كان المنتخب المغربي أكثر فريق مرشح لنيل لقب كأس أمم أفريقيا 2023، والتي أقيمت بداية عام 2024، كونه الوحيد من بين المنتخبات العربية والأفريقية الذي بلغ نصف نهائي كأس العالم.
لكنّ كأس أمم أفريقيا 2023 شهدت صدمة لعشاق أسود الأطلس، حيث ودّع المنتخب المغربي البطولة من الدور ثمن النهائي، بعدما كان مرشّحًا فوق العادة لنيل اللقب.
إلا أن منتخب المغرب لا يزال يمتلك القدرات والطاقات التي جعلته يحقق الإنجاز المونديالي، والقادرة على التتويج بالبطولات الأفريقية، وربما تكرار إنجاز كأس العالم، لما يحويه من أسماء ونجوم يلعبون في أقوى الدوريات الاوروبية.
كذلك يملك المنتخب المغربي بعض اللاعبين أصحاب الخبرة في الملاعب العربية والأفريقية، والذين لم يسبق لهم اللعب في قارّة أوروبا، وهو أمر قد يجده البعض يقلّل من حظوظهم في التواجد بقائمة أسود الأطلس، سيما وأن جلّ اللاعبين في المنتخب المغربي ينشطون أو نشطوا سابقًا في أندية أوروبية، إلا إن المدرب وليد الركراكي بحنكته وخبرته، يدرك أن هذه النوعية من اللاعبين تخدم تشكيلته في مسابقات بعينها، ككأس أمم أفريقيا والبطولات العربية، وأبرز مثال على ذلك هو اللاعب محمد الشيبي.
من هو محمد الشيبي لاعب منتخب المغرب؟
في 21 كانون الثاني/يناير 1993، ولد محمد الشيبي في مدينة الدار البيضاء المغربية، مثله مثل أكثر أطفال مدينة كازابلانكا، سيميل قلبه نحو أحد قطبي المدينة الكرويين، الرجاء أو الوداد، وبالنتيجة اختار أخضر كازابلانكا نادي الرجاء.
مرّ محمد الشيبي بجميع مراحل الفئات العمرية لنادي الرجاء، إلى أن حلّ عام 2011، وقتها انضم للفريق الأوّل في نادي الرجاء وعمره 18 عامًا، هو لاعب مهاري وسريع، يلعب في مركز الدفاع، وتحديدًا في مركز الظهير الأيمن، ومقاتل شرس في أرض الميدان، ويسعى بالأساس لعدم السماح لأي لاعب من الفريق المنافس بالعبور من منطقته.
محمد الشيبي ومسيرته الكروية
مسيرة محمد الشيبي في الدوري المغربي شهدت الكثير من التقلبات، فكان يتألّق حينًا، وأحيانًا لا ينجح في إقناع مدرّبيه بإمكانية تواجده أساسيًا في تشكيلتهم، وفي ختام موسم 2013، قرر نادي الرجاء إعارة لاعبه الشاب إلى نادي الكوكب المراكشي، وهناك لعب 10 مباريات في الدوري المغربي، قبل أن يعود في فترة الانتقالات الشتوية إلى ناديه الأصلي "الرجاء".
بعد أيام من عودته للرجاء، تمّ إعارة محمد الشيبي مجددًا إلى فريق آخر، وهو شباب الريف الحسيمي، إلا أن تواضع الفريق بالنسبة لكبرى أندية المغرب، جعله يهبط للدرجة الأدنى في نهاية الموسم، تزامن ذلك مع نهاية فترة إعارته، ليعود مجددًا إلى نادي الرجاء في صيف عام 2014.
لكنّ محمد الشيبي بقي حبيسًا لمقاعد البدلاء في نادي الرجاء، وهو أمر تأثّر به بشكل كبير، خصوصًا أنه من أبناء النادي، وتدرّج في فئاته العمرية كافّة، فقرر الرحيل عن الفريق، وبرر قراره بقوله: " لقد نشأت في الرجاء ولعبت هناك لسنوات، لكن ليس من مصلحتي البقاء، لذلك أذهب للبحث عن دقائق اللعب والمنافسة".
وهنا قرر محمد الشيبي اتخاذ وجهة قد تغضب عشاق النادي الذي ترعرع فيه منذ طفولته، وهو الذهاب إلى الغريم المباشر نادي الوداد، حيث أراد أحمر كازابلانكا تدعيم صفوفه الدفاعية من خلال نجم الرجاء السابق، وكانت كل الأمور تشير إلى أن الشيبي سيلعب للوداد، وأن توقيعه على الانضمام إليه يمثّل مسألة وقت لا أكثر.
بيد أن أمورًا غير متوقّعة ساهمت بعرقلة انتقال محمد الشيبي للوداد، حيث ذكرت وسائل إعلام مغربية أن الوداد تراجع عن إتمام الصفقة في اللحظات الأخيرة، والسبب هو عضوية محمد الشيبي بمجموعة "درب السلطان" المساندة لنادي الرجاء، وهذه المجموعة تشجّع فريقها وتعادي نادي الوداد، وخشية من ردود فعل جماهير الوداد، قرر رئيس النادي حينها سعيد الناصري إلغاء الصفقة.
وبعد أشهر دون أي ناد، اتجه محمد الشيبي إلى فريق الاتحاد الزموري للخميسات، ولم يلعب الكثير من المباريات مع الفريق، الذي هبط للدرجة الثانية في نهاية الموسم، ليرحل محمد الشيبي إلى النادي القنيطري صيف عام 2015، وهناك لمس بعضًا من الاستقرار، فلعب أساسيًا وبشكل شبه دائم بالموسم الأول، كذلك الحال بالنسبة للموسم الثاني، لكن مع ختام ثاني مواسمه مع الفريق هبط النادي القنيطري للدرجة الثانية.
انتقل بعد ذلك محمد الشيبي إلى نادي المغربي التطواني في بداية موسم 2017-2018، ووقع عقدًا مدّته سنتان، لكنّه بقي حبيس مقاعد البدلاء في أكثر المباريات، إلى أن أعلن المدرّب صراحة رغبته في التخلي عن العديد من اللاعبين، ومنهم محمد الشيبي، ليغادر الشيبي الفريق بعد تجربة دامت أربعة أشهر فقط، والوجهة القادمة هي نادي شباب أطلس خنيفرة.
في نادي شباب أطلس خنيفرة قدّم الشيبي مستويات مميزة، لكن وعلى الرغم من ذلك هبط الفريق إلى الدرجة الثانية، ما جعل تجربته مع الفريق تصل إلى نهايتها، وينتقل في تجربة جديدة ومهمة إلى نادي الجيش الملكي المغربي، وهو أحد أقوى أندية المغرب.
وقّع محمد الشيبي عقدًا مع الجيش الملكي لمدّة موسمين، خصوصًا بعدما رغم المدرب محمد فاخر ضمّه إلى صفوف الفريق، وعن هذا تحدّث محمد الشيبي: "لم يكن مقبولاً رفض العرض المقدم من الجيش الملكي، لأنه يظل فريقاً كبيراً وذو وزن، وله قيمة خاصة مع وجود المدرب محمد فاخر، الذي أكن له كل الاحترام، فهو مدرب صاحب خبرة كبيرة، وسأستفيد منه كثيرًا".
وفي أوّل مواسمه مع الجيش الملكي "2018-2019" ثبّت محمد الشيبي مكانه في التشكيلة الأساسية، وأصبح من أركان الفريق وأحد عناصره البارزين، بقيادة المدرب محمد فاخر، ولكن في الموسم التالي، تولى عبد الرحيم طالب تدريب الجيش الملكي، ليدخل محمد الشيبي نفقًا مظلمًا يصعب الخروج منه.
المشكلة ظهرت في بداية موسم 2019-2020، وتحت قيادة المدرب الجديد عبد الرحيم طالب، وقتها غاب محمد الشيبي عن تشكيلة الفريق، بسبب غيابه عن المباريات التحضيرية للموسم. وقال المدرب لاحقا في مؤتمر صحفي ردًا على سؤال حول مشاركة الشيبي: "لقد كنت واضحًا مع الشيبي قبل بداية فترة الإعداد، عندما أبلغني أنه لن يقدم أي مساهمة للفريق، لأنه لم تعد لديه الرغبة في الاستمرار مع الجيش الملكي".
وأكمل المدرب عبد الرحيم طالب حديثه: "أشعر بالأسف للوضع الحالي لمحمد الشيبي، لأنه يجد نفسه بلا فريق، لكني حاولت معه في البداية عكس موقفه. أعطيته الوقت للتفكير في هذا القرار، لكنه فضل الرحيل، وبالتالي عليه أن يتحمل مسؤولية قراره. لا يمكنني قبول العمل مع لاعب أدار ظهره لنا خلال فترة الإعداد، لأنه هذا الموسم لا يوجد فيه مجال للتنازلات، ومن يظهر استعداده للتضحية ومساعدة الفريق فمرحباً به، أما من أدار ظهره لنا فلا مكان له في الجيش الملكي".
اضطر محمد الشيبي إلى إنهاء عقده مع الجيش الملكي بعد تصريحات المدرب عبد الرحيم طالب، لكن الأمر لم يتوقّف عند هذا الحد، بل خرج محمد الشيبي بتصريحات نارية تكذّب مدرّب الجيش الملكي، فقال: "جميع التصريحات التي أدلى بها المدير الفني للفريق عبد الرحيم طالب، لا أساس لها من الصحة على الإطلاق، ولدي ما يثبت ذلك".
وأكمل الشيبي: "لم أحظ بجلسة تدريبية واحدة مع هذا المدرب، لقد اجتزت الفحوصات الطبية قبل بداية الموسم، وحضرت للتدريب، لكن طالب منعني وعدد قليل من اللاعبين الآخرين من التدريب، بحجة أنه لا يعول علينا هذا الموسم".
وزاد الشيبي في كلامه: "طالب يسعى لتضليل الرأي العام، لدي أدلة ووثائق تثبت أن مدرب الجيش الملكي غير صادق في كلامه". ولاحقًا نشر الشيبي هذه المستندات التي تؤكد مزاعمه وتدحض مزاعم المدرب، ما تسبب بإنتهاء العلاقة بين الشيبي والجيش الملكي.
مع بداية عام 2020، انضم الشيبي إلى نادي اتحاد طنجة، وهناك أثبت نفسه مجددًا، وأضحى لاعبًا أساسيًا في تشكيلة الفريق الذي وقع معه عقدًا لمدة موسمين، وكان من نجوم الدوري المغربي، فاستحق التواجد في تشكيلة الموسم، وتم اعتباره أفضل ظهير أيمن بالدوري المغربي كلّه.
هذا التألّق دفع أندية كبيرة للإفصاح برغبتها التعاقد معه، منهم نادي الرجاء ناديه القديم، ونادي الجيش الملكي الذي تركه بعد الخلاف الذي تحدثنا عنه مع المدرب، وبما أن الجيش الملكي أصبح يدربه مدرب آخر هو البلجيكي سفين فاندنبروك، والذي وضع ثقته الكاملة في محمد الشيبي، فكان قرار الأخير هو العودة للجيش الملكي.
موسم 2021-2022 كان جيّدًا بالنسبة لمحمد الشيبي، والذي استطاع أن يرد اعتباره في الجيش الملكي، وأنهاه متوّجًا ببطولته الوحيدة في مسيرته الكروية، عندما فاز الجيش الملكي بكأس المغرب.
تألّق محمد الشيبي دفع نادي بيراميدز المصري للتعاقد معه، وكلّفت الصفقة النادي المصري قرابة مليون و800 ألف دولار أمريكي، ومن حينها قاد الشيبي فريقه لوصافة الدوري المصري خلف النادي الأهلي، ويلعب حاليًا ثاني مواسمه مع بيراميدز، والذي يصارع على جبهات عديدة، أهمها دوري أبطال أفريقيا والدوري المصري.
محمد الشيبي مع منتخب المغرب
من الصعب على أي لاعب مغربي غير محترف في أندية أوروبا أن يضمن مكانًا له في المنتخب المغربي، لكنّ محمد الشيبي استطاع أن يمثّل المغرب في كأس العرب لتحت 20 عامًا في عام 2011، وكان من نجوم البطولة، والتي انتهت بفوز المغرب باللقب على حساب المنتخب السعودي.
وفي عام 2012، شارك محمد الشيبي مع منتخب بلاده في تصفيات كأس أمم أفريقيا تحت 20 عامًا، إلا أن فشل الفريق في الوصول إلى النهائيات، وضع حدًا لمسيرته الدولية لفترة طويلة، حتى نجح في ارتداء قميص المنتخب المغربي بعد فترة طويلة.
انتظر محمد الشيبي تسعة أعوام كي يرتدي قميص المنتخب المغربي مجددًا، فآخر مرّة لبسه كان في تصفيات أفريقيا لتحت 20 عامًا عام 2012، والآن سنحت له الفرصة من أجل إثبات نفسه مجددًا، حينما استدعاه المدرّب الحسين عموتة للانضمام إلى تشكيلة أسود الأطلس في كأس العرب 2021، علمًا أن المغرب شاركت في تلك النسخة بتشكيلة من اللاعبين المحليين.
محمد الشيبي كان سعيدًا للغاية بانضمامه لمنتخب المغرب، فصرّح قائلًا: " فرحتي كبيرة، لأن كل لاعب يحلم بتمثيل المغرب في المحافل الدولية"، وبعد ذلك لعب الشيبي في كل المباريات بالبطولة، وساهم مع فريقه في صدارة المجموعة بثلاث انتصارات دون أن يهتز شباك أسود الأطلس بأي هدف، فازوا على السعودية والأردن وفلسطين، وبلغوا الدور ربع النهائي، قبل أن يخسروا أمام الجزائر بركلات الترجيح.
بعد ذلك استدعى وحيد خليلوزيتش مدرب المنتخب المغربي الأول محمد الشيبي لخوض تصفيات كأس العالم 2022، ومن ثم استدعاه أيضًا للمشاركة في كأس أمم أفريقيا 2022، لكنّ الشيبي بقي حبيسًا لدكة البدلاء في كلّ البطولة، وفي أواخر عام 2022، مع قرب انطلاق كأس العالم، لم يضعه وليد الركراكي في التشكيلة المشاركة بكأس العالم، مفضلًا عليه أشرف حكيمي ونصير مزراوي ويحيى عطية الله.
وفي أوائل عام 2024 انطلقت مسابقة كأس أمم أفريقيا، والتي كان من المقرر أن تلعب في عام 2023، قرر وليد الركراكي ضمّ محمد الشيبي لقائمة المنتخب المغربي، وأعلن صراحة أن الشيبي أتى بعد تعرض أيوب العملود للإصابة، فقال: "لقد أعطيت الأولوية لأيوب العملود، وتعرض عقب مباراته الأخيرة لإصابة أبعدته عن اللعب لمدة 15 يومًا. ومع كل الشكوك الأخرى التي لدينا بالفعل، لا أستطيع إضافة المزيد من الشكوك، يلعب الشيبي في نادي بيراميدز، أنا أعرفه وهو يعرف أفريقيا، يمكنه أن يجلب لنا شيئًا ما، أعتقد أنه متحمس للغاية وأعتقد أنه سيكون على مستوى المهمة".
لكم أن تتخيلوا شعور محمد الشيبي عندما سمع هذا الخبر، فلم ينتظر سوى دقائق حتى جاهر بفرحته الغامرة في تمثيل أسود الأطلس لأوّل مرّة بمحفل كبير ككأس أمم أفريقيا، حيث حدث ذلك وهو بعمر 31 عامًا، فنشر في حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي ردًّا إيجابيًا على تصريحات الركراكي، وقال: "بكل فخر أعبر عن سعادتي بالتواجد في قائمة منتخبنا الوطني العزيز، للمشاركة في حدث أفريقي كبير. أشكر المدرب الوطني وطاقمه على ثقتهم بي".
محمد الشيبي شارك مع المغرب في أول مباراتين من كأس أمم أفريقيا، وفيهما فازت المغرب على تنزانيا وتعادلت مع الكونغو، وبعد ذلك لم يشارك في المباراتين التاليتين أمام زامبيا وجنوب أفريقيا، حيث ودّعت المغرب البطولة من الدور ربع النهائي.
حكاية اللاعب المغربي محمد الشيبي مليئة بالتباينات، أحيانًا يكون في القمّة، وأحيانًا أخرى يتخبّط بمشاكل فنية أو إدارية، وأثّر تنقله المتكرر بين الأندية على استقراره الفني والمهاري، ومع ذلك نجح محمد الشيبي بإصراره ومثابرته في تحقيق حلم يتمنى ملايين المغربيين أن يحققوه، وهو ارتداء قميص منتخب المغرب في كأس أمم أفريقيا.