صدر حديثًا كتاب "فلسطين في الفضاء الصهيوني" للكاتب والمترجم الفلسطيني - السوري محمود الصباغ، محتويًا بين صفحاته على 11 مقالة ودراسة ترجمت عن اللغة الإنجليزية، وبعضها كتب في الأصل باللغة العبرية، ما بين العام 1992 والعام 2014، أي في فترة الانتفاضتين الفلسطينيتين المعاصرتين وبداية انحسار الربيع العربي.
يسعى كتاب "فلسطين في الفضاء الصهيوني" إلى تعريف الطبيعة العنصرية الاستيطانية للحركة الصهيونية وللدولة "القومية" التي أنشأتها
تسلط مقالات الكتاب الصادر عن "دار دال" الضوء على الطرق التي انتهجتها الصهيونية لبناء دولة "قومية يهودية على الطراز الغربي"، عبر طيف واسع ومتنوع من المقاربات النظريات والفرضيات الحديثة في الاجتماع السياسي ودراسات ما بعد الكولونيالية لتعريف الطبيعة العنصرية الاستيطانية للحركة الصهيونية وللدولة "القومية" التي أنشأتها، بما يشمل ذلك مقولات "الإثنية العرقية" المتمركزة قوميًا ودينيًا، وسياسات الهجرة والطرد والتوطن وبنى سياسية ما بعد صهيونية واقتصادية نيوليبرالية حالية تساهم في "تآكل" الفوارق بين "اليمين" و"اليسار" في إسرائيل.
ويقول الصبّاغ عن الصعوبات التي واجهته في ترجمة مقالات كتابه هذا: "إن أهمهما يتمثل في عدم معرفتي باللغة الأصلية التي كتبت بها معظم المقالات، أي العبرية، وهذا أدى بالتالي إلى الصعوبة في الوصول إلى الحالة الذهنية والنفسية الدقيقة لبعض التعابير، بمعنى "ترجمة الأفكار". من ناحية أخرى، بعض المقالات كنت قد اشتغلت عليها قبل مغادرتي سوريا في العام 2013 (مثل مقالات موعاز عزرياهو وأورن يفتحئيل) واضطرت إلى إعادة العمل من جديد بعد انتقالي إلى السويد مما أثر، بلا شك، على طريقة النقل والترجمة انسجامًا مع واقعي الجديد الشخصي والواقع العام الموضوعي. فقد اقتصر عالمي على كمبيوتر شخصي لا أكثر ولا أقل، بينما في سوريا كنت قادرًا على إغناء ما أترجمه سواء من خلال رفدها ببعض الملاحظات من مكتبتي الشخصية أو من خلال مناقشة ما أترجمه مع الكثير من الأصدقاء بما يساعد في اختيار الجملة الذهنية المناسبة التي تناسب القارىء العربي دون الإخلال "اقرأها خيانة إن شئت" بمقاصد الكاتب الأصلي للنص".
ويضيف: "من التحديات الأخرى وهو تحدي فني شكلي يتمثل في أن النصوص المترجمة عبارة عن دراسات ذات طابع أكاديمي نشرت في مجلات متخصصة أو جامعات ما جعلها تحفل بعدد وافر من الإحالات والمراجع والمصادر، ولكي لا يبلغ الكتاب حجمًا ضخما يشكل عبئًا على القارئ ، تم الاستغناء، إلا ما ندر، عن هذه الإحالات والمراجع والمصادر، غير أنه تمت الإشارة إلى المواقع الأصلية التي نشرت فيها المقالات بحيث يمكن لمن يرغب في الاستزادة العودة إليها".
ويرى الكاتب والمترجم محمود الصباغ أن هذا الكتاب يندرج في إطار عام بات معلمًا واضحًا من ملامح "الثقافة الفلسطينية" منذ أيام الشهيد غسان كنفاني، وهو تعريف القارئ العربي بما يدور داخل المجتمع الإسرائيلي، وقد تكون الأكاديميا بعيدة نوعًا ما عن "الشارع" لكنها بصورة عامة هي أكثر من يمكنه أن يفسر حراك الشارع، ولعل مقالتي "الإثنوقراطية" و"استيطان الفراغ" في الكتاب هما مثال على ذلك.
قد تكون الأكاديميا بعيدة نوعًا ما عن "الشارع" لكنها بصورة عامة هي أكثر من يمكنه أن يفسر حراك الشارع
ويرى أن مؤسسة الدراسات الفلسطينية سبقت الجميع في هذا الصدد حين عمدت في العام 1977 إلى ترجمة ندوة عقدتها "وقفية كارنيغي للسلام" الأمريكية في أوروبا سنة 1976، وضمت مجموعة من المفكرين والكتّاب والصحافيين الإسرائيليين، شكلوا نماذج للتيارات الفكرية الرئيسة السائدة في إسرائيل تجاه القضية الفلسطينية والصراع العربي - الإسرائيلي. وظهرت أعمال الندوة على هيئة كتاب باللغة الإنجليزية من تحرير "لاري فابيان وزئيف شيف"، وقد اختارت مؤسسة الدراسات الفلسطينية عنوان "إسرائيليون يتكلمون" للتعبير عن جوهر ومحتوى الكتاب.. ويشير الصباغ إلى أن العنوان لفت نظره منذ أن قرأ الكتاب في أواخر السبعينيات، وقد حاول أن يجد ما يشبهه فوقع اختياره على العنوان الحالي "فلسطين في الفضاء الصهيوني" ولا شك أن الاختلاف يعود إلى طبيعة الكتابين، فترجمة مؤسسة الدراسات الفلسطينية تتحدث عن حوار بين إسرائيليين حول القضية الفلسطينية والصراع العربي – الإسرائيلي، بينما المقالات التي ترجمها الصباغ تتحدث عن "المجتمع الإسرائيلي" من حيث مشاكله الذاتية، حلولها وطرق علاجها ومن ثم انعكاسها على الصراع "الفلسطيني- الإسرائيلي". ويؤكد المترجم أن هذا الكتاب سيكون مفيدًا لمن هم مهتمون بالشأن الإسرائيلي، لا سيما أن هذه المقالات غير مترجمة من قبل إلى اللغة العربية، لا سيما تلك المتعلقة بعمليات التهويد والأسرلة والعبرنة للمشهد المكاني الفلسطيني.
يذكر أن الكاتب والمترجم محمود الصباغ فلسطيني سوري، من مواليد العام 1962. يحمل دبلوم دراسات عليا من جامعات الجزائر تخصص كيمياء، مترجم في الشأن الإسرائيلي وعلم الآثار وتاريخ فلسطين القديم، عضو مشارك ومؤسس في مركز الجرمق للدراسات منذ العام 2021. له العديد من الترجمات.