قبل أيام من انطلاق النسخة الثامنة من كأس العالم في إنجلترا عام 1966، اجتمع الفيفا في لندن من أجل تحديد البلد الذي سيستضيف النسخة العاشرة من البطولة عام 1974، إذ ستستضيف المكسيك النسخة التاسعة عام 1970 وفق نظام المداورة بين الأمريكيتين والقارة الأوربية، وهنا تنافست إسبانيا مع ألمانيا الغربية على شرف تنظيم النسخة العاشرة، وما لبث أن سحب الإسبان ملفهم لتنظيم البطولة مقابل منحها حق تنظيم النسخة الثانية عشر التي ستقام عام 1982، وبالتالي حظيت ألمانيا الغربية باستضافة البطولة عام 1974 لأول مرة في تاريخها.
شهد كأس العالم 1974 تسجيل أول حالة تعاطي منشطات في تاريخ كأس العالم وكانت من نصيب لاعب فريق هايتي آرنست جان جوزيف
وبعد فوز البرازيل بكأس العالم الأخيرة التي أقيمت في المكسيك عام 1970، استطاع فريق السامبا أن يحتفظ بكأس جول ريميه للأبد، وذلك عقب إحرازه البطولة لثلاث مرات كانت في أعوام 1958 و1962 و1970، حيث كان العرف الكروي يقتضي ذلك، وهنا كان لزاماً على الفيفا وضع جائزة أخرى لا تقلّ روعة عن كأس جول ريميه التي صممها النحات الفرنسي أبيل لافلور، حيث تقدّم أكثر من 53 فنّاناً ونحّاتاً من 7 دول بتصاميم للكأس الجديدة، ووقع اختيار الفيفا على إحداها التي كانت من تصميم الإيطالي سيلفيو غازانيغا.
استعان سيلفيو غازانيغا بالذهب الخالص كمادة أساسية من أجل صنع تحفته، وطعّمها بحجر الملاكيت الأخضر، وتزن الكأس قرابة ستة كيلو غرام، ويصل طولها إلى 36 سنتيمتراً، ويبرز الكأس تمثالاً لاثنين من اللاعبين الذين يحملون كرة قدم أتت على هيئة الكرة الأرضية، وهنا يصف غازانيغا الكأس التي صنعها بقوله " الخطوط المتموّجة بشكل حلزوني للأعلى من أجل استقبال العالم.. ومن خلال الشد الحيوي اللافت لجسم المنحوتة المتناسق، يسمو لاعبان في لحظة النصر".
ووفقاً للوائح الفيفا لا يستطيع أيّ من الفرق أن يحتفظ بالكأس الجديدة للأبد، بعكس كأس جول ريميه التي يحصل عليها من سيفوز باللقب لثلاث مرات، فالفريق الذي سيحرز البطولة سيحتفظ بالكأس لمدة 4 سنوات، ثم يحصل بعد ذلك على نسخة مماثلة من الكأس مطليّة بالذهب، وليست مصنوعة كاملة من الذهب الخالص.
تقدّمت 99 دولة بطلبات إلى الفيفا من أجل المشاركة في تصفيات النسخة العاشرة من كأس العالم 1974، وتقلّص عدد الفرق بسبب الانسحابات إلى 90 منتخباً، فشارك من أوروبا 32 فريقاً، ومن آسيا وأوقيانوسيا 15، إضافة إلى 22 من أفريقيا و13 من الكونكاكاف "أمريكا الوسطى والشمالية"، و8 من أمريكا اللاتينية.
