعيش أزمات عديدة أفقدتها قدرتها على تحمّل أي معارك أو اشتباكات من الممكن أن تحدث فجأة، أو صدّ أي هجوم مُفاجئ أيضًا، ذلك أنّها كانت متداعية، وتنهار من تلقاء نفسها لولا أعمال ترميمها المستمرة بشكلٍ يوميّ. الأمر الذي أفقدها، بشكلٍ أو بآخر، تسمية خنادق معارك، وتحوّلت إلى أمكنةٍ يُمكن القول إنها مأوى لجنودٍ فقدوا طريقتهم في العيش، والاحتجاج، وحتّى التذمّر، وباستثناء التنفّس والتبوّل والحديث وتناول الطعام، لم يكن هناك ما يدلُّ على أنّ هؤلاء الجنود أحياء إطلاقًا.
في البحث عن أسباب ذلك، نجد أنّ العامل الأوّل هو سخاء الخنادق في منح الجنود الأزمات والعُقد النفسية، باعتبارها المكان الفاصل بين الموت والحياة. ذلك أنّ ما كان يعيشه الجنود في الخنادق هو الانتظار، الانتظار وحسب، دون أن تكون ملامح ما ينتظرونه واضحةً أيضًا. فتارةً ينتظرون حدوث ما يترقّبونه بخوفٍ وخشية، أي الموت الذي وجدوا فيه سبيلًا لإنهاء حالة الانتظار وما يُصاحبها من خوفٍ ومللٍ وفقدان القدرة على العيش. وتارةً أخرى ينتظرون انتهاء الحرب ومغادرة الجبهة، وبالتالي التخلّص من الانتظار والموت في آن معًا. غير أنّ ما هو قريب أكثر للتحقّق والحدوث، كان انتظار الموت الذي يُحمّل الجنود ضغوطاتٍ نفسية كبيرة، لا سيما وأنّ الموت الذي سيكون من صناعة وترتيب الجنود الألمان المتمركزين على بعد أمتار قليلة من الخنادق، سيكون أيضًا هزيمة للحلفاء، وفرصة للسيطرة على مساحاتٍ جغرافية أخرى.
بهذا الشكل، وفقًا لما سبق، يكون الأمر الواضح في الشريط، هو أزمات الجنود النفسية الحادّة، تلك التي لا تؤهّلهم لصدّ أي هجومٍ ألمانيّ كان، مع أخذ قرار قيادة المنطقة، بأنّ ما من تعزيزات وإمدادات سوف تصل في حال وقع الهجوم، بعين الاعتبار أيضًا. وهو أمر ألقى بظلاله على الجنود أيضًا، َوكان له دور في مضاعفة حالة التوتّر التي يعيشونها. لا سيما الضابط المسؤول عن قيادة سرية الجنود، ستانهوب (Sam Claflin) أكثر شخصيات العمل، والجنود أيضًا، توتّرًا واضطّرابًا نفسيًا.
في فيلم "Journey's End"، أزمات الجنود البريطانيين النفسية الحادّة لا تؤهّلهم لصدّ أي هجومٍ ألمانيّ
من خلاله، نكتشف عملية التحوّل الخطيرة التي تطرأ على كلّ العاملين على جبهات القتال، ذلك أنّ من يصلها، أي الجبهة، يصلها بشغفٍ كبير للقتال والدفاع، سرعان ما ينطفئ هذا الشغف سريعًا، ويتحوّل إلى ترقّب للحظة الموت، وفي بعض الأحيان، يتمنون حدوثها سريعًا لكي يتفادوا شعور انتظارها كثيرًا. هكذا، يتحوّل ستانهوب من ضابطٍ مُخلصٍ لعمله، ومؤتمن على حياة جنوده وحدود البلاد، إلى شخص آخر سريع الغضب، كثير التذمّر والاحتجاج، وتأمل المصير البائس الذي ينتظره وجنوده، يُكثر من شرب الخمر للهروب من الواقع المُحيط به، وفكرة أنّ الخندق الذي يمكث فيه، غير قادر على صد هجمات الألمان، وأنّ الموت سيطال كلّ جنوده.
اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Green Book".. دليلك لاكتشاف ذاتك بالآخرين
اقرأ/ي أيضًا: