كنا قمم جبال شامخة
منتصبة كأعمدة في حلق الكون المتعسّف..
تنحني ظهورنا من هول ما نشهده من انقلاب السُّحُبِ
نلقي بأنفسنا من نوافذ أنفسنا
ونتلذذ بإعادة المشهد ونكرّره
نكرره لنختلط بالموت
لنغوص في أعماقه
لنتذوق ملحه
طعم الموت مالح كماء البحر
تقريبًا.. هذا ما يجمع بينه وبين المحيطات
ظلمة القاع وملوحة تظلّ عالقة في غياهب الذهن قبل اللسان
كنا مع كل محاولة نحاول أن نتذكر ذلك الطّعم
نصفه وندوّن عنه ملاحظات تساعدنا في رحلاتنا القادمة
لكننا نعجز حتى عن التذكر..
في سقوطنا الى هاوية أنفسنا
وعندما نطلّ من تلك النافذة
لحظة حاسمة نعيد خلالها التفكير في عواقب فعلتنا
عدمية الرحلة التي أنهكتنا ونالت من ذكرياتنا والتهمتنا.
عَوْدٌ عَلَى بَدْء..
يمّحي كل القلق
ويبقى ذلك النسيم يهدهد وجوهنا
يجتاز جلودنا ليقتحم العروق
يتسلّل الى الدورة الدمويّة
ويبثُّ فينا بذرة اللامبالاة أمام الماضي
والأمل المحموم الذي يتعاظم مع كل نبضة من القلب
ونحن..
نستعيد ذلك الحلم الشّريد
الذي ظننا أنّنا ركناه في رفّ الذكرياتِ إلى الأبد
ونُحَمِّسُ أنفسنا لمحاولة تخليد لحظة الموت
وتدوين أوجه التشابه مع البحر
والتمعّن في سرّ تلك الملوحة التي تعلق بنا كغبار
يتلاشى مع انتهاء السفر..
هناك..
على القمّة..
نستسلم وننطلق..
تحملنا الريح برفق كأنّها غطاء شفاف ليّن
بساط نقيّ من الأوكسجين
ثم تنعدم الرؤية
ويتحول البساط إلى ظهور شياطين
تقيدنا بأذرعها
وتُسرع بنا
لنلقى موتنا ينتظر..
(ما الذي تُنْبِئُنَا به هذه الأصوات القادمة من العدم؟
لماذا تفزع هذه الكائنات الشيطانية
وتتخلى عن مهمتها في منتصف الطريق؟)
يد تمتد وسط مفترق الطرق
يد إلهيّة ترافقنا ربما لتنقذنا
أو لتنتشلنا من حيرتنا
(يَدُ الله مَعَ الجَمَاعَة)
هذه اليد كانت تحتنا
تتأرجح وتخفّف من حدة الهبوط..
وفجأة تتوقف
تتركنا أمام مفترق الطرق من جديد
مع مجموعة من النوافذ المغلقة
(مشهد يتكرّر ولكننا الآن لا نستحضر متى وكيف)
خلف تلك النافذة على اليمين
غرفة..
في الغرفة طاولة عليها غطاء أبيض يحجبه الغبار
في الطاولة درج به رسائل قديمة تفوح منها رائحة عطر أنثوي
تلك الرسائل تلخص عمري
وتستبق هذه اللّحظة
عندما أقف أمام المفترق
على أمل العثور على الموت وكشف سر الطعم المالح..
خلف تلك النافذة على الشّمال
مقعد معزول في حديقة عمومية..
وعشيقان يتلذذان بقبلتهم الأولى
تحت أشعة شمس تبخرت معها كل حواجز الخجل
ذلك الطعم يعود للاستيلاء على ذاكرتي
طعم قبلتنا الأولى
شيء ما يحثّني على التخلي عن الرحلة (للمرة الألف)
ويدعوني الى العودة الى أحضانك وتدوين قبلتنا وتبادل ذكرياتنا
وقضاء اليوم في انتظار رسائلك المعطرة..
أعود وأطوي ذلك المشهد
أعود إلى ما كنته قبل الرحلة
أعود مثقلًا بالأسئلة
أعود إلى مواجهة الوجع..
وأنت..
تترصّدينني
تتوعدينني
بالحب..
وبالكثير من الرسائل
التي تغرقني وتنسيني تلك الرحلة..
اقرأ/ي أيضًا: