يُقال "ملكي أكثر من الملك"، في حالة تحمّس الشخص لمسألة أكثر من صاحبها، ويبدو إن ولي عهد الإمارات والحاكم الفعلي لها، محمد بن زايد وعياله، ومنهم على وجه الخصوص يوسف العتيبة سفير البلاد في واشنطن، "صهاينة أكثر من الصهاينة"، فلم يعد من قبيل التعسف في الإقرار والجزم في المقال، أن "عيال بن زايد" هم السرطان المستكين في جسد الأمّة التي لم يكفها غصب الأرض وقهر الإنسان فيها، حتى زاد فيها غدرًا وطعنًا بعض المنتسبين إليها زورًا.
لا اختلاف في القول إن ابن زايد وعياله "صهاينة أكثر من الصهاينة" وأنهم بمثابة السرطان المستكين في جسد الأمّة العربية
وحقيقةً، لم يكن من قبيل المفاجأة أن تكشف التسريبات الأخيرة لرسائل العتيبة مع المبعوث الأسبق للولايات المتحدة في الشرق الأوسط دينيس روس أو من يُسمى بـ"الحارس الأصيل لمصالح إسرائيل"؛ حجم الانخراط الإماراتي، ليس فقط في تنفيذ المخططات الصهيونية، بل كذلك في هندستها والتدبير لها.
اقرأ/ي أيضًا: تسريبات جديدة للعتيبة تفضح المفضوح: أبوظبي غاضبة من دعم الدوحة لمقاطعة إسرائيل
وحينما كنا نقول قديمًا "وما خفي أعظم"، فالمكشوف حاليًا هو من بعض المخفي الذي كان متوقعًا. لا يتعلق الأمر، كما بدا لوهلة أولى، بخيار الإماراتيين في اتخاذ موقف ليّن من القضية الفلسطينية، ربما يتموقع فيما كان يُعرف بدول الاعتدال، وهو عنوان مقنّع متنه دول رفعت يدها عن الحق الفلسطيني/العربي أمام "الصديق" الصهيوني. ولا يتعلق الأمر بالنسبة للإماراتيين بهكذا صورة، لأن الحقيقة البيّنة، والتي لا يقفز عليها عاقلان، أن الإمارات هي رأس الشيطان. إنه الوكيل الذي تجاوز حدود وكالته، حتى بات يشجع الموكّل الأصلي على الدفاع عن نفسه. الصورة سريالية في ظاهرها، لكنها أيضًا حقيقية. فهم ليسوا متصهينين، بل صهاينة، ماداموا يدافعون عن الصهيونية أكثر من مغتصبي الأرض في فلسطين.
فالعتيبة يُشجع الديبلوماسي الأمريكي روس، الذي هو بأصله واحدًا من أكبر الداعمين للكيان الصهيوني.. يُشجعه العتيبة على معاقبة قطر لدعمها حركات المقاطعة العالمية للكيان الصهيوني ومنتجاته. من المؤكد أن الإسرائيليين حينما يقرؤون الرسائل المتبادلة بين عربي إماراتي، وأمريكي أبيض، وهما يتنافسان لضرب حركات المقاومة والمقاطعة، ويقترحان الخطط لمعاقبة قطر لدعمها هذه الحركات؛ سيطمئنون، ولسان حالهم: "الأصدقاء يقومون بدور أكبر منا لمساندتنا"، فلعله أمر لم يكن العدو ليتخيّله يومًا!
وتحدثت إحدى هذه الرسائل المسرّبة عن المؤتمر الذي نظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في صيف 2016، للتناول الأكاديمي لملف مقاطعة إسرائيل، القائمة على نظام فصل عنصري، وعلى أنّ المقاطعة ضمن استراتيجيات المقاومة الفلسطينية. وكان المؤتمر معقودًا في تونس، وهو بمثابة اختيار رمزي يعكس متانة العلاقة العضوية بين الثورة والمقاومة، وبين حرية الإنسان وتحرير الأرض. فلو لم تكن ثورةٌ في تونس، لما أمكن تنظيم المؤتمر فيها، حينما كانت ولا تزال، أنظمة القهر العربي تقايض بعدم معاداتها للكيان الصهيوني وعدم دعمها للمقاومة، مقابل ضمان غض بصر الكبار عن الانتهاكات والكف عن الحديث عن الديمقراطية في بلاد العرب.
ورغم حجم المؤامرات على الثورة التونسية، والتي يقود دفتها الشيطان الإماراتي، ورغم أن تونس هي نموذج الحد الأدنى من الحلم العربي، فلم يكن من الممكن أن يمنعوا احتضانها لمؤتمر المركز العربي، والذي بان بالكاشف أنه أقضّ مضجع الصهاينة، ومنهم ابن زايد والعتيبة، وتأكد بأن حركة المقاطعة العالمية لإسرائيل، باتت محل تهديد استراتيجي لهذا الكيان العنصري الغاصب، رغم محاولات الإنكار والتقليل من أهميتها. فحينما تحارب الإمارات الثورة وحق الشعب العربي في التحرر والكرامة، فهي تحارب في الآن المقاومة العربية، وهي التي تحاربهما أصلًا معًا.
حينما تحارب الإمارات الثورات وحق الشعوب العربية في التحرر، فهي تحارب في نفس الوقت المقاومة العربية لتحرير الأرض
ومن باب البؤس، أن مؤتمر المركز العربي في تونس وقتها، حاول شبيحة النظام الأسدي وطحالب نظام القذافي إفساده، متوهّمين أن الحديث حول المقاومة هو حديث حصري لهم، وهم الذين اتخذوا من المقاومة والممانعة علامة تجارية يستعملونها لقتل المواطنين الأحرار، وانتهاك حقوقهم، ومصادرة حرياتهم. كيف حالهم والآن وقد تبين أن المؤتمر الذين حاولوا إفساده، قد أقلق راحة الصهاينة وهم يدّعون أنهم يحاربونهم؟
في النهاية، جميل أن تتوضح الصور دائمًا بعيدًا عن العتمة والضبابية، وجميل أن تكشف الإمارات رأس الأفعى عن وجهها الحقيقي، كي نعلم مدى الخيانة العربية وكي نحدد أعداءنا، فالأفعى حية تبث سمومها في الجسد العربي وفي كل مكان، ونحن لها دائمًا بالنعال، والمعركة دائمًا مستمرة.
اقرأ/ي أيضًا:
تسريبات العتيبة.. إرهاب أبوظبي "الدبلوماسي" برعاية إسرائيلية
"الثور الإماراتي الهائج".. وثائق تكشف خطة أبوظبي لإفشال الديمقراطية في تونس