يبدو أن النقاش الصاخب حول بناء جدار حدودي في الولايات المتحدة لمنع المهاجرين، يلقى اهتمامًا كبيرًا، بالمقارنة مع الحديث الذي يدور حول أنظمة اللجوء ومنح التأشيرات، على الرغم من أن هذه الأنظمة لا تختلف كثيرًا في جوهرها، حسب ما يجادل هذا المقال المترجم عن مجلة Aeon الإلكترونية.
يعيش جزءٌ كبيرٌ من سكّان العالم في ظروفٍ يصعب على قاطني الدول المتقدّمة فهمها. فالعديد منهم ممّن يعانون فقرًا مُدقعًا، سينتقلون والبهجة تملأ صدورهم للعيش في الولايات المتّحدة أو الاتّحاد الأوروبي أو أستراليا إذا ما سنحت لهم الفرصة. فكيف ينبغي على الدول الغنيّة إعداد وإنفاذ سياسات الهجرة خاصّتها في ضوء ما ذُكر؟
إن كان السياج الحدودي، كما يعتقد معظم الأمريكيين، غير مبرّر، فلن يكون النظام الحالي لسياسات التأشيرات الذي يمنع العديد من فقراء العالم من الانتقال إلى البلدان المترفة مبرّرًا هو الآخر
مؤشّرات الفقر في العالم صاعقة. فوفقًا لآخر التقديرات عن البنك الدولي، يعيش حوالي 2.1 مليار إنسانٍ على أقلّ من 3.10 دولار يوميًا، مع مراعاة اختلافات القوّة الشرائية. بما معناه، أنهم لا يملكون في بلدانهم إلّا ما تقدر 3.10 دولار على شرائه في الولايات المتّحدة.
اقرأ/ي أيضًا: وقف الهجرة أم وقف الحروب؟
من الصعب تخيّل العيش بـ3.10 دولار يوميًا، حتى لو في أقلّ مناطق الولايات المتّحدة تكلفة. ما الذي يُمكنك أكله؟ ربّما فاصولياء وأرز ابتعتهما بسعر الجملة. وربّما، لا تبتاع بعض الملابس إلّا مرّةً سنويًا. ولن تقدر بلا شكّ على تحمّل تكلفة الإيجار، ويتحتّم عليك العيش في مكانٍ ما. قارن ذلك بخطّ الفقر في الولايات المتّحدة البالغ 24000 دولار سنويًا للعائلة المكوّنة من 4 أفراد، بواقع حوالي 16 دولار يوميًا للفرد الواحد. كما وتشهد خطوط الفقر في الاتّحاد الأوروبي ارتفاعًا نسبيًا هي الأخرى، ففي ألمانيا، تصل المؤشّرات إلى حوالي 22500 يورو سنويًا لأسرةٍ مكوّنة من 4 أفراد.
الحياة أفضل بكثيرٍ في الولايات المتّحدة أو ألمانيا منها في أجزاءٍ كثيرةٍ من العالم، حتّى عند أفقر سكّان هذه البلدان. وليس الأمر مجرّد مسألة دخل، فالبلدان المتقدّمة توفّر حياةً أفضل بكثيرٍ من حيث التعليم المجّاني والبنية التحتية وما شابه ذلك، مقارنةً بإثيوبيا أو بنغلاديش.
تخيّل الآن أنّك واحدٌ من أولئك الـ2.1 مليار شخص. فلنقل إنّك تعيش في إثيوبيا، بأقلّ من 3.10 دولار يوميًا. هل سترغب في الانتقال إلى الولايات المتّحدة أو الاتّحاد الأوروبي إذا ما سنحت لك الفرصة؟ بلا شكٍّ نعم، إذ من الجنون رفض ذلك. حيث بمقدورك تحصيل مستوى معيشةٍ أفضل بكثير، حتى لو شغلت وظيفةً لا يتجاوز مرتّبها الحدّ الأدنى للأجور. وبمقدور أطفالك تحصيل تعليم أفضل بكثير، ولن يضطرّوا لعمل من أجل دعم الأسرة ماديًا. ولن يكون هناك داعٍ لمواصلة القلق حول توفّر ما يكفي من الطعام.
إلّا أن هجرتك إلى العالم المترف ليست بتلك السهولة. إذ من أجل الانتقال إلى الولايات المتّحدة بصفةٍ دائمة من خلال الوسائل القانونية، تحتاج إلى الحصول على تأشيرة عمل أو تأشيرة إقامة دائمة. ولهذا، لا بدّ أن يكون لديك عائلة في الولايات المتّحدة (وعلى حسب العلاقة قد يستغرق هذا الخيار أكثر من عقد)، أو العمل في مهنةٍ عالية المهارة مع عرض توظيف، أو الحظّ من خلال نظام قرعة تأشيرات التنوّع. وهناك طرق أخرى، ولكنها تتطلّب من المتقدّمين امتلاكهم مؤهّلاتٍ وظروفٍ محدّدة للغاية. فمثلًا، هناك تأشيرةٌ دائمةٌ للمترجمين الذين عملوا في الجيش الأمريكي خلال الحربين على العراق وأفغانستان.
ويكفي القول إن أي من تلك الخيارات غير متاح تقريبًا لسكّان البلدان النامية الفقراء. ومع ذلك، ما زال بإمكانك محاولة الانتقال إلى الولايات المتّحدة من دون تأشيرة عمل أو إقامة دائمة. أي البقاء في الولايات المتّحدة بطرقٍ غير قانونية بمجرّد دخولك.
