يُستهل فيلم "الفتاة الطويلة" (Tall Girl) بمشهد في المكتبة أثناء قراءة كتاب بعنوان "كونفدرالية المغفلين" وموضوعه الاغتراب، وتشرح جودي لزميل لها في المكتبة بقولها "الاغتراب يتحدث عن شخص يحاول إيجاد الاعتراف في عالم غير معترف به". من المشهد الاستهلالي الأول تتضح معاناة جودي مع جسدها ومع العالم الذي يحيط بها.
الاغتراب منبع قوتها لأنها وظّفته كوسيلة لتنمية ثقافتها وقراءة مئات الكتب، لكنه أيضًا منبع مشاكلها. صحيح تتباهى جودي بالقوة لكنها من الداخل فتاة حزينة. إنها "ناطحة سحاب" بالنسبة لمن يراها، فيبلغ طولها 186 سنتيمترًا ومقاس قدمها كبير جدًا وعمرها 16 سنة فقط.
في فيلم "فتاة طويلة"، يكون الاغتراب منبع قوة البطلة، كونها وظّفته لتنمية ثقافتها وقراءة مئات الكتب
جودي تعاني من خلل في "جين" النمو السريع، وكانت على الدوام أطول فتاة في صفها، وكانت تقف دائمًا في الصفوف الخلفية أثناء التقاط الصور. قدماها تتدليان عن السرير لأنها طويلة، وتجلس في الطائرات والسيارات والقطارات جانبيًا بسبب طول أقدامها. وهي بارعة جدًا في العزف على البيانو، لكنها توقفت عن العزف لأن الناس حين يرون أشخاصًا بارعين يحدقون بهم على الدوام، لذلك توقفت عن العزف كي لا تضع نفسها نصب أعين الآخرين.
قصة الفيلم
جاك دنكلمان شاب يحب جودي منذ أن كانا في المرحلة الابتدائية. جاك يحمل كتبه في صندوق خشبي بدلًا من حمل حقيبة، ولا أحد يدري السبب في ذلك. إنه متوسط القامة ويريد مواعدتها لكنها ترفض طلبه عدة مرات لأنها تشعر بفروق جسدية بينها وبينه. فكرتها عن المواعدة تتمثل في مواعدة رجل طويل القامة ليتناسب مع طولها.
اقرأ/ي أيضًا: فيلم "الرجل الذي عرف اللانهاية".. رامانوغان عبقري الرياضيات المنسي
وفي بداية العام الدراسي الجديد يدخل طالب اسمه ستيغ، شاب طويل القامة آتٍ من السويد حيث غالبية المواطنين فارعي الطول. وينجذب كل من جودي وستيغ إلى بعضهما البعض، فيغار جاك من ستيغ لكنه سرعان ما يكتشف أن هذا العملاق السويدي الضخم سيمكث في منزله كضيف، مما يعقد المسألة أكثر على جاك وتتوالى الأحداث.
ألقاب ساخرة!
جودي تحاول أن تجتاز يومها بدون تهكم أو أسئلة ساخرة مثل "كيف حال الطقس عندك في الأعلى؟". يلقبونها في المدرسة "ساق الفاصوليا وقرن الفول"، والتنمر يطالها منذ صغرها بسبب أن كف يدها طويل. وتتذكر جودي حادثة أثناء طفولتها حين قالت أمام الصف أنها تحب تايلور سويفت Taylor swift لكن إحدى الفتيات المتنمرات ردت بالقول "هل تمزحين! أنت تحبين Taller swift" ثم يضحك الجميع على النكتة.
في موقف آخر، يقوم أحد زملائها في المدرسة بالاتصال بها ودعوتها إلى الحفل الراقص قائلًا إنه ستيغ، تفرح أن الشاب السويدي الجميل ذو الطول الفارع قد أعجب بها، وحين تسأله من أين حصل على رقمها يجيب "من دليل الزرافات الكبيرة"، ثم يضحك ويتبين أن المتصل إنما يريد الهزء منها.
تقضي جودي، بطلة "فتاة طويلة"، سحابة يومها بالتعرض للسخرية والتنمر بسبب طول قامتها
تشوه السخرية جزءًا من روحها لذلك فإنها تهرب وتختبئ داخل المرحاض، وتقرأ لوحدها لساعات مفضلة الوحدة والانعزال. وتبدأ في البحث عبر النت حول إمكانية إجراء عملية جراحية لتصغير حجمها. جسدها الطويل بات عبئًا عليها.
معاملة استثنائية
والدها لا يتقبلها كما هي لأنه يريدها أن تكون أفضل مما هي عليه وأن تحصل على الأفضل دومًا، ويشعر بالقلق الدائم عليها مما يسبب لها قلقًا متزايدًا. في إحدى المرات أثناء عودتها من المدرسة وجدت حفلة في منزلها. لقد قام والداها بدعوة مجموعة من طوال القامة مما أشعرها بالغضب، فوالدها في كل مرة يحاول القيام بشيء لأجلها ينقلب الأمر ويشعرها بالضيق.
اقرأ/ي أيضًا: في فيلم "الطفيلي".. رائحة الفقراء في مرايا السينما
وينشد أعضاء نادي طوال القامة نشيدهم الخاص "أيها الرائعون أصحاب الأقدام الجميلة، وملابس لا تكون أبدًا على مقاسهم، لكونهم ضخام البنية الخارجية، إنكم تصابون بشد عضلي في كل رحلة". تبدو عليهم علامات المرح والفرح والارتياح، لكن إحداهن تقول "إنه أمر مقرف أن تكون طويل القامة".
لا ينفك والدها يسألها إن كانت تشتكي من أوجاع في جسدها، ويكرر أمامها ذكر "ياو ديفين" أطول امراة في العالم والتي ماتت عام 2002 عن عمر 40 عامًا، وبلغ طولها مترين و33 سنتيمترًا. لكن جودي بكل بساطة تريد أن يعاملها كأنها فتاة طبيعية ويتوقف عن اتباع أسلوب استثنائي في تعامله معها، مما يزيد من شعورها بالاختلاف وبالفروقات بينها وبين الآخرين.
تصورات المجتمع
أختها الكبيرة جميلة وتتمادى في الاهتمام بجمالها وهي تستعد لخوض مسابقة ملكة الجمال. فكرة أختها عن الجمال هي كالآتي: "تغيير هيئتها بالكامل بدءًا من ثيابها الصبيانية حتى شعرها والماكياج"، فالعلاقات الغرامية بنظر أختها مبنية على الشكل الجميل.
هكذا يلعب الشكل الجسدي، بكل عناصره التزينية والتجميلية الدور الأول، في بناء العلاقات الإنسانية بين الرجل والمرأة، وفي العلاقات بين أفراد المجتمع ككل، في مقابل إهمال للمعايير الأخرى الفكرية والروحية والعاطفية التي يتحلى بها أي كائن إنساني. ووفقًا لهذه النظرة فإن الموقف يعتبر أصعب على المرأة من الرجل، إذ يعتبر المجتمع أن طول الرجل أمر جميل بينما طول المرأة منفر.
حتى جاك دنكلمان يقع فريسة لتصورات المجتمع عن الجمال ولتصورات البشرية عن الجمال. فحين يطلب ستيغ من جاك مرافقته في المدرسة يرفض جاك ذلك مبررًا بالقول: "حين أكون وحدي تكون قدرتي على الجذب قوية تصل إلى 7/10، بينما حين أتواجد بقربك فإنني بالكاد أظهر ولا تتم ملاحظتي أبدًا!".
يلعب الشكل الجسدي، بكل عناصره التزينية والتجميلية الدور الأول، في بناء العلاقات الإنسانية بين الرجل والمرأة
يطرح جاك في هذه الجملة قاعدة سوسيولوجية عميقة تفيد بأن "الإنسان يساوي جسده". مفكرو سوسيولوجيا الجسد يقولون "العين تلتقط المشوه سريعًا". ويطرح الفيلم أيضًا فكرة مفادها أن معايير الجمال تختلف بين منطقة وأخرى، فستيغ كان يظن نفسه قبيحًا في السويد، بينما حينما أتى إلى أمريكا صار ينظر إليه بأنه فائق الجمال.
لغز الصندوق الخشبي
جاك يعرف كل ما تحبه جولي وكل ما تكرهه ويعرف تفاصيلها ويلاحظ حركاتها وتصرفاتها. إنه يحفظ تاريخ ميلادها، لون عينيها، كتبها المفضلة والرائحة الطيبة التي تنبعث منها. جاك لديه اصرار وحلم لمواعدتها ومستعد للدفاع عنها وعن حلمه. إنه مساند لها ويحرضها دومًا على لبس كعب رفيع مرتفع مما يثير استغرابها. إنها فتاة طويلة فكيف لها أن تنتعل حذاء يزيد من طولها أكثر فأكثر!
اقرأ/ي أيضًا: بعد "الباباوان"... عودة واجبة إلى ناني موريتي؟
وتعيد جولي التفكير في حساباتها، فهي لن تسعى وراء الشاب السويدي الجميل لأنه لم يدافع عنها، وتختار جاك لأنه صان شرفها في غيابها بينما ستيغ سخر منها أمام الجميع. ويتضح أن الصندوق الخشبي الذي يحمله جاك على الدوام إنما كان للوقوف عليه وتقبيل جودي حين تقبل به فيتحقق حلمه.
في النهاية تتصالح جولي مع نفسها بالقول: "أحب نفسي، والطقس عندي هنا في الأعلى جميل جدًا".
اقرأ/ي أيضًا: