محمد حسنين هيكل ليس في حاجة إلى الكذب. كان أكبر من الرؤساء أكثر من كونه عابرًا لهم. لجأ إليه كل من دخل قصر الرئاسة، السادات ومبارك ومرسي والسيسي، وهذا له معنى واحد: "أن لديه ما يقدمه لهم".
الأول طلب منه مساعدة في طرد رجال عبد الناصر من دوائر السلطة، وأغلب كتب التاريخ تقول إنه قدمها، وكان ينتظر مكافأة لكن الزمن والقدر والسادات لم يمنحوها له.
محمد حسنين هيكل ليس في حاجة للكذب. كان أكبر من الرؤساء أكثر من كونه عابرًا لهم. لجأ له السادات ومبارك ومرسي والسيسي
الثاني استضافه في قصر الرئاسة عام 81 بعد خروجه من السجن، لكن شعور الكاتب الصحفي، العابر للأزمنة والرؤساء وأجيال الصحفيين، أنه نجم أفزع مبارك، فقد كان يخطف منه النار والنور وكاميرات التلفزيون.
الثالث حاول أن يحصل منه على شرعية، طالما أن جزءًا من شرعية الرؤساء تأتي من حجر الأستاذ، وصورته معهم تقليد ملازم لزوار قصر الرئاسة، وكان هيكل في حاجة لتذويب الجليد بينه وبين الجماعة لإعادة نجله إلى مصر.
اقرأ/أيضًا: من عصر الدول الاستعمارية إلى عصر الشركات المستعمرة
الرابع كشف عبد السناوي في كتابه الأخير "أحاديث برقاش" أنه اتصل به لمرات عديدة وعرض عليه أن يقدم له كل ما يطلبه، فرد هيكل: "أنت لا تملك لى إلا أن تأمر بجنازة عسكرية، وأنا لا أريد مثل هذه الجنازات".
ربما تكون الحكايات، التي يروّجها دراويشه ومريدوه حوله وأكبرهم عبد الله السناوي، الذي كان ناصريًا في الجامعة ومن هنا قفز إلى مراكب الأستاذ، من وحي خيالهم أو تصوراتهم الفخمة عنه، لكن الكتاب، الذي ينشر على حلقات بخمس صحف عربية، كان به حكايات وقصص لا مفر من التوقف عندها.
نقل السناوي رواية هيكل عن قهوة السادات المسمومة التي قتلت عبد الناصر، التي لا تزال منطقة ألغام تنفجر بمن يدخلها، ولا يتوقف الصحفيون والمقربون عن اقتحامها في ذكرى ميلاده ورحيله كل عام.
وجرت "واقعة القهوة" في الجناح الذي كان يقيم فيه الرئيس بفندق النيل هيلتون، والعالم العربي ينتظر ما تسفر عنه القمة العربية الطارئة، التي عقدت لوقف حمامات الدم في عمان، المعروفة بأحداث أيلول الأسود.
احتدّ "ناصر" على رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات في حضور نائبه، أنور السادات، وصديقه، هيكل، قائلًا: "إما أن ننزل متفقين أو أعلن فشل مؤتمر القمة في التوصل إلى حل".
اقرأ/أيضًا: "سنة أولى سجن".. وقائع سجن صحفي مصري
لم يكن ناصر، في ذلك الوقت، على استعداد لتقبل أي فشل أو مماطلة في التوصل إلى حل ينهي مجازر عمان، وفرض التوتر على الجميع أن يشربوا فنجان قهوة ويأخذوا مهلة للتفكير.
وحسب رواية هيكل، دخل السادات المطبخ وصرف العامل، وأعدّ القهوة، وقدّمها لعبد الناصر. سأله السناوي: هل يمكن أن يكون فعلها السادات؟
أجاب: "والله لا أعرف".
نقل السناوي رواية هيكل عن قهوة السادات المسمومة التي قتلت عبد الناصر، والتي لا تزال منطقة ألغام تنفجر بمن يدخلها
ولكن أين الحقيقة؟
قدم هيكل إجابة تزيد الشك في أن يكون السادات أعد قهوة "مسمومة" لناصر، رغبة في وراثة كرسي الرئاسة، وهي: "هناك أسباب أخلاقية وسياسية وعملية تمنع تورطه فى مثل هذا العمل.. لكني رويت ما رأيت".
الرواية غير منطقية، وصاحبها، الأستاذ هيكل، عدو قديم للسادات وله كتاب احتدّ فيه عليه إلى درجة الإهانة والسخرية والفُحْش، ويمكن أن يكون صادقًا، فكل شيء وارد في سيرك السياسة.. لكن أحد الدبلوماسيين السعوديين سمعه من هيكل في إحدى المرات، فكان رده منطقيًا أكثر: "لو جلس مسؤول إعلامي مع رئيس ونائبه ومسؤول أجنبي، والأمر تطلب أن يعدّ أحدهم فنجان قهوة.. بالتأكيد لن يكون نائب الرئيس"! ومع كل اللغط حول المسألة تبقى احتمالات شاسعة مفتوحة على شتى أشكال التقديرات والاتهامات في الوقت الذي لن يكون صنع فنجان من القهوة مهمة غير قابلة للتنفيذ لنائب الرئيس أو سواه.
اقرأ/ي أيضًا:
مصر.. صلوات الصفحات الأولى في حرم آل سعود
القاهرة.. حرائق فاعلها مجهول!