إلّا أن فعل ذلك من الصعوبة بمكان في حال كنت من بلدٍ كإثيوبيا. إذ من أجل ركوب طائرةٍ إلى الولايات المتّحدة، تحتاج على الأقلّ إلى تأشيرة سياحية أمريكية. وللحصول على مثل تلك التأشيرة، يتعيّن عليك إثبات عدم نيّتك التخلّي عن إقامتك في إثيوبيا. وكيف لك إثبات ذلك؟ لا بدّ أن تثبت امتلاكك روابط مالية واجتماعية متينةً بما يكفي مع دولتك الأمّ، بحيث يصبح التخلّى عن محلّ إقامتك هناك ضربًا من الجنون. ولكن إن كنت تعيش على أقلّ من 3.10 دولار يوميًا، فلا بدّ أن تجد صعوبةً في إثبات ذلك! وبالنسبة للأشخاص الأشدّ فقرًا، من الصعب للغاية الحصول على تأشيراتٍ سياحية إلى الولايات المتّحدة، حتى لو وضعنا رسوم الطلب المرتفعة جانبًا. وبالمثل، تتطلّب دول الاتحاد الأوروبي وأستراليا ودول غنية أخرى تأشيراتٍ سياحية للأفراد من العالم النامي.
والسبب في أن العديد من فقراء العالم لا يهاجرون إلى البلدان المتقدّمة، عائدٌ إلى إيقاف نظام سياسات التأشيرات وتدابير أمن المطارات والموانئ أو الجدران غير المرئية، إن جاز التعبير، لهم.
وقلّة من الناس، كما يبدو، يدركون ذلك أو يزعجهم. هناك بالطبع مفكّرون ونشطاء يؤمنون بحدودٍ مفتوحة بالكامل. إذ كان الفيلسوف، من جامعة كولورادو بولدر، مايكل هويمر، مؤيدًا مؤثرًا لهذه الرؤية. كما ويدافع الاقتصاديون ذوو العقلية التحرّرية كبرايان كابلان من جامعة جورج ماسون في فرجينيا عن سياسات الحدود المفتوحة. لكن تظلّ مثل تلك الأصوات أقلّية.
فكرة بناء وصيانة الأسوار الحدودية المادّية مثيرةٌ للجدل والخلاف. إذ أظهر استطلاعٌ حديث أجرته مؤسّسة Pew أن غالبية الأمريكيين (62%) يعارضون بناء جدارٍ على الحدود الجنوبية. كما وأثار بناء الأسوار الحدودية في الاتّحاد الأوروبي عقب أزمة المهاجرين الأخيرة جدلاً واسعًا.
ولكن إذا كان هناك ما يبرّر نظام سياسات التأشيرات وأمن المطارات، فلمَ لا تُبرّر الأسوار الحدودية؟ إذ مجرّد القرب الجغرافي ليس له أيّ صلة أخلاقية. وحقيقة أن الأفراد المحتملة هجرتهم عبر الحدود الجنوبية أقرب جغرافيًا إلى الولايات المتحدة من الإثيوبي، لا ينبغي أن تكون ذات أهمّية أخلاقية. وبالتالي، إذا كان سبب عدم وجود سياجٍ حدودي جنوبي هو أن الولايات المتّحدة لا بدّ وأن تسمح للفقراء بالحصول على فرصةٍ لحياة أفضل، فلا يوجد سببٌ أخلاقي إذًا وراء إعطاء هذه الفرصة وحسب للفقراء الذين حدث وعاشوا بالقرب من الولايات المتّحدة.
من الظلم للإثيوبيين أو البنغلاديشيين، أن الحدود البرّية التي يسهل التسلّل من خلالها تتيح للاتينيين أو الوسط-أمريكيين الدخول أو الإقامة في الولايات المتّحدة بدون الوثائق المطلوبة. أما الإثيوبيين أو البنغلاديشيين في المقابل، يواجهون عقبات أشدّ وأصعب في السفر الجوّي وأمن المطارات.
اقرأ/ي أيضًا: هجرة العقول العربية.. النزيف متواصل
يتطلّب الإجبار تبريرًا. فأمن المطارات وسياسات التأشيرات تُجبر الإثيوبيين فعليًا على البقاء خارج أراضي العالم المترف. ولكن إن تمكّن أفرادٌ آخرون ممّن لا تتوفّر لديهم المستندات القانونية المطلوبة من دخول هذه البلدان من خلال أمن الحدود البرية المتراخي، يصبح المبرّر ضعيفًا. وقد يتساءل الإثيوبي: "لماذا توقفني إن كُنت لا توقفهم؟" وليس هناك إجابةٌ مبرّرة أخلاقيًا.
إن كان السياج الحدودي، كما يعتقد معظم الأمريكيين، غير مبرّر، فلن يكون النظام الحالي لسياسات التأشيرات الذي يمنع العديد من فقراء العالم من الانتقال إلى البلدان المترفة مبرّرًا هو الآخر.
فيما يخصّ سياسة الحدود في الدول المتقدمة، فالوضع الراهن غير متّسقٍ أخلاقيًا. إذ لا بدّ أن تتبنّى دول العالم الغنيّة حدودًا مفتوحةً بالكامل
وفيما يخصّ سياسة الحدود، فالوضع الراهن غير متّسقٍ أخلاقيًا. إذ لا بدّ أن تتبنّى دول العالم الغنيّة حدودًا مفتوحةً بالكامل (ربّما مع استثناءات لبعض أنواع المجرمين)، أو عليها فرض الحدود البرّية وتعزيزها تمامًا مثل الطرق الجوّية والبحرية.
اقرأ/ي أيضًا: