تحل اليوم الذكرى الـ35 لوفاة الفنان التشكيلي الإسباني سلفادور دالي (1904 – 1989)، الذي يُعد واحدًا من أهم فناني القرن العشرين، وأحد أبرز رسامي المدرسة السريالية التي اكتسبت معه معنىً مغايرًا قوامه الاستفزاز والصدمة إلى جانب الغرابة التي تنطوي عليها لوحاته وتعكس، بحسب العديد من النقّاد ومؤرخي الفن، طبيعة شخصيته التي أثارت الاهتمام بقدر أعماله.
ولد دالي لأسرة ثرية بمدينة جرندة، شمال شرق إسبانيا، في 11 أيار/مايو عام 1904. وعُرف، منذ صغره، بتصرفاته الطائشة وغير العقلانية، والمفارقة أن الصفة الأخيرة ستكون أكثر الصفات ارتباطًا بلوحاته.
ومع أنه بدأ مسيرته من بوابة المدرسة التكعيبية، إلا أنه سرعان ما تخلّى عنها مع ازدياد اهتمامه بالمدرسة الميتافيزيقية منتصف العشرينيات، وذلك قبل انضمامه إلى الحركة السريالية عام 1926، لكنه طُرد منها لاحقًا بسبب مواقفه السياسية الإشكالية، إذ أيّد الجنرال فرانكو بعد انتصاره على الجمهوريين في الحرب الأهلية الإسبانية، ويُقال إنه كان متعاطفًا مع النازية.
وفيما يلي وقفة مع 4 من أهم لوحات سلفادور دالي.
1- إصرار الذاكرة
رسم دالي لوحته "إصرار الذاكرة" في عام 1931. تُعد أهم لوحاته وأكثرها شهرةً وغرابة، فما يظهر فيها لا يبدو منطقيًا عدا عن كونه عصيًا على الفهم والتحليل، ولا تزال اللوحة التي تُعتبر علامة فارقة في تاريخ الفن التشكيلي الحديث، موضع بحث وتساؤل.
تظهر في اللوحة صحراء يجاورها بحر يشغل مساحة ضئيلة منها، إضافةً إلى جذع شجرة وجسم غريب وعدة ساعات تبدو وكأنها ذائبة. وبينما رأى البعض أن اللوحة تعبّر عن موضوع تجميد الزمن أو كسر حدوده، يرى آخرون أنها انعكاس لرغبة دالي في الخلود، بينما ترى فئة أخرى أن اللوحة نتاج تداخل أفكار الراحل الذي تأثّر بفرويد وكتابه "تفسير الأحلام" والفيزياء والسريالية.
2- انمساخ نرسيس
لوحة غريبة أخرى من لوحات سلفادور دالي الذي رسمها عام 1937. تبدو، لأول وهلة، وكأنها مشهدًا فوضويًا تتقاسمه عناصر/أجسام غريبة لا مجال لفهمها، لكنها في الواقع تجسّد أسطورة نرسيس اليونانية كما يراها دالي، الذي أعاد رسمها بأسلوبه غير العقلاني الذي يعكس، بحسب العديد من النقّاد، أقصى مراحل جنون الارتياب لديه.
يرسم دالي في لوحته نرسيس وهو يتأمل انعكاس وجهه في بحيرة أخذته إليها الإلهة نمسيس لمعاقبته على غروره وتجاهله لكل من أحبّه، إذ أُعجب نرسيس بصورته ووقع في غرامها لدرجة أنه أصبح عاجزًا عن مفارقتها، وظل يحدّق فيها إلى أن مات. لكن دالي لم يرسم الأسطورة كما هي، بل أضاف لها الكثير من العناصر والتفاصيل التي تعكس طبيعة نظرتها إليها وفهمه لها.
3- البجعات تعكس الفيلة
يُنظر إلى هذه اللوحة على أنها نتاج اعتماد دالي على "البارانويا الحرجة" في إنجاز لوحاته، وقد شكّل توظيفه للأخيرة انعطافة فارقة في مسيرته الفنية. كما تُعتبر اللوحة من أهم اللوحات التي جسّد فيها مفهوم الصور المزدوجة التي ميّزت أعماله لفترة طويلة.
رسم دالي لوحته عام 1937، وصوّر فيها ثلاث بجعات في بحيرة صغيرة تحيط بهن أشجار باهتة لم يتبق منها سوى أغصانها. لكن ما يلفت في اللوحة هو أن انعكاس البجعات في مياه البحيرة شكّل لوحة أخرى تظهر فيها ثلاثة فيلة. وقد شغل هذا المشهد النقّاد لسنوات طويلة دون الوصول إلى تفسير واضح، بيد أنه ثمة إجماع على أن اللوحة تُثير كمًا هائلًا من المشاعر المتضاربة.
4- وجه الحرب
يُقال إن الفنان الإسباني رسم لوحته هذه تأثرًّا بالحربين الأهلية في بلاده، والعالمية الثانية، إذ انتهى من رسمها عام 1940، بعد نحو عام على نهاية الحرب في بلاده، وعقب مدة قصيرة على اندلاع الحرب الوحشية في أوروبا.
وفيها، صوّر دالي وجهًا يضم مجموعة وجوه أخرى تتشارك جميعها ملامح الرعب والأسى، وتتوسط صحراء قاحلة تُضاعف من بؤس المشهد. ويرى النقّاد أن الغاية من اللوحة تجسيد معاناة الناس خلال الحروب، وحتى ما بعد انتهائها.