وكان من أبرز مفاجآت التصفيات خروج منتخب إنجلترا العريق أمام بولندا القوية، والتي أحرز فريقها ذهبية أولمبياد ميونيخ عام 1972، كذلك أخفقت إسبانيا في الوصول إلى النهائيات بسبب خسارتها لمباراتها الفاصلة مع يوغوسلافيا، فيما غاب الاتحاد السوفييتي وصيف النسخة الرابعة من كأس أمم أوروبا 1972عن المشاركة لأسباب سياسية، فبعد تعادله مع تشيلي في موسكو رفضت القيادة السياسية إرسال فريقها إلى سانتياغو لخوض لقاء الإياب، فتأهل الفريق اللاتيني بشكل مباشر للنهائيات دون خوض مباراة الإياب.
اصطحب فريق زائير إلى ألمانيا ساحراً وفريق إطعام متخصص بتحضير وجبات تعتمد على لحم القرود
ونجحت أستراليا في الوصول للعرس العالمي لأول مرة في تاريخها بعد مسيرة حافلة بالتحدّيات ومليئة بالمصاعب، فبعد تخطّيها الصعب لإيران استطاعت أستراليا أن تصل للمرحلة النهائيّة، وهنا كان لزاماً عليها تخطّي كوريا الجنوبية من أجل الوصول إلى النهائيّات، حيث انتهت المباراة الأولى بين الفريقين في سيدني بالتعادل 0-0، وفي لقاء الإياب تقدّمت كوريا بهدفين وكادت أن تصل إلى النهائيات، لكن الأستراليين استطاعوا أن يعدّلوا النتيجة لينتهي اللقاء 2-2 ويحتكم الفريقان لمباراة فاصلة أقيمت في هونغ غونغ. هذه المباراة انتهت بهدف وحيد لصالح أستراليا من تسديدة رائعة لجيم ماكاي، ووصف زميل ماكاي هذا الهدف عندما قال " كان هذا أغرب الأهداف على الإطلاق، لو حاول ماكاي تسديد الكرة مليون مرة بهذه الطريقة لما سجّلها".
واستطاعت زائير "الكونغو الديمقراطية" أن تفاجئ الجميع وتبلغ نهائيات كأس العالم لأول مرة في تاريخها، وذلك بعد تخطّيها لكافة منتخبات أفريقيا التي نافستها وفي طليعتها الفريق المغربي الذي قدّم أداءً جيّداً في النسخة السابقة، فأصبحت زائير أول منتخب أفريقي من جنوب الصحراء الأفريقية يصل للنهائيات، حيث سيتوجّب على اللاعبين الملقّبين بالفهود السوداء أن يتأقلموا مع أجواء أوروبية شديدة الغرابة على بيئتهم المحلّية، لذلك اصطحبت بعثة منتخب زائير معها ساحراً وفريق إطعام متخصصًا بتحضير وجبات تعتمد على لحم القرود.
لن يحتفظ أي فريق بالنسخة الجديدة من كأس العالم بعكس كأس جول ريميه التي احتفظت بها البرازيل للأبد
كما شهدت التصفيات صعود فريق هايتي لأول مرة وآخر مرة بتاريخهم لنهائيات كأس العالم، وجرى لهذا الفريق حادثة فريدة بتاريخ كرة القدم، إذ سقط قلب دفاع الفريق آرنست جان جوزيف باختبار المنشطات وبالتالي بات أول لاعباً في تاريخ كأس العالم يُستبعد من المشاركة بالبطولة بسبب المنشّطات.
سيشهد نظام النسخة العاشرة من كأس العالم أسلوباً مختلفاً عن سابقيه، حيث تم توزيع الفرق الـ 16 المشاركة إلى 4 مجموعات يتأهل من كل واحدة منها اثنين، وفي الدور التالي يتم تقسيم الفرق الثمانية إلى مجموعتين، ويلعب بطلا المجموعتين في المباراة النهائية، وصاحبا المركز الثاني في لقاء تحديد المركزين الثالث والرابع.
فكيف ستكون مسيرة البطولة، وما هي أبرز التفاصيل والأحداث التي سجّلها التاريخ وما زالت ذكراها حاضرة في عالم كرة القدم؟
تابعونا في الجزء القادم من قصة كأس العالم 1974..