لوسيانا شابة تعمل في طباعة النصوص لدى أحد الكتاب المغمورين ويدعى كلوستر. لكن خيالات كلوستر الجنسية تجعله يقدم على تقبيلها ظنًا منه أن هناك إعجابًا متبادلًا، غير أنه يجابه بالرفض من قبل لوسيانا التي تخرج من منزله مسرعة وهاربة. وسرعان ما تتقدم نحوه بشكوى مطالبة بتعويض ومتهمة إياه بالتحرش الجنسي في مكان العمل. في المقابل فإن كلوستر متزوج من امرأة تعاني من اضطراب نفسي ولديهما ابنة تبلغ من العمر 5 سنوات وتدعى بولي.
يروي فيلم "The Wrath of God" قصة كاتب يظن نفسه إلهًا كلي القدرة، وله السلطة على تحقيق العدل والعدالة بيديه
تصل دعوى التحرش القضائية من المحكمة إلى منزل كلوستر وتستلمها زوجته، مما يدخلها في حالة من التوتر الشديد، وتنتابها هستيريا تؤدي بها إلى قتل ابنتها والانتحار عبر ابتلاع علبة من الحبوب المهدئة. يعتبر كلوستر أن لوسيانا هي المسؤولة عن المأساة التي حلت بعائلته وعن الألم الذي لحق به، وهكذا يقرر الانتقام منها وتدفعيها ثمن ما ارتكبته بحقه أضعافًا مضاعفة. تبدأ عملية تصفية أفراد عائلة لوسيانا من قبل كلوستر، وتستغيث لوسيانا بصديقها الصحفي لمساعدتها في الكشف عن ما يحصل لعائلتها ولإثبات أن كلوستر هو المتهم.
فيلم "The Wrath of God" مدته 97 دقيقة، من إخراج الأرجنتيني سيباستيان شيندل، ومن تمثيل دييغو بيريتي وخوان مينوجين وماكارينا أشاغا ومونيكا أنتوبوليس. ومقتبس من رواية The Slow Death of Luciana B للكاتب الأرجنتيني غيلييرمو مارتينيز، وكتابة سيناريو مشتركة بين شيندل وبابلو ديل تيسو. صدر الفيلم هذا العام ومن إنتاج نتفليكس.
ثنائية الكاتب/الإله
إنها قصة كاتب يظن نفسه إلهًا كلي القدرة، وله السلطة على تحقيق العدل والعدالة بيديه. إنها ثنائية الكاتب/الإله، فكلوستر تعامل مع قضية مقتل عائلته بكونها حكاية في "رواية جريمة" هو بطلها. ولكن بدلًا من كونها حكاية مكتوبة بالحبر، فإنه هذه المرة يقوم بخلقها وفعلها ونقلها من الحيز الخيالي إلى الحيز العملي، فصار تبعًا لذلك يؤدي ويحدد مسار الأحداث بأفعاله، وربما كانت هذه أعراض اضطراب نفساني يعاني منه الكاتب/الإله كلوستر، المصاب باضطراب جنون العظمة، والمتوهم دورًا خاصًا منوطًا به في الحياة البشرية، وكأن الرب قد خصه برسالة.
تتمظهر ألوهية كلوستر من رمزية مكانته ككاتب يقوم بتلقين لوسيانا الموظفة عنده بما يجب عليها كتابته. كلوستر يملي أوامره/مشيئته على لوسيانا والتي بدورها عليها الطاعة. غير أن لوسيانا ارتكبت "خطيئة" تجاه كلوستر، من وجهة نظره، فكان أن سخط عليها. كلوستر يعتبر نفسه إلهًا يحقّ له الغضب من لوسيانا لأنها عصت مشيئته ورغبته حين تقدم لتقبيلها. هذه المعصية تستوجب غضبًا وعقابًا إلهيًا.
الله والبشر يعبّران عن "الغضب"، لكن هناك اختلافات في طبيعة الغضب بين الله والبشر. يظهر غضب الله في الكتب المقدسة، وهو غضب "مقدس ومبرر" دومًا، فالله وحده القادر على التعبير عن الغضب بدون خطيئة. في المقابل، فإن غضب الإنسان يفتقد في كثير من الأحيان للمبرر، وهو غضب ليس مقدسًا على الإطلاق. ويمكن تعريف الغضب بكونه "استجابة عاطفية ذاتية تجاه الظلم"، والظلم هنا يحيل إلى غياب العدالة المرادفة للاعدالة. وتبعًا لذلك، فإن لا حدود لغضب كلوستر، لأنه ينصب نفسه إليهًا وما يصدر عنه إنما غضبًا مبررًا ومقدسًا.
لوسيانا ارتكبت خطيئة بنظر كلوستر، وهي تحمل الأنانية والخبث والقسوة في قلبها لإقدامها على ما فعلته وما كانت تبتغيه من وراء فعلتها: يرى كلوستر أن لوسيانا كانت جشعة تريد المال وبهدف تحقيق مرادها ذهبت إلى المحكمة، لذا فإن قلبها ليس طاهرًا كفاية. وكذلك يصف كلوستر شخصية لوسيانا بكونها غاوية ومتلاعبة، عمدت إلى إرسال تلميحات له ليقبلها لكنها عادت وانقضت عليه بعد مبادرته لتقبيلها.
وصحيح أن القانون البشري لا يعاقب لوسيانا على "سلوكها"، لا بل يكافئها لكونها "ضحية" تحرش جنسي أثناء العمل، غير أن العدالة الإلهية لديها رأي أخر في المسألة! ومن هو المخول لتطبيق العدالة الإلهية؟ إنه كلوستر. هذه الإشكالية تفتح على مصراعيها للنقاش، بالرغم من عدم إيفاءها حقها في الفيلم والاكتفاء بطرحها في عمق الفيلم الداخلي وليس في شكله الخارجي.
في العهد الجديد، يوضح يوحنا "إن كل من يرفض ابن الله سيكون تحت غضب الله"، وفي المقابل، فإن كل من يصدق ويتبع ابن الله سيكون له حياة خالدة وسيختبر نعمة الله. وغضب الله يتناسب مع خطيئة الإنسان. وتشير رسالة يوحنا الأولى بالقول "الله محبة، والله يفعل كل شيء لمجده. الله يحب مجده قبل كل شيء. لذلك، يحكم الله العالم بطريقة تجلب لنفسه أقصى درجات المجد. هذا يعني أن الله يجب أن يتصرف بعدل ويدين الخطيئة، وإلا لما كان الله هو الله. إن محبة الله لمجده تحفز غضبه على الخطيئة". هذه الرسالة مخطوطة بقلم كلوستر، ولكأنها شرعة ودستور يقتدي كلوستر بها. وهكذا يتصرف كلوستر بازدواجية بين معاقبة لوسيانا على خطيئتها وبين محبته لفالنتينا أخت لوسيانا الصغرى.
لا توجد مصادفات في فيلم "The Wrath of God"، فكل شيء مخطط مسبقًا. لأن للرب خطة، كما تقول إحدى الشخصيات، بالرغم من أننا لا نفهمها
لا توجد مصادفات مع كلوستر، كذا لا توجد مصادفات عند الرب. كل شيء مخطط مسبقًا. فللرب خطة، بالرغم من أننا لا نفهمها. عدم الفهم يبرر الموت المتكرر والفقد الذي يعيشه الإنسان. عدم الفهم، يحمينا، ككائنات مفكرة، من التفكير والدخول في حالة من القلق والاكتئاب والتوتر والاضطراب وذلك عبر رمي الكرة في ملعب الآلهة.
فلسفة مغايرة للعين بالعين والسن بالسن
تختلف تفسيرات وتأويلات قانون القصاص والعقاب "العين بالعين والسن بالسن"، فمن شريعة حمورابي إلى التفسيرات في الديانات الإبراهمية والتي تحفل كل ديانة من هذه الديانات بتفسيرات مختلفة. ينص قانون حمورابي مثلًا "إذا تسبب رجل في فقدان عين رجل آخر، فيجب التعويض عن ذلك بضرب أحد عيني الرجل البادئ. وإذا قام رجل بتحطيم سن رجل وجب تحطيم سن الرجل البادئ"، ومع ذلك يمكن التعويض بفدية مالية تعويضًا عن الضرر.
في اليهودية يمكن أن يعني القانون المشار إليه تعويضًا نقديًا للطرف المتعرض للأذى، أو قصاصًا متناسبًا مع حجم الضرر شرط ألا يتعدى القصاص الضرر الأساسي الناتج بفعل الأذية. بينما ترى الديانة المسيحية أنه من الخطأ أن يقدم الإنسان على الانتقام لأن الله مخول بالاقتصاص من الخطائين. في الإسلام ربما في بعض الأحيان تتخذ العقوبة معنى أكثر حرفية كأن تكون العقوبة "قطع اليد اليسرى للسارق"، ولكنها خاضعة للتأويل ولعنصري المكان والزمان أيضًا. وكما هناك قصاص أخر يتمثل بدفع "الدية" من قبل الشخص الجاني وقد تكون الدية مالًا أو غير ذلك.
الأساس يكمن في تأكيد وجوب أن "العقوبة تتناسب مع الجريمة"، ولكن حتى هذا الوجوب يبقى أمر نسبي ومدعاة للتأويل. من هنا يذهب كلوستر في التطرف بانتقامه وفي تنفيذ القانون، فلو أراد لقتل لوسيانا منذ البداية، لكنه فضل أن يلحق بها مقدار من الألم مساو لما ألحق به من ألم، معتبرًا أن قتلها لن يكون مساو لخطيئتها والضرر والألم الذي ألحقته به.
يقول كلوستر: "لا يوجد منظور آخر للعين بالعين. فالعين بالعين تعني أن نفعل بالمعتدي ما فعله بالضحية. بل تسعى المقولة إلى تحقيق عقاب يعادل المعاناة التي ألحقها الجاني". يضرب كلوستر مثالًا: زوجتي راقصة باليه، قام سائق مهمل بكسر عظمة ساقها، وقضى على مسيرتها الفنية. ولتحقيق مبدأ العين بالعين، لن يكفي كسر عظمة ساق السائق، لأن المعاناة التي سببها لزوجتي عبر قضائه على مسيرتها تتجاوز كسر عظمة الساق بحد ذاته".
لكن من هو المخول للبحث في مسألة مقدار الألم ومقدار القصاص الواجب اتخاذه؟! إنها مسألة تخرج من القدرة البشرية كونها مسألة ذاتية وغير موضوعية، فالعدل والعدالة عند البشر تهدف إلى حماية المجتمع وإنصاف المتضرر، لكنها لا تتمكن بأي حال من الأحوال الولوج إلى أعمق أعماق المتضرر لفحص مدى الألم بداخله. في المقابل، العدالة الإلهية قادرة على ذلك، من وجهة نظر كلوستر، ومن سيكون أفضل منه لتنفيذ عدالة الله على الأرض!
الواقع يمر بالخيال
في حوار مع كلوستر يجيب على سؤال: بالنسبة إليك، ما جوهر القصة المشوقة؟ يقول كلوستر "قطعًا ليست الأحداث، ولا تسلسل الجثث، بل التخمينات والتفسيرات المحتملة. بمعنى القراءة بين السطور. الحسابات الشيطانية والتردد السابق لكل مشهد". ويضيف كلوستر بأنه وجد مصدر إلهام جديد لكتاباته. وطبعًا لوسيانا هي ذلك النبع الذي يستلهم منه كلوستر (خيال جنح نحو المرض).
يقول هنري جيمس، نقلًا عن لسان كلوستر: "الخيال ينافس الحياة، إن كان يمكن للخيال أن يحيي، فيمكنه أيضًا أن يميت"، ويشير إلى أهمية الجوهر في التحليل النفسي للشخصيات. نحن بصدد تصريح عن الإبداع الأدبي من قبل بطل/كاتب كتب رواية وفق هذا المنهج وداخل فيلم يطرح حكاية غامضة وفق ها المنهج أيضًا. إنه درس في الكتابة الأدبية، ومن هذه الكتابة يعطينا المخرج مفاتيح لفهم ما يدور في رأس أبطاله وما يحركهم.
أوهام مرضية
هناك مسألة تواجهنا حول الأوهام التي تعترض لوسيانا وحول مدى الاضطراب النفسي الذي تعاني منه (أخوها يطلب من الممرضة الاتصال بالطبيب النفسي إثر نوبة هستيرية تصيب لوسيانا في المستشفى). نحن أمام احتمالين وتفسيرين. هذا ما يحمله الفيلم من تخمينات: هناك شك دائم حول من ينفذ عمليات القتل. هل هو كلوستر أم الإرادة الإلهية؟ هذا التساؤل مشروع في ظل التهيؤات التي ترينا إياها لوسيانا، تهيؤات ربما تحيل إلى تبرئة كلوستر من المسألة. يتهيئ لها أن كلوستر يلاحقها وهو السبب في مقتل أفراد عائلتها، لكن هذه التهيؤات ناجمة عن شعورها بالذنب لما اقترفته وعن إحساسها بمسؤولية ما عن مقتل زوجة كلوستر وابنته أي مرسيدس وباولي (والدها يقول لها بأنها يجب أن تجد حلًا لما هو عالق بينها وبين ربها).
يقول هنري جيمس، نقلًا عن لسان كلوستر: "الخيال ينافس الحياة، إن كان يمكن للخيال أن يحيي، فيمكنه أيضًا أن يميت"
تداخل الإرادة الإنسانية والإرادة الإلهية
هل كلوستر هو القاتل أم لوسيانا هي المتلاعبة المريضة؟ لوسيانا هي من قامت بتجميع الفطر السام، كيف أخطأت بين الفطر غير السام والفطر السام، علمًا أنها كانت تعرف الكثير من المعلومات عن الفطر!؟ تخمينات عدة هنا أيضًا. في كل حالة وفاة لفرد من أفراد عائلتها هناك ميل مباشر لاتهام كلوستر، وهناك ميل أقل وغير مباشر لالصاق التهمة بالقضاء والقدر.
هل كلوستر ولوسيانا هما اللاعبان الأساسيان في القصة؟ أم أن هناك لاعبًا ثالثًا تدخلت إرادته أيضًا في مسار الأحداث، وهذا اللاعب الثالث هو الإرادة الإلهية! ربما هناك اجتماع لإرادات عدة. هناك إرادة إلهية (مقتل الوالدة في حريق دار المسنين ذهب ضحيته العشرات!) وهناك وفاة ناجمة عن انتقام كلوستر (قتل الأخ الأول والأخ الثاني) وهناك قتل لوالدها ناجم عن تسمم (قامت بذلك لوسيانا لشعورها بعقدة الذنب).
وهناك احتراق لدار الرعاية ومقتل والدة لوسيانا، فالنيران المندلعة في أرجاء المدينة إنما ترمز إلى صفة من صفات الله: الله محبة"، وأيضًا "الله نار مشتعلة وهو المنتقم". وهناك مسؤولية مشتركة بين كلوستر ولوسيانا عن انتحارها، مسؤولية كلوستر في دفعها لذلك، ومسؤوليتها بسبب خلل في توازن صحتها العقلية. لذلك، وكما نرى، فإن هناك تشابكًا في الإرادات والأفعال الإنسانية والإلهية على حد سواء يجعل من الصعب إلقاء تهم القتل على كلوستر لوحده.
انتقام حتى الرمق الأخير
بحسب الرواية التي يكتبها كلوستر، فإنه يريد موتًا بطيئًا للوسيانا. عليها أن تكتوي بنار الألم والعذاب. يجب أن تحترق روحها ببطء. وحين تصل إلى مرحلة اليأس، حينها وفقط حينها ستنال الرحمة بأن يتم قتلها أو أن تنهي حياتها بيدها. لا يثير اقتراح لوسيانا للانتحار أي مفاجأة من قبل كلوستر في نهاية الفيلم، لا بل أنه كان ينتظر هذا الاقتراح مقابل عدم قتل أختها الصغيرة أخر أفراد عائلتها. على لوسيانا أن تفتدي فالنتينا، أن تهب حياتها مقابل حياة أختها. وهكذا يتمكن كلوستر في نهاية المطاف من الثأر، بينما يقوم بعملية تماهي بين ابنته الصغرى وبين فالنتينا أخت لوسيانا واعتبارها بمثابة طفلته المتوفاة.
وتبقى المسألة مفتوحة هنا أمام خيارين: إما أن يحيط كلوستر بفالنتينا بنوع من العلاقة الغرامية، وإما أن يحيط بها بعلاقة أبوة، أو كليهما. وعملية التماهي التي تعتمل في فكر كلوستر بين بولي وفالنتينا إنما تهدف للانتقام الأخير عبر تحطيم فالنتينا أو عبر الاعتناء بها والسيطر عليها. في كلتا الحالتين، لدى كلوستر النية بوضع اليد النهائية على أخر فرد من أفراد عائلة لوسيانا.